هل سوريا آمنة بما يكفي لترحيل اللاجئين إليها؟
٦ سبتمبر ٢٠٢٤تجدد الجدل حول ترحيل مرتكبي الجرائم من اللاجئين السوريين إلى وطنهم، خاصة بعد هجوم بسكين قام به لاجئ سوري رفض طلب لجوئه في مدينة زولينغن الألمانية، وكذلك بعد نجاح "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي في الانتخابات المحلية بولاياتي سكسونيا وتورينغن. يتركز النقاش حاليًا حول اللاجئين الذين ارتكبوا جرائم. وتزايدت التساؤلات أيضًا بعد تقارير إعلامية تحدثت عن لاجئين سوريين يسافرون إلى وطنهم لقضاء إجازاتهم. ولكن كيف هو الوضع الأمني في سوريا اليوم؟
تنقسم سوريا حاليًا إلى أربعة أقاليم سيطرة مختلفة. النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد يسيطر على الجزء الأكبر من البلاد، بنسبة تصل إلى 60%. في حين تسيطر "هيئة تحرير الشام" على منطقة صغيرة في الشمال الغربي، وتحتفظ تركيا بالسيطرة على شريطين حدوديين في الشمال، بينما تدير القوات الكردية معظم المناطق الشمالية الشرقية.
ويشير عالم السياسة أندريه بانك من "معهد الدراسات العالمية والمناطقية الألماني" (GIGA) لـ DW إلى أنه لا يمكن اعتبار أي من هذه المناطق آمنة. وقال بانك وهو أيضا مؤلف دراسة نشرت مؤخرا حول الوضع الأمني في سوريا مع خبيرة الشرق الأوسط رونيا هيرشنر: "من وجهة نظري، من غير الممكن في الوقت الحالي تنفيذ عمليات ترحيل إلى أي من هذه المناطق الأربع".
أحد أكثر الأنظمة قمعًا في العالم
وفقًا لدراسة حديثة، يعيش حوالي 9.6 مليون شخص في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. ويصف التقرير نظام الأسد بأنه "أحد أكثر الأنظمة قمعًا في العالم"، حيث يمارس الاعتقالات التعسفية، المحاكمات العسكرية، والتعذيب على نطاق واسع. كما يرفض النظام تقديم أي معلومات حول مصير أكثر من 125ألف سجين.
ويشير خبير الشرق الأوسط والمستشار السياسي كارستن فيلاند في حديث مع DW إلى حالات لسوريين تم ترحيلهم من لبنان إلى سوريا واختفوا دون أثر بعد عبور الحدود. وذكر أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون قد اعتُقلوا من قبل أجهزة المخابرات وربما تعرضوا للتعذيب أو حتى القتل. وقد تم توثيق سلسلة كاملة من حالات الاختفاء القسري المشابهة.
ويعتبر بقاء الكثير من اللاجئين في ظروف بائسة في مخيمات لبنان والأردن بدلًا من العودة إلى سوريا مؤشرًا واضحًا على خوفهم مما ينتظرهم في حال العودة. وقال فيلاند: "هم لا يخشون عدم قدرتهم على العودة إلى حياة طبيعية في سوريا؛ بل يخشون على حياتهم".
المتطرفون والغارات الروسية
الوضع في إدلب، شمال غرب سوريا، ليس أفضل حالًا. تلك المنطقة التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" المتطرفة، يعيش فيها حوالي ثلاثة ملايين شخص، منهم 1.7 مليون نازح داخليًا. ويعتمد السكان هناك بشكل شبه كامل على المساعدات الخارجية التي تقدمها الأمم المتحدة.
الوضع في إدلب في شمال غرب سوريا ليس أفضل حالا. ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في المنطقة التي تسيطر عليها منظمة هيئة تحرير الشام الإسلامية المتطرفة 1.7 مليون منهم نازحون داخليا. تعتمد سبل عيش جميع السكان تقريبا بشكل شبه كامل على المساعدات الخارجية من الأمم المتحدة وتشير الدراسة التي أعدها بانك وهيرشنر إلى أن أكثر من 80% من السكان لا يحصلون على مياه شرب كافية، ولا على خدمات صحية أو معالجة للنفايات.
بالإضافة إلى ذلك، يتعرض الجزء الجنوبي والشرقي من المنطقة لهجمات جوية روسية متكررة. تدعم موسكو نظام الأسد منذ فترة طويلة. وقد ازدادت هذه الهجمات منذ بداية حرب غزة. ونتيجة لذلك، تم تهجير حوالي 160,000 شخص داخل شمال غرب سوريا بين أكتوبر وديسمبر 2023، وغالبًا ما يكون هذا التهجير للمرة الثانية أو الثالثة.
يضيف خبير الشؤون السورية كارستن فيلاند أن الجهاديين، الذين نشأوا من جماعات مرتبطة بالقاعدة، يسيطرون على المنطقة بسلطة صارمة. ورغم أن الإسلاميين المتطرفين قد خففوا من حدة أيديولوجيتهم إلى حد ما، إلا أنهم ما زالوا يسعون إلى فرض السيطرة، خصوصًا على النساء، اللاتي تُقيد حقوقهن بشدة. كما يواجه المعارضون السياسيون خطرًا كبيرًا، حيث يمكن أن يكون التعبير عن المعارضة أمرًا يهدد الحياة.
"جرائم حرب" تحت السيطرة التركية
حتى في المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في شمال شرق سوريا، حيث يعيش حوالي 2.1 مليون شخص، بمن فيهم اللاجئون السوريون المرحلون من تركيا ، لا تُعتبر الحياة آمنة. فقد وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها "الجيش الوطني السوري" المعارض للأسد، والذي يتعاون مع الجيش التركي. ويشير آدم كوغل، نائب مدير هيومن رايتس ووتش، إلى أن "الانتهاكات المستمرة، بما في ذلك التعذيب والإخفاء القسري لأولئك الذين يعيشون تحت الحكم التركي في شمال سوريا، ستستمر ما لم توقفها تركيا بنفسها". ويضيف أن "المسؤولين الأتراك ليسوا فقط متفرجين على هذه الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية كقوة احتلال، وفي بعض الحالات كانوا متورطين بشكل مباشر في جرائم حرب واضحة".
القمع في المنطقة الكردية
في شمال شرق سوريا، الذي تسيطر عليه بشكل رئيسي "وحدات حماية الشعب" الكردية المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، لا تزال الأوضاع غير مستقرة تمامًا. وقد حاربت هذه القوات تنظيم "داعش" في الماضي، لكنها الآن منخرطة في نزاعات مسلحة مع الجيش التركي وكذلك مع قوات موالية لإيران. بالإضافة إلى ذلك، تتنافس المجموعات الكردية والعربية في المنطقة على السلطة والنفوذ.
كل هذا دفع القوى الحاكمة في المنطقة إلى تصعيد القمع ضد المعارضين السياسيين، وفقًا لدراسة بانك وهيرشنر. وتشمل هذه الانتهاكات التجنيد القسري، والقتل خارج نطاق القانون، والاعتقالات التعسفية، وكذلك التعذيب في السجون.
خلصت الدراسة إلى أن سوريا ليست آمنة في أي منطقة من مناطقها. ويتفق كارستن فيلاند مع هذا الرأي، حيث يقول: "إذا كان السؤال هو ما إذا كانت سوريا بلدًا آمنًا، فإن إجابتي ستكون بلا شك 'لا'، وذلك بالنسبة لجميع المناطق الأربع في البلاد."
أعده للعربية: علاء جمعة