30 عاما على الإبادة برواندا.. ماذا بعد خروج الجناة من السجن؟
٧ أبريل ٢٠٢٤هل يمكن للجناة الذين ارتكبوا جرائم إبادة جماعية أن يصبحوا جزءًا من مجتمعاتهم مرة أخرى؟ ففي رواندا، جرى إطلاق سراح الجناة بعد أن قضوا عقوبة السجن القصوى بالتزامن مع إحياء ذكرى مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد عام 1994 وأسفرت عن مقتل أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي.
وفي إحدى حلقات البودكاست "Science unscripted"، (علم مرتجل)، الذي تبثه "دويتشه فيله" (DW)، ناقش مقدما البودكاست: كونور ديلون وغابريل بورود مع أستاذة علم الاجتماع في جامعة ولاية أوهايو، هولي نيسيث نزيتاتيرا، هذه المسألة، علما بأن نزيتاتيرا أجرت مقابلات مع 168 من مرتكبي مجازر الإبادة في رواندا وذلك قبل وبعد إطلاق سراحهم من السجن.
سؤال DW:
كيف جرى استقبال الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم قتل بحق أبناء جلدتهم؟ وما فرص إعادة اندماجهم داخل المجتمع؟
هولي نيسيث نزيتاتيرا:
ينطوي الأمر على عملية مزدوجة. قبل الخروج من السجن، عاني هؤلاء من صراع داخلي بشأن وقوفهم على حقيقة أنهم ارتكبوا جرائم إبادة جماعية وأنهم عائدون إلى مجتمع يعرف أفراده أنهم ارتكبوا جرائم إبادة جماعية. إنهم يحاولون معرفة كيف سيعتذرون لذوي ضحاياهم. ساد شعور بالندم الكبير على وجوه معظم الأشخاص الذين تحدثت إليهم خلال الدراسة.
وعقب التحدث إليهم بعد أربعة أشهر من إطلاق سراحهم، رصدت أن العديد منهم قد اعتذر بالفعل لأقارب الضحايا. وبشكل عام، قدموا سردا للتغيرات التي طرأت عليهم، إذ رغبوا في أن يتم استقبالهم داخل المجتمع كأناس قد تغيرت أفكارهم وأيضا كأفراد مخلصين لبلادهم؛ لكي يتم النظر إليهم كمواطنين عاديين. أرى أنه يفضل أن يتم نقلهم من الأحياء، التي كانوا يقطنونها في السابق إلى أحياء أخرى، لكن الأمر في غاية الصعوبة.
لقد تحدثت إلى 74 شخصا نجوا من الإبادة الجماعية، وأكدوا أنه من الصعب عليهم رؤية الأشخاص الذين قتلوا أقاربهم مرة أخرى داخل الأحياء التي يعيشون فيها. ورغم ذلك، ألمح كثيرون إلى رغبتهم في محاولة العيش معا مرة أخرى. إنهم يعتقدون أن الأمر يستحق المحاولة في إطار جهود بناء بلد لا مكان للعنف في مستقبله. لا أستطيع القول بأنه سوف يتم الترحيب بهم أو أن كل شيء سيصير بشكل وردي بنسبة مئة في المئة، لكن على الأقل فإن الناجين منفتحون على فكرة المصالحة وعلى عودة الجناة السابقين إلى مجتمعاتهم.
سؤال DW:
لقد قمت بالجلوس والحديث، بشكل مطول، مع مجرمين ممن ارتكبوا جرائم قتل خلال الإبادة. هؤلاء يقولون إنهم قضوا فترات العقوبة وأنهم أصبحوا أشخاصا طيبين مرة أخرى. هل تصدقين ذلك؟
هولي نيسيث نزيتاتيرا:
نعم ولا. لقد حاول كثير من الأشخاص، الذين تحدثت إليهم، التأكيد على أنهم أصبحوا "عناصر جيدة". أعتقد أن الطريقة التي يرون بها أنفسهم مهمة. وتشير الدراسات والأبحاث حول جرائم العنف، إلى أنه إذا شعر المذنبون بأنهم باتوا عناصر تائبة تخلصت من الشعور بالذنب، فمن غير المرجح أن يرتكبوا أعمال عنف في المستقبل. إذا رأى شخص ما نفسه شخصا سيئا، فمن المرجح أن يستمر في القيام بأفعال سيئة. من المهم لهؤلاء الأفراد أن يرون تحولا قد طرأ على نفسيتهم حتى لا يرتكبوا أعمال عنف في المستقبل.
سؤال DW:
ما هو هدف الدراسة التي كرستي الكثير من الوقت لإنجازها؟
هولي نيسيث نزيتاتيرا:
يكمن الهدف في فهم لماذا تقع جرائم الإبادة الجماعية. لقد وقعت أكثر من 40 جريمة إبادة جماعية منذ الهولوكوست. نحن لا نتحدث عن حوادث معزولة. وهذا يعني أن من المهم النظر فيما يحدث بعد وقوع جرائم الإبادة الجماعية. كيف يتم إعادة بناء المجتمعات؟ إذا لم تحدث عملية إعادة اندماج للجناة في رواندا، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى عودة هؤلاء الأفراد إلى العنف. وربما يعود أطفالهم إلى العنف. عدد أطفال وأقارب هؤلاء الجناة يقدر بالآلاف، لذا فهم يمثلون فئة كبيرة من المجتمع. إذا جرى نبذهم وعدم السماح بعودتهم إلى المجتمع، فقد يؤدي ذلك إلى خلق وضع خطير من شأنه أن يديم دائرة العنف لسنوات قادمة.
قد تكون فكرة عودة هؤلاء الجناة إلى مجتمعاتهم غير مرحب بها، لكني أعتقد أن العديد من الروانديين يدركون خطورة الوضع ويدركون أهمية غلق دائرة العنف للأبد. إنهم يريدون أن يقدموا على التعاون من أجل الارتقاء إلى مستوى التعهد بعدم السماح بحدوث جرائم إبادة مجددا، لكن يجب أن نقر بأن الأمر ليس بهذه السهولة.
أعده للعربية: محمد فرحان