هل يتشابه حزب أردوغان مع حزب بنكيران المغربي؟
١٩ أغسطس ٢٠١٤فوز أرودغان الذي يتمتع بشعبية كبيرة في المنطقة العربية، لما تحقق في عهده من ازدهار لتركيا وكذلك لمواقفه المساندة لبعض القضايا الإسلامية، أرخى بظلاله على المغرب الذي يعرف هو الآخر حزباً يملك التسمية ذاتها هو حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران.
يشترك الحزبان في تأسيسهما المتأخر بعد مسارين طويلين من أجل نيل الشرعية القانونية، فقد تأسس حزب العدالة والتنمية المغربي سنة 1996 عقب عقد مؤتمر استثنائي لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي انضم إليه قياديون إسلاميون بعد أن حاولوا تأسيس حزبهم الخاص دون أن تقبل الدولة بذلك. أما حزب العدالة والتنمية التركي، فقد تأسس سنة 2001 بعد استمرار الدولة في حظر الأحزاب الإسلامية، ومنها حزب الفضيلة، الذي انشقت عنه مجموعة من الشخصيات منهم من عبد الله غل ورجب طيب أردوغان.
غير أن الاختلافات بين الحزبين تنطلق أولا من طبيعة دولتيهما، فالمغرب دولة ملكية ينصّ دستورها على إسلاميتها (الفصل 3)، ويُعتبر الملك فيها "رئيساً" للدولة يملك مجموعة من الصلاحيات المهمة، بشكل يقسّم الحكم بينه وبين رئيس الحكومة، بينما تعتبر تركيا دولة جمهورية علمانية بنظام برلماني قوي يخوّل لرئيس الوزراء صلاحيات أكبر.
ويرى عبد الرحيم العلام، الباحث في العلوم السياسية بالمغرب، أن الفرق يكمن كذلك في طبيعة العلاقة التي نشأت بين كل حزب والدولة التابع لها، ففد اتسمت العلاقة في البداية بالمواجهة بين أصول حزب العدالة والتنمية التركي والنظام السياسي، وهو ما انعكس في قرار الدولة بحلّ الأحزاب الإسلامية لأنها تقلق نظامها العلماني. أما العلاقة في المغرب، فقد اتسمت بالمهادنة، حيث أعلن إسلاميو الحزب عن رغبتهم الانخراط في حزب يبتعد من جهة عن نهج التنظيمات الإسلامية الصدامية، ويؤمن من جهة أخرى بثوابت نظام سياسي مغربي مزدوج الهوية يلعب على عنصري التقليد والحداثة.
ويضيف العلام أن الحزب التركي تساهل كثيرًا في ما يخصّ المرجعية السياسية، وتماهى كثيرًا مع طبيعة النظام السياسي النازع نحو العَلمنة، وذلك في إطار التقرّب من الغرب بُغية الضغط على المؤسسة العسكرية. أما الحزب المغربي، فقد تبنّى تصوّرات النظام السياسي المغربي الذي لا يعتمد العلمانية في دستوره، ولم يبالِ كثيرًا بالتقرب من الغرب، لأنه لم يجعل من أهدافه أن يحكم لوحده وإنما أن يسمح له بالمشاركة في اللعبة السياسية بقيادة الملكية.
ويقدّم أحمد بوعشرين الأنصاري، القيادي في حزب الأمة المغربي المعارض، عدة اختلافات أخرى بين الحزبين، أولها السياق بين البلدين، فالنظام المغربي في نظره يبقى ملكية تنفيذية تملك دورًا كبيرًا في تقرير وتنفيذ السياسات العمومية للبلاد بعيدًا عن ممارسة سلطة تنفيذية منتخبة، وثانيها إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات بنظام يمنع وجود أغلبية انتخابية مطلقة تُمكّن الحزب الأغلبي من تشكيل حكومة قوية ومنسجمة، ممّا يؤدي بالأحزاب الفائزة في الانتخابات إلى إقامة تحالفات هشة وهجينة من أجل تشكيل الحكومة، بينما يحصل في تركيا حسب قوله، تداول فعلي على ممارسة السلطة يُمكّن الحزب الفائز من أغلبية مطلقة تجعله يشكّل حكومة منسجمة.
ويستطرد بوعشرين أن الانتخابات بالمغرب ليست آلية فعلية للمحاسبة، فقد ينسحب حزب أو اثنان من الحكومة، وعوض اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها قصد تصحيح الوضع، يلجأ الحزب المتزعّم للحكومة إلى البحث عن تحالفات مع أي كان حتى مع حزب مصنف ضمن المعارضة، بينما تعتبر الانتخابات في تركيا فرصة للمحاسبة وتصحيح الوضع الأغلبي.
ويضيف بوعشرين أن جلّ المؤشرات الخاصة بالمغرب والمعلن عنها في التقارير الدولية تبيّن أن ثمة خللاً بنيويًا لتحقيق التنمية المنشودة، وكمثال الرتبة 129 في تقرير التنمية البشرية، الرتبة 77 في تقرير المنافسة الاقتصادية، والرتبة 155 في تصنيف مؤشر الديمقراطية، بينما تحقق تركيا مراتب جد متقدمة في كل هذه المجالات.
صعوبة تقييم الحصيلتين
ولا يتفق أناس الحيوني، كاتب فرع حزب العدالة والتنمية المغربي بألمانيا، مع إجراء مقارنة في حصيلة الحزبين، لعدة أسباب: أولها عدم توفر حزبه على الآليات ذاتها التي يشتغل بها الحزب التركي، ثانيا اختلاف المناخين الاقتصادي والسياسي بين البلدين، ثالثها مدة حكم العدالة والتنمية في تركيا التي بدأت منذ 2003 عكس تجربة حزب إخوان بنكيران الذي لم يصل للحكومة إلّا نهاية سنة 2011، رابعها ما أثير سابقاً عن أغلبية واضحة للحكومة التركية مقابل ائتلاف حكومي في المغرب.
ورغم ذلك، يستطرد أناس، يمكن القول حسب نظره، إنّ الحصيلة الحكومية بالمغرب تبقى جد مشرّفة وجد إيجابية: "أعتقد أن إصرار بنكيران على فتح ورشات كبرى كإصلاح صندوق المقاصة ومنظومة العدالة ونظام التقاعد وغيرها، يعتبر حقا جرأةً سياسية وإنجازًا في حد ذاته"، مؤكداً أن سقف انتظارات المواطن المغربي يبقى عاليا وعلى الحكومة المغربية بذل المزيد من الجهود واعتماد الإبداع كمنهجية لتحسين الوضع العام بالبلاد بدل الاعتماد على الآليات الكلاسيكية للتدبير الحكومي.
وكان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بالمغرب، عبد الإله بنكيران، قد أشار في حوار سابق مع موقع قنطرة، إلى حدود التشابه بين الحزبين: "نتشابه معا في محاولة كل منا الاستفادة من الروح الدينية المتواجدة في المجتمع للدفع بعجلة الإصلاح إلى الأمام وتمتيع الشعب بحقوقه الطبيعية والتقدم في تصحيح مجال حقوق الإنسان والحريات، لكن في إطار المرجعية الإسلامية وحدودها الممكنة"، غير أن الاختلافات بينهما تبقى أكبر: "ينبغي أن نعترف أن حزب العدالة والتنمية التركي هو حزب من حجم آخر وبعد آخر، لا على مستوى الإنجاز ولا على المستوى الفكري ولا على مستوى الطرق والوسائل".