ولاية سكسونيا الألمانية.. تقدم علمي كبير واستقطاب سياسي حاد
٣٠ أغسطس ٢٠٢٤تعد ولاية سكسونيافي شرق ألمانيا، ولاية المتناقضات. فهي بلد المؤلف الموسيقي الألماني الشهير يوهان سيباستيان باخ، ومعروفة بمبانيها الباروكية الرائعة وهي مقر لمراكز الأبحاث على المستوى العالمي. لكنها وفي نفس الوقت معروفة بمظاهراتها المناهضة للأجانب (المهاجرين) وانتشار التطرف اليميني.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت سكسونيا ضمن المنطقة الخاضعة لسيطرة الاتحاد السوفياتي في شرقي ألمانيا، ومن تلك المنطقة نشأت جمهورية ألمانيا الديمقراطية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1949. ومن ولاية سكسونيا انطلقت عام 1989 "الثورة السلمية" في شرقي ألمانيا وانتهت بانهيار جدار برلين وإعادة توحيد ألمانيا.
في لايبزيغ بدأت عام 1989 ما يعرف بـ "مظاهرات الاثنين" التي كانت تطالب بالإصلاح السياسي وحرية الرأي. واتسع نطاق المظاهرات لتصل إلى المدن الأخرى، وتصبح جزء من حركة الاحتجاج الواسعة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية السابقة، والتي انضمت إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية وتمت إعادة توحيد ألمانيا في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 1990، وأصبحت سكسونيا ولاية ضمن ألمانيا الموحدة.
تطرف ومعاداة للأجانب
في السنوات الأخيرة تصدرت ولاية سكسونيا عناوين الصحف العالمية باعتبارها معقلا للمتطرفين، وفيها استقطاب سياسي حاد. ففي دريسدن نشأت حركة بيغيدا عام 20214، التي تنظم مظاهرات ضد أسلمة ألمانيا حسب زعمها. وبيغيدا هو اختصار لاسم الحركة الكامل "أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب".
وفي عام 2015 كانت هناك سلسلة من الهجمات المعادية للأجانب وهجمات على مراكز إيواء لطالبي اللجوء في بلدة فرايتال الصغيرة. وفي آب/ أغسطس 2018 كانت هناك لأيام عديدة أعمال شغب ومظاهرات لليمين المتطرف في مدينة كيمنيتس، عقب مقتل مواطن ألماني على يد مهاجرين حسب ما هو مزعوم. كما أن خلية النازيين الجدد المعروفة بخلية "NSU" قد وجدت ملاذا ومخبأ لها في مدينتي كيمنيتس وتسفيكاو بدءا من عام 1998. وهذه المجموعة اليمينية المتطرفة الإرهابية قتلت بين عامي 2000 و2007 تسعة أشخاص ذوي أصول مهاجرة وشرطيةً.
لكن ومن ناحية أخرى، تعرف ولاية سكسونيا بميولها اليسارية المتطرفة، وخاصة في حي كونِفيتس بمدينة لايبزيغ، والذي يشهد بشكل منتظم اشتباكات بين رجال الشرطة ومجموعات يسارية متطرفة.
الاتحاد المسيحي الديمقراطي تحت ضغط حزب البديل
منذ عام 1990 يحكم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ (CDU) في ولاية سكسونيا. ومنذ انتخابات عام 2019 يحكم رئيس الوزراء ميشائيل كرتشمر من الاتحاد المسيحي الديمقراطي الولاية على رأس ائتلاف حكومي يضم الحزبين الاشتراكي والخضر أيضا. في تلك الانتخابات حصل الاتحاد المسيحي على 32 بالمئة من الأصوات. في حين حصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي على 27,5 بالمئة من أصوات الناخبين، ويشار إلى أن فرع حزب البديل في ولاية سكسونيا تم تصنيفيه كحالة "يمينية متطرفة مؤكدة"من قبل هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية).
نسبة الأجانب دون المعدل
يبلغ عدد سكان ولاية سكسونيا أكثر من أربعة ملايين، وبذلك تكون سابع أكبر ولاية في ألمانيا من حيث عدد السكان. أما مساحتها فتبلغ 18 ألف و450 كيلومترا مربعا. عاصمتها مدينة دريسدن التي تقع على نهر إلبه وعدد سكانها أكثر من 570 ألف نسمة. أما المدينة الأكثر سكانا فهي لايبزيغ620 ألف نسمة وكيمنيتس ثالث مدن الولاية من حيث عدد السكان الذي يبلغ حوالي 250 ألف نسمة.
