وجهة نظر: الضغط يزداد على أوروبا لتتدخل لتنمية جيرانها العرب
٢٧ ديسمبر ٢٠٢٠لم يستحق الغرب أي ثناء خلال الاحتجاجات الشعبية للثورة العربية أو في السنوات اللاحقة لها، لأن الفجوة كبيرة بين الادعاءات والواقع. فمن ناحية يتمسك الغرب بقيم مثل حقوق الإنسان ويعزز الأنظمة الديمقراطية والتعددية، ومن ناحية أخرى كان وما زال بمقدور الأنظمة التي تمارس الاضطهاد أن تعول على أن الغرب ينصاع للمصالح قصيرة المدى ويتعاون معها ويسكت بفتور عن خروقات حقوق الانسان الجسيمة في بلدانها، كما هو الحال تجاه مصر.
فمنذ مطلع الشهر وَشَّحَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسام "جوقة الشرف"، أرفع وسام فرنسي. وفي مقدمة اللقاء الثالث للرجلين في غضون ثلاث سنوات كانت تُطرح موضوعات العلاقات الاقتصادية الثنائية والتعاون العسكري والجبهة المشتركة ضد تركيا، لكن ليس وضع حقوق الانسان. فيما تقدر منظمة هيومان رايتس ووتش أن عدد المعتقلين السياسيين في مصر يتجاوز 60 ألف شخص. وهذا العدد لا يشمل عشرات الآلاف من المصريين الذين يقبعون جزئيا طوال سنوات في حبس احتياطي.
في وقت مبكر من عام 2011، عندما بدأت الاحتجاجات في العالم العربي كان الغرب فاترا. وعندما انتفض الناس أخيرا ضد أنظمة الظلم، تلاشت دعواتهم للدعم. لقد نجحت الأنظمة التي حذرت من الأسلمة وقدمت نفسها كشركاء في الحرب ضد الإرهاب، الذي جعل وجود دول الظلم ممكنا.
في سوريا، على سبيل المثال، كان هناك في أحسن الأحوال، دعم باهت للاحتجاجات المشروعة ضد نظام الأسد. وفي ليبيا، لم تكن الإطاحة بالقذافي ممكنة لولا التدخل العسكري للغرب بقيادة فرنسا. ولكن ما أن سقط حتى ترك الغرب ليبيا للميليشيات. وفي اليمن، دعم الغرب مبادرة الأنظمة الملكية الخليجية لإنقاذ النظام بدلا من الضغط من أجل عملية انتقالية. وزودت الولايات المتحدة السعودية بالأسلحة التي يتم بها قصف اليمن منذ ذلك الحين.
فالغرب في العالم العربي لا يتجاوب مع استحقاقاته الأخلاقية. فهو متورط أيضا في مأزق، لأن العالم العربي وأوروبا على ضفتي البحر المتوسط جاران مباشران ولا يمكن لحكومات الاتحاد الأوروبي أن تختار مع من تتعاون في القضايا الملحة مثل الهجرة غير القانونية ومكافحة الإرهاب. وفيما يخص التعاون مع الأنظمة القائمة لا يوجد على مستوى الحكومات بديل حتى ولو أنها لا تتناسب في تصورات أوروبا.
والعقدة في ذلك هي أن هذه الأنظمة تضطهد جميع التيارات المعارضة إضافة إلى مجموعات المجتمع المدني التي تدعمها أوروبا على أمل أن تصبح بعد سير خطوات صغيرة محركا لحصول التحول. وهذا التحول يجب أن يحدث إذا ما أردنا أن تكون المنطقة مستقرة بشكل مستدام، بدلا من أن تستقر لأمد قصير.
لقد أظهر الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة أنه من الممكن الخروج من هذه المعضلة. فأولاً، قامت فيديريكا موغيريني، بصفتها المفوضة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، بزيارة مصر مرارا والتقت بالسيسي بعد انقلاب 2013، الذي أعقبته مذبحة راح ضحيتها أكثر من 1000 شخص. ولم تكن موغيريني السياسية الوحيد التي ساهمت في تلميع صورة النظام في مصر
وبعدها قامت بروكسل بتصحيحات. فمنذ سنتين لا يمول الاتحاد الأوروبي مشاريع جديدة في مصر لأن الحكومة في القاهرة ترفض التوقيع على بند حقوق الانسان الموجود في العقود. والنتيجة هي أن تونس الصغيرة تحصل اليوم على الكثير من المساعدة الاقتصادية من بروكسل أكثر من مصر التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من عشرة أضعاف سكان تونس.
وبهذا يسبق الاتحاد الأوروبي غالبية الحكومات التي تتحدث عن "مساعدة مشروطة" أي أن تُصرف أموال مقابل إصلاحات، مثلا من أجل حكم رشيد ودولة القانون أو مكافحة الفساد. وفي الحقيقة يحصل القليل، لأن الأنظمة لها إمكانية التوجه إلى بلدان مثل الصين أو الإمارات العربية المتحدة التي لا تربط مساعداتها بإصلاحات، بل بالسلوك السياسي المنضبط. وفي العالم العربي تجد أوروبا نفسها أمام تأثير هذين المنافسين. وإلى هذين المنافسين تنضاف روسيا التي ترسل مرتزقة إلى سوريا أو ليبيا ولا تقدم عروض مساعدات اقتصادية.
وبخلاف هؤلاء الفاعلين تبقى أوروبا شريكا مستداما. وتتحمل أوروبا في الشرق الأوسط المسؤولية. فعلى هذا النحو تولت الحكومة الألمانية القيادة في الجهود المبذولة من أجل أيجاد حل سياسي للنزاع في ليبيا وتعمل بالاشتراك مع فرنسا والمملكة المتحدة لنزع فتيل النزاع النووي مع إيران.
وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية حتى تحت قيادة الرئيس الجديد جو بايدن ستتجه بشكل أقوى نحو آسيا والصين، فإن الضغط على أوروبا يزداد للتدخل في جواره المباشر لخدمة تطور مستدام. وليس فقط من خلال إرسال سفن حربية يمكن وقف الهجرة. فذلك يحتاج إلى إصلاحات من أجل مزيد من المشاركة السياسية والاقتصادية التي هي في مصلحة البلدان وكذلك لأوروبا على مدى طويل. لكن منح أوسمة مقابل ذلك يمثل تحفيزا سيئا.
هرمان راينر