DW حصري: هكذا تطارد المسيَّرات الروسية المدنيين في أوكرانيا!
٥ سبتمبر ٢٠٢٤لا يفارق خيال فولوديمير كيندرات وزوجته ليوبوف صوت المسيَّرات الروسية . فلقد سمعا في السابع من شهر شباط/ فبراير هذا العام هذا الطنين الخطير لساعات. واعتادا تقريبًا على ذلك، عندما هاجمت فجأة مسيَّرتان محملتان بالمتفجرات منزلهما.
ويقول فولوديمير كيندرات: "لقد شاهدت كيف ضربت المسيَّرات مرآبنا". وأصيب باب مرآب العائلة والسيارة بأضرار شديدة في الهجوم. وتقول ليوبوف واصفة الهجوم المزعج: "كان ذلك وكأنَّ الجنود كانوا يلعبون لعبة كمبيوتر". ويقاطعها زوجها فولوديمير: "لكن هذا حدث في الحياة الواقعية". وتضيف قائلة: "وضدَّ أهداف حيوية".
هجمات المسيَّرات على المدنيين
وبعد هذه الصدمة هربت عائلة كيندرات مع ابنتهما من مدينتهم بيريسلاف الواقعة في جنوب أوكرانيا.
لقد تعرَّضت بيريسلاف في الفترة بين أيلول/سبتمبر 2023 وتموُّز/يوليو 2024 لسلسلة غير مسبوقة من هجمات المسيَّرات الروسية. وقد وثَّقت السلطات الأوكرانية في هذه الفترة وقوع أكثر من مائة وعشرين هجومًا بمسيَّرات أسفرت عن مقتل ستة عشر شخصًا وإصابة أكثر من مائة وثلاثين آخرين - جميعهم بحسب التقارير من المدنيين.
قام فريق التحقيق في مؤسسة "دويتشه فيلة" (DW) لعدة أشهر بتقييم مجموعة كبيرة من التقارير والمعلومات المفتوحة المصادر حول هجمات المسيَّرات الروسية. وساعدت منظمتان غير حكوميتين فريق دويتشه فيله في تحليل هذه البيانات وهما: مشروع عيون على روسيا التابع لمركز مرونة المعلومات، وأرشيف أوكرانيا منيمونيك.
ولم يتمكن فريقنا من البحث في داخل المدينة لأنَّ الشرطة الأوكرانية قد منعت الوصول إليها بسبب التهديدات المستمرة. ولكن مع ذلك يشير تحليل البيانات والمقابلات مع شهود العيان والخبراء إلى أنَّ الجنود الروس قد استخدموا المسيَّرات بشكل منهجي ضدَّ المدنيين.
معظم الأهالي هربوا من المدينة
تقع بيريسلاف على الضفة الشمالية لنهر دنيبرو بالقرب من مدينة خيرسون. واحتلت القوات الروسية بعد وقت قصير من هجومها الكبير على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022 مدينة خيرسون والبلدات المحيطة بها وكذلك مدينة بيريسلاف. واستعاد الجيش الأوكراني المنطقة في خريف عام 2022، مما اضطر القوات الروسية إلى التراجع للضفة المقابلة من نهر دنيبرو.
ومنذ ذلك الحين باتت القوات الروسية تقصف بيريسلاف من الضفة الأخرى قصفًا مكثَّفًا بالمدفعية والقنابل الموجَّهة والمسيَّرات مما أدَّى إلى تدمير أجزاء كبيرة من المدينة وهروب معظم أهاليها البالغ عددهم في السابق أحد عشر ألف نسمة، في حين أنَّ معظم الباقين فيها من الأشخاص المسنين.
استخدام مسيَّرات "إف بي في" كسلاح
وارتفع - على أبعد تقدير منذ خريف عام 2023 - عدد هجمات المسيَّرات على بيريسلاف بشكل قوي. وقد استخدمت في هذه الهجمات بشكل خاص مسيَّرات "إف بي في" (FPV)، كانت محملة بالمتفجرات.
