7 سنوات من أزمة سوريا.. المُعارضة تتشرذم والأسد يسترد أنفاسه
١٥ مارس ٢٠١٨بدأت الاحتجاجات في سوريا سلمية يوم 15 مارس/ آذار 2011 عبر مظاهرات في سوق شعبي بالعاصمة دمشق، لكن النظام واجهها في الأسابيع اللاحقة بقمع شرس، فدخلت جماعات متشددة مسلّحة على الخط، وزاد التدخل الأجنبي من مرارة الأزمة تحت يافطة المساهمة في حلها، فأضحت سوريا اسماً مرادفا للخوف والرعب، وكان الخاسر الأكبر من هذا المسار الدامي هو الشعب السوري ، إذ تبين تقديرات أن حوالي نصف مليون شخص قُتلوا منذ بدء الحرب، أما أعداد الجرحى والمصابين فأكثر من ذلك بكثير، فضلاً عن نزوح حوالي 5 ملايين خارج سوريا وفق أرقام الأمم المتحدة، زيادة على مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسراً.
ضمن قائمة الخاسرين كذلك، هناك المعارضة السورية المصنفة "معتدلة"، التي لم تنجح في الضغط على نظام بشار الأسد فقط، بل فشلت كذلك في توحيد صفوفها، ممّا جعلها تتحوّل إلى معارضات متعددة، خاصة مع انتساب جماعات مسلحة إليها، غالبيتها ترتبط بمرجعيات دينية، ومنها من هو مصنّف في قوائم للإرهاب. أمَّا اليوم، وبالنظر إلى واقع الميدان، يبدو النظام السوري في أفضل حالاته منذ بداية الأزمة، فقد استفاد من دحر "داعش" في البلد ومن الدعم الروسي-الإيراني الكبير لأجل استعادة الكثير من المناطق وتقليم أظافر "المعارضة المسلّحة"، التي خسرت بدورها الكثير من مواقعها.
معارضة فقدت البوصلة
حاولت المعارضة السورية في الخارج لمّ شتاتها، حتى توحد مواقفها في الاجتماعات الدولية المخصّصة لبحث الأزمة السورية. وأبرز تياراتها هو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، الذي يضم فصائل متعددة منها ما هو سياسي ومنها ما هو عسكري. في الداخل هناك عدة هيئات لها موقف ليّن من النظام وترفض العمل المسلح، منها "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي" وهناك "الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير" و"تيار بناء الدولة السورية"، فضلاً عن أحزاب كردية. (معلومات أكثر حول المعارضة السورية بشقها السياسي في هذا التقرير: أطياف المعارضة السورية تحت المجهر).
ويعطي عدد المؤتمرات الدولية، التي عُقدت خلال سبع سنوات وحضرتها تيارات من المعارضة السورية، فكرة عن مدى تصدّع هذه الأخيرة، خاصة وأن كل مؤتمر يشهد حضور قوى دولية تطرح أجنداتها لحلّ الأزمة، منها مؤتمرات أستانا والرياض وجنيف وسوتشي. ويعطي اسم مؤتمر "شعوب سوريا"، الذي دعا إليه بوتين في سوتشي، قبل تغيير الاسم إلى مؤتمر الحوار الوطني، فكرة عن مدى الانقسام الحاصل، لا سيما مع المعارك الإعلامية بين فصائل المعارضة، والتي وصلت إلى حد التخوين والاتهامات بتقمص دور المعارضة لخدمة مصالح النظام.
ويعدّد كاوه حسن، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد إيست ويست، في حديث مع DW عربية، الأسباب التي أدت بالمعارضة إلى هذا التصدع. أولها أسباب تاريخية ترتبط بطبيعة النظام السوري، الذي عمل على تدمير السياسة، ممّا جعل من خلق أيّ معارضة سورية قوية أمراً صعباً. ثانياً تدخل القوى الإقليمية والدولية، خاصة تلك التي ليس لها مصلحة في وجود نظام ديمقراطي في سوريا. ثالثاً أسباب موضوعية تخصّ المعارضة في حد ذاتها، إذ جرى تغييب قيادات حقيقية من المشهد، فضلاً عن فشل هذه المعارضة في فهم الواقع المعقد للبلد.
