وجهة نظر: خطاب نتانياهو والخلاف الذي لا يخدم إسرائيل
٤ مارس ٢٠١٥في الخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي، كان لرئيس الوزراء الإسرائيلي هدف يتجلى في تحذير أعضاء الكونغرس من مخاطر "الاتفاق السيئ" الذي يمكن أن تبرمه إدارة أوباما مع إيران بشأن برنامجها النووي. إنه هدف نبيل، لكنه يتضمن في طياته مشكلاً. فإذا ما كان هناك مؤسسة خارج إسرائيل لا يمكنها أن تسمح بمرور تسوية غير مجدية بخصوص الملف النووي الإيراني، فهي مؤسسة الكونغرس الأمريكي الذي يهيمن عليه الجمهوريون. وهذا ما كان واضحاً يوم أمس عندما استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصفيق حار بعد دخوله قاعة الكونغرس.
دعم لا محدود
ويحظى دعم إسرائيل والدفاع عن مصالحها وأمنها تقليدياً بتأييد الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء. وهذا الموقف يعود لما قبل ولاية بنيامين نتانياهو الأولى. فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل يكون هناك اتفاق في المواقف بين الحزبين. وجاءت دعوة نتنياهو إلى إلقاء خطاب أمام الكونغرس بناء على دعوة من الجمهوري جون بينر رئيس مجلس النواب الأمريكي. وعدم إخبار أوباما بذلك فُهم ـ على حق ـ على أنه ضربة من الخلف في حقه.
ورغم كل ذلك، فإن نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي أوضحوا أنهم لن يقبلوا بأي تسوية في مفاوضات الملف النووي الإيراني لا تراعي مصالح إسرائيل. ومن المرجح أن يكون هذا المعطى حاضراَ في حسابات نتانياهو الذي يعرف خبايا السياسة الأمريكية الداخلية جيداً.
فمنذ سنوات والنائب الجمهوري جون ماكين ينتقد سياسة إدارة أوباما بشأن موقفها من الملف النووي الإيراني. و كان ماكين قد وصف في يناير/ كانون الثاني أمل اوباما في التوصل إلى اتفاق مع طهران بالغريب. بينما قال السيناتور الديمقراطي تشاك شومر إنه لا يثق في الإيرانيين.
ويمكن تسجيل الكثير من المآخذ على الرئيس أوباما، لكنه يتحلى في كل الأحوال بالواقعية السياسية. وهو يعي تماماً أن أي اتفاق أمريكي إيراني لا يراعي مصالح إسرائيل الأمنية لا يمكن أن يحظى بالقبول في الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا، فنتانياهو لم يكن بحاجة إلى إقناع نواب الكونغرس بمخاطر "الاتفاق سيء"، كما أن تحذيراته من النظام الإيراني لم تكن لتجد آذاناً صماء.
صفعة في الوجه
صحيح أن نتانياهو ضغط على نفسه وأوجد بعض كلمات الثناء لأوباما بسبب دعمه لإسرائيل، إلا أن حضوره إلى الكونغرس في حد ذاته كان بمثابة صفعة في الوجه، ليس في وجه أوباما وحده بل في وجه كل نائب في الكونغرس. فأوباما الذي التقى نتانياهو أكثر من أي زعيم سياسي آخر ربما يكون قد فسر حضور نتانياهو إلى الكونغرس بمثابة استهزاء صارخ بمحاولته التوصل إلى اتفاق جوهري مع إيران. وحضور نتانياهو إلى الكونغرس الأمريكي قبل 13 يوماَ فقط على انطلاق الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التي يتنافس فيها نتانياهو يعتبر إهانة غير مسبوقة، نظراً لتناقض ذلك مع أصول اللباقة السياسية.
ومن خلال خطابه عبر نتنياهو عن عدم ثقته أمام النواب الأمريكيين. فربما رئيس الوزراء الإسرائيلي رأى أنه من الضروري أن يحث الكونغرس الأمريكي على منع رئيس البلاد من التوصل إلى اتفاق دولي من شأنه أن يشكل خطراَ على إسرائيل. ولا أحد يعرف كيف اهتدى نتانياهو إلى مطالبة الكونغرس ـ الذي منح إسرائيل منذ عام 1949 أكثر من 120 مليار دولار من المساعدات ـ بهذا الأمر.
غياب الديمقراطيين
ونظرا للأسباب السابقة، كان لحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتائج عكسية. ولم تكن الحجج التي ذكرها تحمل أي جديد. ورغم أنه لم يتم التوصل إلى حد الآن إلى أي اتفاق مع إيران أو تحديد نقاط هذا الاتفاق، ادعى نتانياهو أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها التوصل إلى اتفاق أفضل مع إيران. وللأسف فوت نتانياهو الفرصة من ناحيته أن يطور أفكارا جديدة أو يوضح كيف يمكن التوصل إلى اتفاق "أفضل". فقد كان بإمكانه من خلال تقديم اقتراحات المساهمة في حل المشكل القائم. لكنه بدلا من ذلك، اقتصر على إعادة اعتراضاته القديمة على "اتفاقات سيئة" (مزعومة)، وحث الكونغرس على التشدد مع طهران وتكرار تحذيراته من أن الاتفاق مع إيران سيفتح الباب أمامها لامتلاك القنبلة النووية. ويعتبر غياب أوباما ونائبه جو بيدن و57 نائباً ديمقراطياً عن خطاب نتانياهو في الكونغرس مؤشراً على أن إسرائيل أصبحت موضوع اختلاف. وهذا لا يمكن أن يكون من مصلحة إسرائيل.