هل تفشي ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا دليل على إفلاسها؟
١١ أبريل ٢٠١٢يجتاح التيار اليميني أوروبا فور وقوع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمشروع وحدتها! تفسير أصبح يتردد في الآونة الأخيرة، لكن فلوريان هارتلب من مركز بروكسل للدراسات الأوروبية، يرى هذا التفسير غير مقنع ومبسطا للغاية، خصوصا أن اليمينيين الشعبويين لا يمتلكون أي استراتيجيات لمكافحة الأزمة، ولا يقدمون سوى الشعارات القومية والمناهضة للوحدة الأوربية والعولمة.
صعود اليمين المتطرف في الدول الغنية
تكفي نظرة على الدول الاسكندينافية الغنية لترجيح رأي فلوريان. ففي الدول الاسكندينافية على سبيل المثال لا يكاد يكون هناك تأثير واضح لأزمة الديون في منطقة اليورو، كما أن الهجرة غير الشرعية ليست مشكلة كبيرة هناك. ومع ذلك فإن الساحة السياسية تشهد صعوداً غير مسبوق للأحزاب اليمينية الشعبوية. فقد حصد حزب " الفنلنديون الحقيقيون" في فنلندا نجاحاً ملفتاً في الانتخابات الأخيرة وكان شعار حملتهم "نحن لا نفهم، لماذا ندفع للبرتغال". ويقول فلوريان هارتلب، إن هذا الحزب حصد 20 في المائة من الأصوات. وفي السويد، شق الحزب اليميني الشعبوي "السويديون الديمقراطيون" في عام 2010 للمرة الأولى طريقه إلى البرلمان.
تستفيد هذه التيارات في البلدان الغنية من خوف المواطنين من تدهور وضعهم، كما يقول الخبير هارتلب" أهم دافع هو شوفينية الرفاهية، لذا يختار أبناء الطبقة المتوسطة هذه الأحزاب". ويوضح هارتلب أن الهجوم الإرهابي، الذي نفذه اندرياس بريفيك بدوافع يمينية متطرفة في صيف 2011 في النرويج، يعتبر هناك عملا فرديا وليس دلالة على مشهد العنف المتصاعد.
وفي ألمانيا هزت جرائم العنف ذات الدوافع اليمينية المتطرفة البلاد. ويقف وراء هذه الجرائم خلية مؤلفة من ثلاثة أشخاص، تطلق على نفسها اسم الحركة الاشتراكية الوطنية السرية. استمرت هذه الخلية على مدار أكثر من عقد من الزمان في العمل وارتكبت عدة جرائم قتل ذات دوافع عنصرية، حتى استطاعت السلطات تقفي أثر أعضائها. وبعد إلقاء القبض عليهم اتضح وجود علاقة بين هذه الخلية والحزب الوطني الديمقراطي الألماني والمعروف بتعارض مبادئه مع الدستور. هذا الحزب لا يصنف فقط على أساس أنه حزب يميني شعبوي ولكن كحزب يميني متطرف. ورغم ذلك فإن الخبير هارتلب يعارض حظر الحزب الوطني الديمقراطي، موضحاً "المشكلة في ألمانيا ليست في صعود الأحزاب اليمينية، ولكن في جرائم العنف ذات الدوافع اليمينية وفي ظاهرة المجموعات الصغيرة والمسئولة عن سلسلة من عمليات القتل."
صعود اليمين في المجتمعات الليبرالية
كما تشهد البلدان المجاورة لألمانيا صعوداً لافتاً للأحزاب اليمينية على الساحة السياسية. فقد أصبح حزب فلامس بيلانغ اليميني الشعبوي والعنصري في العشرين سنة الماضية واحداً من أقوى الأحزاب السياسية الثلاثة، التي تسيطر على المشهد السياسي في بلجيكا. وفي هولندا أصبح بقاء حكومة الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين اليمينيين في سدة الحكم معتمداً على دعم حزب الحرية اليميني الشعبوي بزعامة خيرت فيلدرز، كطرف هام في الائتلاف المكون من الأحزاب الثلاثة. ويوضح هارتلب إستراتيجية اليمينيين الشعبويين في هولندا "يدعو خيرت فيلدرز على موقع اليكتروني على شبكة الانترنت إلى تسجيل الجرائم التي يرتكبها الأوربيون الشرقيون". ويضيف "إنه يثير بذلك المخاوف الدفينة."