في نهاية عام 2023 كان يعيش في سكسونيا حوالي 332 ألف شخص أجنبي (لا يحملون الجنسية الألمانية) أي ما يساوي 8,1 بالمئة من عدد السكان، وبذلك تكون "نسبة الأجانب في ولاية سكسونيا، دون المعدل الوسطي على مستوى ألمانيا (15,2 بالمئة)" حسب ما أفاد به مكتب مفوض شؤون الأجانب في الولاية لـ DW. وأكبر مجموعة من الأجانب أوكرانيون (18,8 بالمئة) يليهم السوريون (10,7 بالمئة) ثم البولنديون (7,2 بالمئة).
صناعة حديثة وبنية تحتية جيدة
منذ إعادة توحيد ألمانيا سارت الولاية باتجاه التطور كموقع للصناعة الحديثة. فحيثما كانت تُنتج سيارة "ترابنت" في عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية، أقامت شركات السيارات بي إم دبليو وفولكسفاغن وبورش مصانعها. و"حوالي ثمن سيارات ألمانيا يتم إنتاجها في ولاية سكسونيا" حسب ما هو منشور على الموقع الالكتروني لوزارة الاقتصاد في الولاية.
وفي الأعوام القادمة من المفترض أن يتم "إنتاج ربع السيارات الكهربائية في أوروبا بولاية سكسونيا" حسب توقعات وزارة الاقتصاد المحلية.
ومنذ أكثر من ربع قرن تعرف المنطقة المحيطة بمدينة دريسدن كـ "وادي السليكون" في الولاية. فحسب بيانات مكتب رئاسة وزراء الولاية، تعتبر المنطقة أكبر موقع لإنتاج أشباه الموصلات في أوروبا وضمن أكبر 5 مواقع في العالم. فثلث الرقائق الالكترونية الدقيقة في أوروبا يتم إنتاجها "في مصانع سكسونيا، ويتم استخدام هذه الشرائح في الهواتف الذكية والسيارات أو بطاقة الهوية الشخصية حول العالم".
كما تعتبر البنية التحتية في ولاية سكسونيا جيدة، حيث هناك طرق حديثة ومطاران أحدهما في دريسدن والآخر مطار لايبزيغ/ هاله الذي يعد أحد أكبر مطارات الشحن في أوروبا. أما نسبة البطالة في الولاية فكانت 6,2 بالمئة العام الماضي، ووصل الناتج الإجمالي المحلي للولاية عام 2023 إلى حوالي 156 مليار يورو.
جامعات متميزة ومراكز أبحاث متقدمة
تحتضن الولاية جامعات معروفة عالميا، مثل الجامعة التقنية في دريسدن وجامعة لايبزيغ. والجامعة التقنية "جامعة التميز" نظرا لأبحاثها المتميزة، ويتم تمويلها من الحكومة الاتحادية ومن الولايات الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من المؤسسات العلمية ومراكز الابتكار، مثل معهد فراونهوفر للأبحاث التطبيقية والتنمية، ومعهد ماكس بلانك للأبحاث الأساسية.
الثقافة والسياحة
يقضي كل عام حوالي 8 ملايين سائح إجازاتهم في سكسونيا. وأشهر الوجهات السياحية في الولاية: الطبيعة الصخرية الرائعة في سويسرا سكسونيا، ومنطقة فوغتلاند، ومنطقة مايسن المعروفة عالميا بخزفها، والقرى ذات البيوت نصف الخشبية في منطقة لاوزيتس العليا. هذا بالإضافة إلى منطقة إرتسغبيرغه المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والتي كانت لقرون موطنا للتعدين، وتشتهر بأهرامات عيد الميلاد في ألمانيا.
ومدن مثل دريسدن ولايبزيغ وغورليتس، معروفة عالميا بمعالمها السياحية والثقافية. وهذه تشمل المباني الباروكية مثل كنيسة السيدة العذراء "فراونكيرشه"، ودار الأوبرا في دريسدن. كما أن الأوركسترا السيمفونية في دريسدن ولايبزيغ مشهورتان عالميا. والموسيقار يوهان سيباستيان باخ (1685 – 1750) الذي يعد واحدا من أهم مؤلفي السيمفونيات الألمان، عاش من عام 1723 وحتى وفاته في لايبزيغ وكان مرتلا معروفا في كنيسة توماس الشهيرة في لايبزيغ.
كما أن كل عام هناك موسم لايبزيغ الثقافي في فصل الربيع، ومعرض لايبزيغ للكتاب من أهم فعاليات الموسم وهو الأكثر زيارة بين معارض الكتب في ألمانيا.
أعده للعربية: عارف جابو