"وثائق باندورا"- ثروات سرية لقادة عرب وأجانب بملاذات ضريبية
٣ أكتوبر ٢٠٢١كشف تحقيق نشره الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الأحد (الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2021)، أن الكثير من قادة الدول، بينهم العاهل الأردني ورئيس الوزراء اللبناني، ورئيس وزراء تشيكيا ورئيسا كينيا والإكوادور، أخفوا ملايين الدولارات عبر شركات خارجية (أوفشور) لا سيما لأغراض التهرب الضريبي.
ويستند التحقيق الذي أطلق عليه اسم "وثائق باندورا" وساهم فيه نحو 600 صحافي من 117 دولة حول العالم إلى حوالى 11,9 مليون وثيقة مصدرها 14 شركة للخدمات المالية، وسلط الضوء على أكثر من 29 ألف شركة "أوفشور".
وجاء في هذه الوثائق أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أسس ما لا يقل عن ثلاثين شركة أوفشور في بلدان أو مناطق تعتمد نظاما ضريبيا متساهلا. ومن خلال هذه الشركات اشترى 14 عقاراً فخماً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار. وتشمل القائمة ثلاثة منازل مطلة على المحيط في ماليبو بولاية كاليفورنيا الأمريكية بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني، وممتلكات في لندن وأسكوت في المملكة المتحدة.
ووفقاً لتغريدة الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية ICIJ عن الموضوع، فإنه "بينما تتدفق المساعدات الخارجية على الأردن، قام العاهل الأردني الملك عبد الله بتحويل 106 مليون دولار من خلال شركات سرية لشراء منازل فاخرة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تمّ شراؤها بين عامي 2003 و2017 من خلال هذه الشركات".
ورفضت السفارة الأردنية في واشنطن التعليق، لكن هيئة "بي بي سي" نقلت عن محامين للملك قولهم إن جميع الممتلكات تم شراؤها بواسطة أموال شخصية، وإنه من الممارسات الشائعة للشخصيات البارزة شراء العقارات عبر شركات أوفشور لأسباب تتعلق بالخصوصية والأمن.
إلى ذلك نشر موقع مجلة دير شبيغل الألماني أن رئيس الوزراء اللبناني الحالي نجيب ميقاتي وسلفه حسان دياب تعاملوا أيضا مع هذه الشركات، مرات عديدة. أما رئيس وزراء تشيكيا اندريي بابيس فقد استثمر 22 مليون دولار في شركات وهمية استخدمت في تمويل شراء قصر بيغو، وهو دارة شاسعة في موجان جنوب فرنسا.
توني بلير وبوتين وغيرهم
كما أظهرت وثائق أوردها التحقيق أن أفراداً من أوساط رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المقربة، بينهم وزراء وعائلاتهم يملكون سرّاً شركات وصناديق تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
ورحب عمران خان في تغريدة بالتقرير الأحد واعدا بـ "اجراء تحقيق" حول كل الباكستانيين الواردة اسماؤهم في الوثائق وبـ "اتخاذ الإجراءات المناسبة" في حال ثبوت التهم عليهم.
ولم يرد ذكر أسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباشرة في الوثائق إلا أنه يرتبط عبر شركاء بأصول في موناكو لا سيما دارة على الواجهة البحرية اشترتها امرأة روسية يقال إنها أنجبت طفلا من بوتين وفق ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وعلى صعيد منفصل، أظهرت الوثائق أن مكتب المحاماة العائد للرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس أخفى هوية مالك شركات أوفشور عدة وهو سياسي روسي سابق متهم باختلاس أموال. ونفى مكتب المحاماة هذه الاتهامات حسبما ذكرت "بي بي سي".
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بدوره ورد اسمه في الوثائق التي تشير إلى تحويله قبيل انتخابه رئيسا للبلاد في 2019، حصته في شركة أوفشور سرية.
رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي كان يشنّ حملة على الملاذات الضريبية، اشترى بدوره مع زوجته مبنى في لندن بسعر 8,8 ملايين دولار في العام 2017 من خلال شراء الشركة التي تملكه ومقرها في جزر فيرجين البريطانية. وبموجب القانون البريطاني تجنبا من خلال ذلك دفع ضرائب تبلغ مئات آلاف الدولارات. وذكرت "بي بي سي" أن ما من مؤشر يثبت أن الزوجين بلير يخفيان جزءا من ثروتهما، فيما أكدت شيري بلير أنها وزوجها أخضعا العقار بعد ذلك للقانون البريطاني.
شاكيرا وكلاوديا شيفر
ولا يجب بالضرورة أن تكون هذه المعاملات لأغراض تجارية غير قانونية، ولكن غالبًا ما يتم استخدامها من أجل التهرب الضريبي. وفي غالبية الدول قد لا تعاقب القوانين على هذه الأفعال. لكن على صعيد القادة السياسيين، يمكن أن ترتبط هذه الصفقات بقضايا مكافحة الفساد وإيجاد ملاذات ضريبية لاستثماراتهم.
وأقام الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين روابط بين أصول في شركات أوفشور و336 من القادة والمسؤولين السياسيين الكبار الذين انشؤوا حوالي ألف شركة، أكثر من ثلثيها في جزر فيرجين البريطانية.
ومن بين الشخصيات العامة خارج عالم السياسية الواردة اسماؤهما في التحقيق الإستقصائي المغنية الكولومبية شاكيرا وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر ونجم الكريكت الهندي ساشين تندولكار.
وانشأ المركز الأميركي للنزاهة العامة في العام 1997 الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الذي أصبح كيانا مستقلا في 2017. وتضم شبكة الاتحاد 280 صحافيا استقصائيا في أكثر من مئة دولة ومنطقة فضلا عن حوالى مئة وسيلة إعلام شريكة.
وبرز الاتحاد مطلع نيسان/أبريل 2016 مع نشره تحقيق "وثائق بنما" الذي استند إلى حوالى 11,5 مليون وثيقة سربت من مكتب محاماة ببنما.
وكانت فضيحة "وثائق بنما" بدأت في الثالث في نيسان/أبريل 2016 مع تسريب 11,5 مليون وثيقة رقمية من مكتب المحاماة موساك فونسيكا. وهذه الوثائق الحساسة التي حللتها المجموعة الدولية للصحافيين الاستقصائيين أدت الى سلسلة صدمات في العالم بينها استقالة رئيس الوزراء الايسلندي سيغموندور ديفيد غونلوغسون، ثم رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف.
وبعد تسرب الوثائق، فتح 150 تحقيقا على الأقل في 79 بلداً في قضايا التهريب الضريبي أو تبييض أموال، حسب المركز الأميركي للنزاهة العامة. وقامت بنما منذ ذلك الحين بسلسلة إصلاحات لتعزيز الرقابة المصرفية ومعاقبة التهرب الضريبي بالسجن وتبادل المعلومات مع منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي.
ع.أ.ج/ و ب (أف ب، شبيغل)