ويرى شتيفان سايديندورف، المؤرخ ورئيس القسم الأوروبي في المعهد الفرنسي الألماني في لودفيغسبورغ، أن الثقافة الليبرالية في هذه البلدان قد تكون السبب وراء صعود التيار اليميني. يجري سايديندورف دراسة حول التيارات اليمينية الشعبوية في كل أوروبا ويقول: " أظهرت هذه الرؤية الليبرالية التي تتعامل مع الناس من منطلق العولمة نقاط ضعفها في السنوات الأخيرة لأنها لم تتناغم مع الواقع".
إفلاس الليبراليين أصبح ملموساً في فرنسا، حيث كان النقاش يدور حول الطبقة الوسطى العالمية، في الوقت الذي نشأت فيه غيتوهات وأحياء فقيرة في الضواحي.
وفي الوقت الذي يدعم فيه خيرت فيلدرز اليميني الشعبوي الحكومة الهولندية، فقد استطاع حزب الحرية النمساوي شق طريقه إلى السلطة وتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب النمساوي المحافظ في عام 2000.
صعود التيارات اليمنية في بلدان التغيير
كما قويت شوكة الأحزاب اليمينية في أوروبا الشرقية. ويرى العديد من المراقبين أن هذا التطور مرتبط بظاهرة التحديث والتغيير. ويقول المؤرخ شتيفان سايديندورف إن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت أيضاً وجود أحزاب متطرفة على هامش الأحزاب اليسارية واليمينية في أوربا الغربية: "لقد استغرق الأمر جيلا بأكمله حتى تم تحديث النظام الحزبي وتعزيزه والتخلي عن هذه الإغراءات المتطرفة لتضيع في غياهب الماضي". وهذا ما يمكن ملاحظته أيضاً في أوروبا الشرقية مع وجود بعض الاختلافات، كما يقول سايديندورف.
وعلى النقيض من هذا الرأي فإن الخبير بالشئون الأوروبية فلوريان هارتلب يرى أن التغيير والتحول الديمقراطي لا يمكن أن يكونا سبباً لصعود التيار اليميني بعد عشرين عاماً من تغيير النظام. هارتلب لا يساوره شك في أن النظم الديمقراطية في أوروبا الوسطى مثل جمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر لا تختلف من حيث الجودة والاستقرار عن الديمقراطيات الغربية. هذه الدول، ومعها بولندا أيضا، تشهد الآن صعود التيارات اليمينية. ويؤكد هارتلب على ضرورة التفريق بين هذه الدول: " كل هذه الدول لديها تاريخها الخاص بها وتختلف عن بعضها اختلافاً كبيراً، لذا فسيكون من الخطأ التعاطي معها وكأنها كلها دول الكتلة الشرقية سابقاً".
التحدي الذي تواجهه أوروبا
لكن المؤرخ شتيفان سايديندورف يرى أن الأزمة الاقتصادية لعبت دوراً في صعود التيارات الشعوبية اليمينية. فقد أصبح خاسرو الحداثة يلجأون بشكل متزايد إلى الأحزاب اليمينية. ويوضح شتيفان سايديندورف أن هناك عاملاً آخر يقف وراء هذه الظاهرة: ألا وهو أن أوربا ملزمة بالتعامل مع الهجرة المتزايدة، ولكنها لا تملك سياسة هجرة مشتركة. وعندما تعجز الأحزاب السياسية القوية عن حل المشاكل، فإن الناس تحاول أن تجد أجوبة شافية لدى الحركات المتطرفة. يبدو هذا العامل قاسماً مشتركاً بين كل الدول الأوروبية، التي تشهد صعود التيارات اليمينية.
ويؤكد هارتلب على ضرورة التزام الاتحاد الأوروبي بأحزابه ومؤسساته بتأدية واجبها "لا يتعين على السياسة إدارة الأمور فقط"، ويضيف هارتلب أن السياسة بحاجة إلى رؤى جديدة وأن الاتحاد الأوربي ملتزم بتقديم رؤى واضحة حول مستقبل أوروبا. ويضيف"مثل هذه الرؤى تبعث على التفاؤل وتزيل المخاوف".
دافنه جراتفول/ مي المهدي
مراجعة: عبد الرحمن عثمان