ومسيَّرات "إف بي في"، وهو اختصار يعني "منظور الشخص الأوَّل" (First Person View)، غالبًا ما كانت تستخدم في الأصل من قبل مستخدمين (طيّارين) هواة، وهي مسيَّرات مجهزة بكاميرا فيديو تمكِّن الطيار (المستخدم)، من خلال نظارات خاصة (نظارات الواقع المعزز) أو شاشة تحكُّم، من متابعة رحلته في بث مباشر في الوقت الفعلي. وهذا يمكِّنه من مراقبة الهدف عن كثب واستهدافه بدقة عالية، كما لو كان على متن الطائرة.
وقد زاد بشكل كبير في عام 2023 عدد مسيَّرات "إف بي في" المستخدمة في الجبهة من كلا الطرفين. "في أي وقت من الأوقات يمكن أن تكون هناك عشرات الآلاف من مسيَّرات 'إف بي في‘ تحوم في السماء فوق أوكرانيا"، كما يوضح صامويل بينديت، وهو عضو في مركز الأبحاث الأمريكي "برنامج الدراسات الروسية في مركز التحليلات البحرية".
وبإمكان الطيار الذي يتحكَّم بهذه المسيَّرة إمَّا إسقاط المتفجرات على الهدف أو توجيهها مع شحنة المتفجرات التي تحملها إلى الهدف الذي تنفجر فيه.
مطاردة بالمسيَّرات
وكذلك تم استهداف "يفهين"، الذي لا يريد نشر اسمه العائلي، بمسيَّرة روسية. وكان ذلك في شهر كانون الثاني/يناير 2024، عندما كان هذا الموظف العامل في منظمة الإغاثة العالمية "المطبخ المركزي العالمي" ينقل موادًا غذائية إلى مدينة بيريسلاف.
وحول ذلك يقول إنَّ مسيَّرة روسية قد تعقَّبت سيارته في طريق عودته من المدينة. وهو سعيد لأنَّه قد تمكَّن من الهروب من هذا الخطر، كما يقول لفريق دويتشه فيله: "أنا لا أعرف كم استغرقت مطاردتني من المسيَّرة. لقد كنت خائفًا جدًا".
بينما انتهى هجوم آخر نهاية قاتلة: فقد قُتل في هجوم بمسيَّرة وقع في مدينة بيريسلاف في الأوَّل من شباط/فبراير 2024 موظفان فرنسيان يعملان في منظمة الإغاثة السويسرية التابعة للكنيسة الإنجيلية (HEKS) وأصيب فيه أربعة آخرون. وحول ذلك قال أحد الأشخاص الناجين إنَّهم تعرَّضوا "للمطاردة بمسيَّرات".
وبحسب منظمة الإغاثة هذه فإنَّ واحدة من سيارتيها اللتين كانتا مميَّزتين بعلامات واضحة جدًا تظهر أنَّهما قافلة مساعدات قد تعرَّضت لهجوم بمسيَّرة. وعندما سارع ركاب السيارة الثانية لمساعدة زملائهم، تعرَّضوا لهجوم من مسيَّرة أخرى. وقد تحدَّث أيضًا شهود عيان آخرون لفريق دويتشه فيله عن استخدام ما يعرف باسم "النقرات المزدوجة"، وهي ضربات مزدوجة يُستهدف فيها المسعفون بهجوم ثانٍ.
"مسيَّرات 'إف بي في‘ لا تختفي أبدًا، فهي تحلق دائمًا فوق المدينة"، كما يقول فاليري بيلي، وهو نائب رئيس شرطة منطقة بيريسلاف. لقد التقينا به في قرية صغيرة بعيدة عن مدى المسيَّرات. وتحدَّث هناك حول شكوك رهيبة قائلًا: "إنَّهم يتمرَّنون في بيريسلاف ويتدرَّبون على المدنيين". وذكر أنَّ زملاءه قد تعرَّضوا عدة مرات لهجمات بمسيَّرات أثناء محاولتهم مساعدة ضحايا هجمات المسيَّرات أو توثيق هذه الهجمات.
