هل خرج الأدب العربي في ألمانيا من شرنقته الضيقة؟
٢٢ نوفمبر ٢٠١١عادة ما يصدر الأدب العربي في المنطقة الألمانية عن دور نشر صغيرة مثل "لينوس" و"أونيون" السويسريتين، أو دار "هانز شيلر" المختصة بالأدب العربي في برلين. ولكن في الآونة الأخيرة صدرت عدة أعمال عربية لدى دور نشر كبيرة ومهمة، مثل "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف و"عزازيل" ليوسف زيدان (نشرت الرواية الأولى دار "ديدريشس" والثانية "لوخترهاند"، وكلاهما تابعتان لدار "راندوم هاوس" العالمية). كما صدرت مؤخراً ثلاث روايات عربية لدى إحدى أهم دور النشر الأدبية في ألمانيا، وهي دار "زوركامب" العريقة، هذه الروايات هي "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ و"مريم الحكايا" لعلوية صبح و"يالو" لإلياس خوري.
هل حقق الأدب العربي بذلك الاختراق المأمول في المنطقة الألمانية؟ وهل نستطيع أن نقول أن الأدب العربي في ألمانيا خرج أخيراً من الشرنقة الضيقة التي كان محبوساً فيها وأصبح الآن بالفعل أدباً عالمياً ترحب به دور النشر الكبرى؟
تغير نوعي لا يعني نجاحاً تجارياً
عندما طرحت دويتشه فيله هذا السؤال على المترجمة البرلينية، اللبنانية الأصل ليلى الشماع - التي ترجمت "مريم الحكايا" و"يالو" - ضحكت قائلةً "يا ريت!"، ثم أضافت أن هناك تغييراً نوعياً لا كمياً في ترجمة الأدب العربي. ولكن تبقى هذه الحالات – أي صدور روايات عربية عن دار مثل "زوركامب" – "نادرة جداً" واستثناء من القاعدة. (للاستماع إلى الحوار الكامل مع ليلى الشماع، اضغط على الرابط أسفل المقالة!)
عندما حلّ الأدب العربي في عام 2004 ضيف شرف في معرض فرانكفورت للكتاب، كان كثيرون يأملون أن تكون تلك بداية استقبال الأدب العربي على مستو لائق في ألمانيا. غير أن الوضع لم يتغير كثيراً منذ ذلك الحين، مثلما تشير الشماع التي تقول: "بعد الضجة الكبيرة التي أثيرت آنذاك، وبعد ترجمة نحو خمسين كتاباً في 2004، فإن الاهتمام الآن خف، وعادت وتيرة ترجمة الكتب العربية إلى ما كانت عليه قبل 2004، أي نحو عشرة كتب في العام."الفارق النوعي الوحيد هو نشر كتب عربية مترجمة في دور نشر كبيرة مثل "زوركامب" و"كليت كوتا" و"هانزر".
غير أن هذا التغير النوعي لا يعني نجاحاً تجارياً. وتشير ليلى الشماع في حديثها إلى دويتشه فيله إلى رواية "مريم الحكايا" للروائية اللبنانية علوية صبح كمثال على ذلك. فالبرغم من أن الرواية حصدت نجاحاً نقدياً في ألمانيا وسجلت مبيعات عالية في فرنسا، فإن مبيعاتها في ألمانيا محدودة لم تزد حتى الآن عن ألف نسخة.
"الكتب السهلة" هي المفضلة
ليس هناك جمهور كبير للأدب العربي في ألمانيا إذن، مثلما ترى الشماع. ولكن السؤال هو لماذا؟ هل لا يخاطب الأدب العربي ذوق القارئ الألماني؟ هل الموضوعات التي يتناولها لا تهم القراء الألمان؟ هل هناك أسباب سياسية أو اجتماعية تعوق استقبال الأدب العربي على نطاق واسع في المنطقة الألمانية؟ أم أن هناك أسباباً لها علاقة بالمستوى الأدبي للأعمال المترجمة ؟
وترجع ليلى الشماع ذلك في المقام الأول إلى أن القراء الألمان عموماً يفضلون "الكتب السهلة"، مثل الروايات البوليسية التي تحقق أعلى أرقام مبيعات، في حين يبتعدون عن "الأدب الراقي" ذي الموضوعات الصعبة. وتقول المترجمة إن رواية مثل "يالو" – التي تتناول موضوع الحرب الأهلية اللبنانية - تمثل موضوعاً صعباً بالنسبة لكثيرين من الألمان، مثلما قالت لها دار النشر.
ومن أمثلة "الكتب السهلة" التي تلقى رواجاً في ألمانيا كتاب "تاكسي" لخالد الخميسي، الذي ظهرت ترجمته لدى دار "لينوس" الصغيرة في بازل بسويسرا. "تاكسي" استطاع في غضون شهور قليلة أن يبيع أكثر من 20 ألف نسخة، وذلك لأنه كتاب يتسم بالفكاهة ويقدم حوارات مسلية بين الكاتب وسائقي سيارات الأجرة في مصر، وهو رغم خفته يعطي صورة جيدة عن الوضع الاجتماعي والسياسي في مصر الآن، أي أنه كتاب يجمع بين الإمتاع والتسلية والمعلومة. فإذا ما قارنا مبيعات "تاكسي" (20 ألف نسخة) بمبيعات "مريم الحكايا" أو "يالو" (ألف نسخة لكل رواية) اتضحت لنا نوعية الكتب التي يفضلها القارئ الألماني.
سمير جريس
مراجعة: يوسف بوفيجلين