DW تتحقق: بلى.. ألمانيا تورد السلاح إلى مناطق نزاع!
٨ فبراير ٢٠٢٢دفعت روسيا بنحو 100 ألف جندي إلى حدودها مع أوكرانيا، بحسب تقارير مخابرات غربية، الأمر الذي تراه أوكرانيا والغرب تهديدا عسكريا، استدعى تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا . ألمانيا أرسلت إليها خمسة آلاف خوذة عسكرية فقط. هذه المساعدة لم تكن كافية بالنسبة للحكومة الأوكرانية التي طلبت رسميا من ألمانيا تقديم أسلحة. لكن ألمانيا ترفض تقديم أي نوع من الأسلحة الدفاعية. فالمستشار أولاف شولتس ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك يشيران إلى أن مبادئ سياسية تقف خلف رفض المانيا تصدير أسلحة إلى مناطق النزاع. كما أن اتفاق الائتلاف الحكومي بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر ينص على: "فقط في حالات فردية مبررة، يجب توثيقها بطريقة يسهل فهمها للرأي العام، يمكن حدوث استثناء".
مسار واضح "لتصدير الأسلحة الألمانية"؟
مثل هذه الاستثناءات موجودة، يقول مستخدمون على مواقع التواصل. إذ يقول أحد المستخدمين من أوكرانيا: "أسأل الألمان عن توريد الأسلحة إلى السعودية ومصر وتركيا والإمارات". وفي تعليق آخر كتب أحدهم: "الأسلحة الألمانية تستعمل في الحروب والنزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم - بالمناسبة أيضا من قبل داعش ..." هل هذا صحيح؟
ادعاء: "الحكومة الألمانية تتبع منذ أعوام استراتيجية مماثلة بالنسبة لهذه المسألة. ألمانيا لا تصدر أي أسلحة لمناطق النزاع ولن تصدر أي سلاح فتاك لأوكرانيا" أكد على ذلك المستشار أولاف شولتس، مكررا ما قاله سابقا، في لقاء مع القناة الألمانية الأولى ARD، ردا على سؤال حول ما إذا كانت ألمانيا ستدعم أوكرانيا بالسلاح.
DW تتقصى: الادعاء خاطئ
كريستيان مولينغ، خبير الدفاع والأمن في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية يقول موضحا في مقابلة مع DW "قدمنا في الماضي، ولكن دائما في حالات ترتبط بالوضع". ويضيف "هذا يعني أنه يوجد في ألمانيا مبدأ فحص كل حالة فردية. نحن ننظر في كل حالة على حدة".
كما أكد بيتر فيزمان من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام "SIPRI" لـ DW أن ألمانيا أرسلت مؤخرا أسلحة إلى مناطق الأزمات. ويقول "من الواضح أنه ليس صحيحا أن ألمانيا لا تزود دولا أو جهات فاعلة في حالة نزاع بالأسلحة. وهناك كثير من الأمثلة التي تم فيها تصدير أسلحة األمانية بموافقة الحكومة، وبدعم خاص منها، أو حتى من خلال الحكومة نفسها".
أسلحة ألمانية في حرب اليمن
مثال على ذلك مصر. بحسب مؤشر TIV التابع لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام "SIPRI"، مصر هي خامس مستورد للسلاح الألماني منذ عام 2010. إذ تم في الفترة ما بين الأول من يناير/ كانون الثاني 2021 وحتى 14 كانون الأول/ ديسمبر 2021، إصدار تراخيص لتصدير أسلحة لمصر بقيمة 4,34 مليار يورو، بحسب وزارة الاقتصاد وحماية البيئة الألمانية. إذ وافقت الحكومة الاتحادية السابقة على معظمها في الأيام الأخيرة من ولاية المستشارة أنغيلا ميركل - على الرغم من تورط مصر عسكريا في الصراعات في اليمن وليبيا وتعرضت لانتقادات بسبب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
هل يعني هذا أن مصر تستخدم السلاح الألماني في الحرب باليمن وليبيا؟
لا يستبعد بيتر فيزمان هذه الفرضية ويقول "توريد السلاح الألماني إلى مصر يمكن تقسيمه إلى مجموعتين. الأولى تتعلق بأسلحة الدفاع الجوي، وهذه لا يمكن استعمالها في حرب اليمن، على حد علمي. المجموعة الأخرى يمكن أن تكون إشكالية، وهي السفن الحربية. "يمكن أن تلعب الفرقاطات دورا في الصراع باليمن، حيث يتم تنفيذ الحصار البحري". والذي يخشى حدوثه خبير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام "SIPRI". إضافة إلى ذلك، يرى فيزمان أن توريد الأسلحة بهذا الشكل المكثف سيقود إلى تعزيز شرعية النظام العسكري في مصر.
دول أخرى شاركت أو لازالت تشارك في الحرب باليمن منذ عام 2015، حصلت هي الأخرى على توريدات أسلحة من ألمانيا، كالسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر. وبحسب تقرير الحكومة الألمانية لعام 2020 المتعلق بتصدير الأسلحة تم الموافقة على تصدير ذخائر للمدافع والبنادق وكذلك لمدافع الهاوزر إلى قطر، وهي ذخائر مدرجة ضمن قائمة أسلحة الحرب. كما أن الحكومة الألمانية وافقت في نهاية عام 2020 على تصدير 15 مدرعة من نوع غيبارد للدفاع الجوي إلى قطر.