أهداف عسكرية ومدنية
من المعروف أنَّ القانون الدولي الإنساني يمنع القيام بهجمات تستهدف المدنيين. وهو يُلزم القادة العسكريين وكذلك الجنود العاديين بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. إذ يجب عليهم "اتخاذ جميع التدابير والاحتياطات الممكنة من أجل إبقاء الأضرار التي تلحق بالأهالي المدنيين عند أدنى مستوى ممكن"، كما يؤكِّد واين جورداش، وهو محام بريطاني متخصص في جرائم الحرب ويعمل مستشارًا لصالح القضاء الأوكراني. وبحسب قوله فإنَّ "المسيَّرات لا تشكِّل أي استثناء هنا".
وهو يؤكِّد أنَّ "هامش الحوادث، وهامش الأضرار العشوائية، يجب أن يكون أقل بكثير" عند استخدام أسلحة عالية الدقة مثل مسيَّرات "إف بي في" التي يستطيع المهاجم من خلالها رؤية الهدف. ويضيف قائلًا عندما تضرب بانتظام أهداف مدنية بمثل هذه الأسلحة فسيكون لدينا "أساس أوضح للاستدلال على وقوع جرائم حرب".
هجمات من الجانب الآخر لنهر دنيبرو
لا يمكننا أن نثبت بشكل قاطع لا يدع مجالًا للشك مَنْ هو المسؤول عن هجمات المسيَّرات. ولكن مع ذلك بالاستناد إلى متوسط مدى المسيَّرات ومسار طيرانها الممكن، فقد تمكَّن فريق دويتشه فيله من تحديد المنطقة المحتملة التي انطلقت منها تلك الهجمات. إنها المنطقة المحيطة بمدينتي كاخوفكا ونوفا كاخوفكا الواقعتين مقابل مدينة بيريسلاف على الجانب الآخر من نهر دنيبرو.
وتتمركز هناك العديد من الوحدات الروسية التي من الواضح أنَّها تستخدم المسيَّرات. ومن بين هذه القوات اللواء الخاص العاشر ولواء المدفعية الآلي 205 وكذلك كتيبة المتطوعين "بارس-33" (BARS-33) المسماة على اسم بطل الحرب العالمية الثانية السوفيتي فاسيلي مارغيلوف.
ولا يُعرف سوى القليل حول عمليات اللواء الخاص العاشر التابع لجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية "جي آر يو". ولكن مع ذلك فقد انكشفت تفاصيل هجوم روسي بمسيَّرة: حيث فتح في شهر حزيران/يونيو الماضي مكتب الادعاء العام في خيرسون تحقيقًا ضدَّ جندي من هذا اللواء بعد أن سجَّل محادثة له مع رئيسه. ويتهمه الادعاء العام بأنَّه هاجم بمسيَّرة وعن عمد شخصين مدنيين في شهر أيَّار/مايو 2023 بمنطقة بيريسلاف.
مزاعم "عدم وجود مدنيين" في المنطقة
يعمل لواء المدفعية الآلي 205 منذ فترة طويلة في منطقة كاخوفكا. وهو يعترف علنًا على تطبيق تلغرام بتنفيذه عدة هجمات بمسيَّرات في بيريسلاف، كان معظمها موجهًا إلى مركبات "تم تدميرها جميعها"، كما كتب في خدمة المراسلة أحد طياري المسيَّرات. وقد زعم أنَّ هذه المنطقة لا يوجد فيها مدنيون. وهو يدين نفسه بهذا التعليق، كما يقول المحامي واين جورداش، الذي يضيف أنَّ هذا الجندي لم يحاول تجنُّب وقوع ضحايا مدنيين. وفي الواقع "هو يقرِّر أنَّ كلَّ فرد يعتبر هدفًا عسكريًا مشروعًا".
