هل يخفض ترامب الضرائب وكيف يغير اقتصاد أمريكا؟
٩ نوفمبر ٢٠١٦قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قطع العديد من الوعود لناخبيه، كانت أبرزها التعهدات الاقتصادية، التي احتلت الضرائب قسماً كبيراً منها، طارحاً خطة كاملة لتخفيض ضريبة الدخل.
وفي نظرة سريعة على السياسة الضريبية التي ينوي ترامب تبنيها، نجد أنها تعهدات جذابة ساعدت في جني الأصوات الانتخابية. لكن وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة فإن الأمريكيين سيراقبون إلى أي حد سيكون رئيسهم الجديد قادراً على الوفاء بتعهداته في إجراء إصلاح جذري للنظام الضريبي بالبلاد. فخلال الحملة الانتخابية تعهد الزعيم الجمهوري بتنفيذ تخفيضات ضريبية ضخمة، لا بل أنها ستكون الأكبر منذ عقود.
الخطة أشارت إلى أن دافعي الضرائب الأمريكيين يدفعون ضرائب: ما نسبته حوالي 10 % أو 20 % أو حتى 25 % من دخولهم، بحسب دخل كل شخص، لذا فإن الخطة ستعمل على خفض العبء الضريبي عن ذوي الدخول المرتفعة أو المنخفضة على حد سواء. ووفقاً للتعهدات فإن الأمريكيين -الذين يتقاضون أقل من 25 ألف دولار أي ما يعادل 22600 يورو في السنة للفرد أو حوالي 50 ألف دولار للزوجين- لن يضطروا لدفع ضرائب بعد اليوم على دخولهم، بينما سيتم تخفيض نسبة الضريبة على الدخول المرتفعة من حوالي 40 بالمئة إلى حوالي 25 بالمئة.
وفي حال تمكن ترامب من الحصول على موافقة الكونغرس على خطته للإصلاح الضريبي الجديدة فإن حوالي نصف الأمريكيين -أي ما يعادل 120 مليون أسرة- لن يعودوا مضطرين لدفع أي ضريبة دخل، ابتداءً من العام 2017. ولا تقف خطة ترامب الضريبية عند مستوى ضريبة الدخل، إذ تقترح الخطة خفض معدل الضريبة على الشركات الأمريكية من 25 بالمئة إلى 15 بالمئة، كذلك إلغاء ضريبة الميراث بشكل نهائي.
العديد من الخبراء الاقتصاديين أبدوا قلقهم من التعديل المقترح، لما لذلك من تأثير على المالية العامة في الولايات المتحدة، حيث ستخسر الخزينة جزءاً كبيراً من عائدات الضرائب في حال تم تنفيذ الخطة. وبحسب تحذيرات أطلقتها "مؤسسة الضرائب" وهي مؤسسة بحثية، مقرها في واشنطن، فإن تصريحات ترامب حول كيفية تنفيذه لخطته في الإصلاح الضريبي ستؤدي إلى خسارة متوقعة من قلة الإيرادات الضريبية تقدر بـ 2.6 تريليون دولار إلى 3.9 تريليون دولار خلال السنوات العشر القادمة.
رغم هذه التخوفات إلا أن المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي الجديد بددوا هذه المخاوف، وأكدوا أن هذه التخفيضات يمكن أن تعوَّض عن طريق إغلاق الثغرات في القانون الضريبي الحالي التي تسمح لشركات كبرى مثل "آبل" و"أمازون"و"جنرال إلكتريك" بأن تتهرب من دفع الضرائب بطريقة قانونية، والتي تحرم السلطات الأمريكية من مليارات الدولارات. كما يعتقد مستشاري ترامب الاقتصاديون مثل ويلبر روس وبيتر نافارو بأن التخفيضات الضريبية المقترحة ستسمح بتعزيز الاقتصاد وتساهم في رفع المداخيل، ما يعني دفع قيمة ضرائب أكبر تترافق مع ارتفاع المداخيل.
"العولمة" وفقاً لشروط الولايات المتحدة
بعد شهر يناير/ كانون الثاني 2017 حيث سيتولى ترامب مقاليد أكبر اقتصاد في العالم، من المتوقع أن يبدأ مع إدارته التدقيق عن كثب في كل الصفقات التجارية التي أبرمتها الولايات المتحدة في الماضي، فخلال حملته الانتخابية انتقد الرئيس الجديد مرارا وتكرارا التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، معتبراً أن الاتفاق كان له تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي والقوى العاملة في الولايات المتحدة.