ويعلّق هيثم مناع، المعارض السوري وعضو الأمانة العامة للمؤتمر الوطني الديمقراطي، بأن المعارضة الديمقراطية في سوريا كان لها دور أساسي في الحراك الشعبي السلمي، لكنها تعرّضت للضرب بسبب رفضها حمل السلاح، وهي الآن مَسحوقة وأغلب أعضائها في السجن أو المنفى أو القبور. ويتابع مناع في تصريحات لـDW عربية أن هيئات متعددة داخل ما بات يسمى بـ"المعارضة المعتدلة"، تملك ولاءات للغرب ولدول خليجية، بينما حُوربت المعارضة الحقيقية، حسب قوله، من القوى الأجنبية بسبب رغبتها في استقلالية القرار.
الجماعات المسلّحة.. خنجر في خاصرة المعارضة
أخذت الأزمة السورية منعطفاً خطيراً منذ نهاية 2011 عندما دخلت جماعات إسلامية مسلّحة على خط المعارضة السورية، خاصة مع ورود تقارير متعددة عن دعم أجنبي لهذه الجماعات حتى تتمكن من المساهمة في إسقاط نظام بشار الأسد. والمثير في القضية أن الدعم لم ينحصر فقط على بعض القوى الإقليمية كتركيا وقطر والسعودية، بل إن قوى عالمية ساهمت في تسليح هذه الفصائل، خاصة الولايات المتحدة.
حاولت كثير من هذه الجماعات تأكيد رفضها للفكر التكفيري، وتتفق كلها على محاربة تنظيم "داعش"، لكن اتهامات تشبعها بالفكر المتطرف لا تزال تطاردها، خاصة "هيئة تحرير الشام"، التي كانت مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة، الأمر الذي أثر سلباً على سمعة المعارضة السورية، وهو ما يؤكده هيثم مناع بقوله: "الحراك الشعبي في سوريا اغتيل بسبب حمل السلاح من لدن عدة جماعات، غالبيتها متكوّنة من مقاتلين غير سوريين'".
ويعطي هذا التقرير فكرة عن جزء من هذه الجماعات : ما هي الجماعات المسلحة التي تواجه هجوم قوات الأسد في الغوطة الشرقية؟.
وبرّر جزء كبير من المعارضة السورية توجه بعض تياراتها الإسلامية إلى حمل السلاح ضد بشار الأسد بالقول إن الأمر يخصّ دفاعا عن النفس في وجه آلة القتل النظامية. ويعلّق كاوه حسن أن مثل هذا التفكير القاضي بـ"عسكرة الثورة" يمكن أن يكون مفهوما في مواجهة نظام يعمل بمنطق "الأرض المحروقة"، لكن غياب قيادات حقيقية داخل المعارضة السورية، قادرة على فهم الواقع الجيوسياسي لسوريا، فتح المجال أمام القوى المتشددة الإسلامية لاحتلال فضاء الثورة. ويتابع المتحدث أن العودة إلى مرحلة ما قبل "عسكرة الثورة"، أيّ تخلّص المعارضة من هذه الجماعات المسلحة، أضحى أمراً مستحيلا.
هل ربح الأسد؟
من الصعب للغاية أن نتحدث عن انتصار بشار الأسد في المعركة، فحتى لو استعاد زمام المبادرة، فهو سيتسلم بلداً يعيش فيه 80 بالمئة ممّا تبقى من سكانه تحت خط الفقر، فضلاً عن كوارث في مجال الصحة، وتدمير تامٍ للبنى التحتية، وهو ما يؤكده حسن كاوه بقوله: "بشار الأسد انتصر في تدمير سوريا. لن يكون هناك فائز في هذه الكارثة، الكل خاسر".
لكن يبقى أكبر ما حققه الأسد لنفسه، هو أنه لا يزال باقيا على الكرسي، بعد سقوط كلّ الرؤساء الذين شهدت بلدانهم ثورات في أعقاب "الربيع العربي"، إذ استطاع أن يتجاوز حالياً مرحلة الخطر التي هددته، واستطاع أن يليّن مواقف الكثير من القوى الرافضة لاستمراره، الأمر الذي يشكّل صفعة لقوى المعارضة السورية.
ومع كل هذا الوضع القاتم الذي يحيط بالملّف السوري، لا يزال هيثم مناع يحمل بعض الأمل: "لم يربح النظام السوري مع المعارضة السلمية ولا معركة واحدة، لأنه غير قادر على سحق مجتمع بأكمله". ويبدأ حلّ الأزمة حسب مناع في أن يتم دفع كل الأطراف نحو صياغة دستور ديمقراطي للبلاد، تتم حمايته دوليا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حينها سيخسر النظام الكثير من مقوماته، وسيكون بالإمكان الحديث عن سوريا جديدة، وفق قول مناع.
إسماعيل عزام