اختبار مسيَّرة جديدة
وتعمل كتيبة المتطوعين "بارس-33" منذ ربيع عام 2023 في منطقة كاخوفكا ونوفا كاخوفكا. ويبدو أنَّ هذه الوحدة تركِّز بشكل رئيسي على حرب المسيَّرات. وهي تعلن في دعوات التجنيد عن حاجتها بشكل خاص لطياري مسيَّرات.
تأسست هذه الكتيبة بمبادرة من فلاديمير سالدو، وهو حاكم سلطات الاحتلال الروسي في منطقة خيرسون. وقد أعلن في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 عن أنَّ كتيبة "بارس-33" اختبرت مسيَّرة جديدة اسمها "ويليس" (Weles). وتُظهر مقاطع فيديو منشورة على تطبيق تلغرام هجمات بمسيَّرات نفذَّتها كتيبة "بارس-33" في منطقة بيريسلاف ومن بينها أيضًا هجمات بالمسيَّرة الجديدة "ويليس".
فرض عقوبات على الشركة المصنعة للمسيَّرات
ومسيَّرة "ويليس" هذه يتم إنتاجها من قِبَل شركة أيرو-هيت (Aero-Hit) في مدينة خاباروفسك الواقعة في أقصى شرق روسيا. وهذه الشركة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسياسي الروسي كونستانتين باسيوك، وهو مؤيِّد مؤثِّر لكتيبة المتطوعين "بارس-33". كما أنَّه يمثِّل في مجلس الاتحاد الروسي بموسكو منطقة خيرسون الأوكرانية التي ضُمت إلى روسيا بشكل غير قانوني، ويروِّج بانتظام لكتيبة المتطوعين. وفلاديمير سالدو وكذلك كونستانتين باسيوك يخضعان لعقوبات غربية.
وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية أيضًا عقوبات على شركة أيرو-هيت، في شهر حزيران/يونيو 2024، بسبب استخدام "القوات الروسية المتمركزة في خيرسون مسيَّرات ويليس ضدَّ أهداف أوكرانية".
وردًا على ذلك قال رئيس الشركة فيكتور ياتسينكو إنَّ هذه العقوبات لن تؤثر على الإنتاج، وقد تباهى في مقابلة معه بتنفيذ "أربعمائة مهمة قتالية ناجحة" بالمسيَّرة الجديدة، التي ذكر أنَّ "زبائنها المستهدفين" هم كتيبة المتطوعين "بارس-33". وبعد مواجهتها بنتائج هذا البحث ذكرت شركة أيرو-هيت أنَّها "شركة غير عسكرية ولا تتعاون مع وزارة الدفاع الروسية".
لا تعليق
لا يمكننا أن نثبت بشكل قاطع لا يدع مجالًا للشك مَنْ هو على وجه التحديد الطرف الذي أصدر أوامر القيام بهجمات المسيَّرات لاستهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية في بيريسلاف والمنطقة المحيطة بها ونفَّذ هذه الأوامر. ومع ذلك فإنَّ أبحاثنا تشير إلى أنَّ الوحدات العسكرية الثلاثة المذكورة أعلاه يمكن أن تكون هي المسؤولة عن هذه الهجمات.
لقد طلب فريق دويتشه فيله من وزارة الدفاع الروسية والسياسيين فلاديمير سالدو وكونستانتين باسيوك ومن كتيبة المتطوعين "بارس-33" وكذلك من مديري قناتين لهما صلة بهذا الموضوع على تطبيق تلغرام التعليق على نتائج هذا البحث، ولكن لا أحد منهم أجاب على أسئلتنا.
تحرير: ماتياس بولينغَر
تدقيق الحقائق: بيرغيتا شولكه
استشارة قانونية: فلوريان فاغنكنِشت
أعده للعربية: رائد الباش