ترامب الذي نعت اتفاقية التجارة الحرة في شمال أمريكا بأنها "أسوأ صفقة تجارية أبرمت في التاريخ"، تعهد بأنه سيفاوض على شروط أفضل لمصلحة الولايات المتحدة وإلا ستنسحب أمريكا بالكامل من المعاهدة، لكن في الوقت نفسه من المتوقع أن تتم المصادقة في عهده على اتفاقية التجارة الحرة لدول المحيط الهادئ، التي تشمل 11 دولة. عدا أنه قد يتم التخلي عن التفاوض الذي يجري بين الولايات المتحدة وأوروبا حول اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار TTIP.
بالمقابل، قد تواجه الصين واليابان وكوريا الجنوبية صعوبات في تصدير منتجاتها للولايات المتحدة، مع التشديد في التدقيق على الواردات من هذه الدول كما أعلن ترامب، حيث يعتبر أنه بهذه الطريقة فقط تستطيع الولايات المتحدة مواجهة مزايا تنافسية غير عادلة مع بلدان مثل الصين، المستفيدة من التلاعب في أسعار صرف عملتها.
التأثير على ألمانيا
الاقتصاد الألماني أيضا، يواجه وضعاً مضطرباً بعد فوز ترامب، وذلك بسبب زيادة الاعتماد الألماني على سوق الولايات المتحدة للحفاظ على النمو الاقتصادي لألمانيا بعد إضعاف اقتصاديات الدول الأوروبية المجاورة، فضلا عن التباطؤ في الصين. ففي عام 2015 أصبحت الولايات المتحدة سوق التصدير الأهم بالنسبة لألمانيا متفوقة على فرنسا، بعد أكثر من 60 عاماً من التوجه الأوروبي.
حيث تصدر الشركات الألمانية بضائع بقيمة 114 مليار يورو إلى الولايات المتحدة، وهو ما يعادل 10 بالمئة من إجمالي صادرات ألمانيا إلى أوروبا. وفي الوقت نفسه، فإنه السلع المستوردة من الولايات المتحدة تقدر قيمتها بنحو 60 مليار يورو، أي ما يعادل نحو 6 بالمئة من كل الواردات الألمانية، كما تشير الأرقام إلى أن ألمانيا تتمتع بفائض ضخم في تجارتها مع الولايات المتحدة.
كما تعتمد أكثر من مليون وظيفة في ألمانيا بشكل مباشر أو غير مباشر على الصادرات إلى الولايات المتحدة. والشركات الأميركية العاملة في ألمانيا خلقت ما يزيد عن 630 ألف فرصة عمل، فعلى سبيل المثال فإن مطاعم "ماكدونالدز" وحدها توفر حوالي 58 ألف فرصة عمل، في حين أن شركات مثل "مان باور" و"فورد" توفر عشرات الآلاف من فرص العمل.
من جانبها، توظف الشركات الألمانية أيضاً مئات الآلاف من الأمريكيين في الولايات المتحدة، كفرع شركة "دويتشه بوست" و"دي إتش إل" في الولايات المتحدة، حيث يوفران حوالي 77 ألف وظيفة للأمريكيين، تأتي بعدهما شركة سيمنز مع 70 ألف وظيفة، وشركة مزوِّد السيارات "ZF" مع حوالي 62 ألف وظيفة، بينما تؤمن شركة "فولكس فاغن" حوالي 60 ألف فرصة عمل في الولايات المتحدة.
الاقتصاد المتشابك
من غير المتوقع أن يكون لدى الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أي اعتراضٍ على العلاقات الاقتصادية العميقة بين الولايات المتحدة وألمانيا، غير أنه أشار سابقاً إلى أنه من المرجح أن يتحول التركيز على الخلل في الميزان التجاري الحاد بين البلدين.
استثمرت الشركات الألمانية في الولايات المتحدة أكثر من 271 مليار يورو، سواء كان ذلك في المصانع أو العقارات. في حين أن أكثر من 3700 شركة ألمانية موجودة في سوق الولايات المتحدة، أكبر 50 شركة بينها تؤمِّن ما قيمته حوالي 400 مليار يورو إيرادات سنوياً. في حين استثمرت الشركات الأمريكية أيضاً في ألمانيا، وتبلغ قيمة إيرادات أكبر 50 شركة منها حوالي 170 مليار يورو.
وبالتالي فإنه على الأرض تصدر ألمانيا إلى الولايات المتحدة سلعاً وخدمات أكثر مما تستورد، وهذا ما كان محل خلاف بين الجانبين لسنوات، مع تعاقب الإدارات الجمهورية والديمقراطية. واليوم مع وصول ترامب فإن السخط من الفائض التجاري الهائل لصالح ألمانيا من المرجح أن يرتفع مرة أخرى.
ر.ج / ع.م DW