لعب السلاح الألماني في حرب اليمن دورا مهما أثبته تقرير استقصائي في عام 2019 أصدره مشروع #GermanArms. وكان على الحكومة الألمانية الاعتراف أن تصدير أنواع معينة من السلاح كان خطأً، يقول بيتر فيزمان، ويضيف "على الأقل أصبح من الجلي أن المخاطر التي ينطوي عليها تصدير هذه الأسلحة كبير جدا. ما يستدعي وقف توريدها".
هذا كان واضحا مع مثال السعودية، حيث أبرمت صفقة لتوريد زوارق دوريات. بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول، تم توقيف كل التراخيص لتصدير أسلحة للرياض. ومنذ ذلك الحين يطبق حظر تصدير الأسلحة للسعودية وتم فعلا تمديده أكثر من مرة.
تركيا .. شريك صعب
مشتر آخر للسلاح الألماني إشكالي جدا وهو الشريك في حلف الناتو، تركيا. "تركيا تغيرت بشكل كبير" خلال السنين الماضية يقول خبير شؤون الدفاع كريستيان مولينغ. ويضيف "أدرك المرء بشكل متأخر أن توريد الأسلحة كان قرارا خاطئا. ومن الوارد أن تخطئ الحكومة في تقديراتها، وذلك لأنها تبقى تقديرات".
على مدى أعوام زودت ألمانيا تركيا بأسلحة حربية بقيمة تجاوزت مئات ملايين اليورو، رغم أن تركيا تواجه انتقادات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، ومن الدول التي تعتبرها الأمم المتحدة مشتركة في توريد الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة في ليبيا. كما أن تركيا تقاتل منذ عقود حزب العمال الكردستاني داخليا، وخارجيا في البلدان المجاورة. بالذات كان الوضع متفجرا بشكل خاص بعد الهجوم العسكري التركي على وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا عام 2018. تساءلت حينها بعض وسائل الإعلام "تضرب صواريخ مضادة للدبابات، دبابات ألمانية". والسبب حول هذا التساؤل هو أن الحكومة الألمانية تدعم قوات البيشمركة الكردية في شمال العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية- داعش بصواريخ مضادة للدروع منذ عام 2014. لم يتم توريد خوذ أو دروع واقية من الرصاص وأجهزة لاسلكي فقط، بل أسلحة مثل بنادق هجومية ومسدسات ومدافع رشاشة وقذائف صاروخية وأسلحة مضادة للدبابات وقنابل يدوية، وبحسب الحكومة الألمانية بلغت قيمتها نحو 90 مليون يورو.
في ذلك الوقت، تعهدت حكومة إقليم كردستان باستخدام الأسلحة حصريا ضد تنظيم داعش الإرهابي، لكن ذلك لم يتم مراقبته بشكل مكثف. وفي إجابة على سؤال وجهته النائبة عن حزب الخضر أغنيسكا بروغر في عام 2016 ، لم تستبعد الحكومة الفيدرالية وصول أسلحة ألمانية في نهاية المطاف إلى السوق السوداء، في شمال العراق.
حتى ما يعرف بمراجعة وضبط الشحنات، أي مراقبة ما تبقى من الأسلحة، لم تستبعد هذه الإجراءات احتمال استعمال هذه الأسلحة في الصراعات، بحسب خبراء صرحوا بذلك لــDW.
معرفة مناطق الصراع القادمة؟
الخبيران مولينغ وكذلك فيزمان انتقدا سياسة الحكومة الألمانية، التي من جهة تفرض قيودا على تصدير السلاح، ومن جهة أخرى لا تملك بوصلة سياسية أمنية واضحة في عملية منح تصاريح التصدير. "يحتاج المرء إلى تحليل منظم محدث بشكل مستمر، يكشف التغييرات التي تطرأ على الوضع الأمني. أي دول يمكن توريد السلاح إليها؟ إلى أي درجة تعتبر آمنة؟ وأي دول لا يمكن تصدير السلاح إليها؟"، يوضح كريستيان مولينغ.
عدم الاتفاق حاضر غالبا حول اعتبار منطقة ما منطقة صراع أم لا. مثال على ذلك هو الوضع في كوريا الجنوبية: الدولة التي بحسب مؤشر TIV التابع لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام "SIPRI"، من الدول الأكثر شراء للسلاح الألماني. لكن "كوريا الجنوبية في حالة حرب رسميا مع كوريا الشمالية، بحسب ما يقول بيتر فيزمان. وبكل تأكيد تمنح الحكومة الألمانية تراخيص تصدير السلاح إلى كوريا الجنوبية "على أمل أن يحمي هذا السلاح كوريا الجنوبية في الدفاع عن نفسها في حال شن كوريا الشمالية حربا". ولكن لماذا لا تورد ألمانيا إذن السلاح إلى أوكرانيا؟ يتساءل الخبراء.
عدم وجود إطار قانوني حقيقي لتصدير السلاح الألماني، واقع ترغب الحكومة الجديدة في تغييره. يورغن تريتين مسؤول الشؤون الخارجية في كتلة حزب الخضر في البرلمان الألماني يقول في لقاء مع القناة الأولى الألمانية ARD، إن وزارة الاقتصاد التي يقودها حزبه قدم مشروع قانون بهذا الشأن والقانون في القراءة الأولى. وبهذا يجب "أن تصبح المبادئ غير الملزمة تجاه تصدير السلاح، ملزمة"، بحسب تريتين.
الخلاصة: مبدأ عدم تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع، لم تلتزم به ألمانيا دائما. الحكومات الألمانية منحت تراخيص إلى دول تقع في مناطق نزاع أو هي نفسها تعتبر مناطق نزاع.
تاتيانا كلوغ/ ع.خ