آفاق السلام بعد عملية تل أبيب بين غياب الرؤية السياسية وهيمنة العنف
١٨ أبريل ٢٠٠٦بعد مقتل تسعة إسرائيليين وجرح 52 آخرين في عملية تبنتها حركة الجهاد الإسلامي في مدينة تل أبيب يوم أمس، حيث تمثلت ردود الفعل الإسرائيلية الأولية بعزم الجيش الإسرائيلي عزل شمال الضفة الغربية عن بقية المناطق للحد من حرية تنقل الفلسطينيين بين منطقة جنين وطولكرم وبين مدينتي نابلس ورام الله. كذلك أغار الطيران الإسرائيلي على مدينة غزة مستهدفا ورشا للحدادة في حي الزيتون دون وقوع ضحايا. كما قصفت المدفعية مناطق في شمال وشرق قطاع غزة قتل فتى فلسطيني وجرح اثنان آخران في قصف على مدينة الشيخ زايد شمال بيت لاهيا. وقد أطلقت زوارق حربية إسرائيلية النار على منطقتي رفح وخان يونس أدت إلى إصابة فلسطينين . كما نفذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة في مدن نابلس قلقيلية وجنين. ومن جهتها أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنّ أحد نشطاء جناحها العسكري قد نفذ هذه العملية، ردا على عملية الاغتيالات التي طالت أعضاءها على حد قولها في البيان الذي وزعته. ومن الملاحظ أنّ مثل هذه العملية تأتي ضمن التشنجات السياسية التي رافقت تشكيل حماس للحكومة والموقف الدولي الرافض للتعامل معها. وكذلك سلسلة العمليات العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي مؤخرا في الضفة الغربية، بالإضافة إلى القصف المتواصل لبعض المناطق الحدودية في غزة، تقول إنّ النشطاء الفلسطينيين يطلقون منها الصواريخ.
كريفلد: "سياسة العقاب الجماعي غير مبررة"
لقيت عملية تل أبيب إدانة دولية شديدة بوصفها تقويضا لأي فرصة ممكنة لعملية السلام، فقد وصفها البيت الأبيض بأنّها "عمل إرهابي مشين". وبدورها حمّلت الحكومة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية وكذلك حكومة حماس المسؤولية وأنّ السلطة لم تتخذ أي" خطوات لمنع الإرهاب ضد الإسرائيليين". وفي ضوء الردود الإسرائيلية المتوقعةعلى عملية تل أبيب ظهرت أصوات في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تدعو إلى استهداف الرموز السياسية والعسكرية لحركة حماس بدلا من محاصرة الشعب الفلسطيني، وأنه من غير المجدي إجراء مفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية وحماس، باعتبارها حركة مازالت توصم بالإرهاب وأنها لن تنأى بنفسها عن الإرهاب بشكل حقيقي. وفي هذا الإطار يعتبر وصف حماس العملية التفجيرية بأنها "دفاع عن النفس" أمرا قد لا يبعث على الأمل ولا يصب في قضية فك الخناق المفروض على الشعب الفلسطيني. وفي مقابلة لموقعنا مع خبير الشؤؤن الاستراتيجية العسكرية مارتن فان كريفلد من الجامعة العبرية والباحث في جامعة بوست دام الألمانية، وردا على سؤال إن كان الرد الإسرائيلي يجب إن يوجه ضد رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية شخصيا اعتبر كريفيلد ذلك "خطأ" و أنّه" سيجعل منه شهيدا" على حد تعبيره. ورأى الخبير العسكري المعروف دولياً أنّ المقاومة الفعالة للإرهاب تكمن في "استكمال بناء الجدار العازل" لوضع حد للهجمات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، رفض فان كريفلد فكرة العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني ووصفها بأنّها "غير مبررة" وأنها يجب أن تكون ضد الإرهابيين، لأن السؤال لا يزال قائما حول تحديد "من هو الإرهابي" على حد قوله.
حماس: "العملية دفاع عن النفس"
تحمل عملية تل أبيب أمس دلالة استراتيجية، إذ كونها العملية الأولى بعد فوز حماس في السلطة، كما أنها الأولى عقب انتخاب الحكومة الجديدة في إسرائيل. وهذه الأحداث جاءت في الوقت الذي تنشغل النخبة الإسرائيلية السياسية فيه في تشكيل الحكومة، وترفض التعاطي مع الحكومة الفلسطينية المفوضة ديمقراطيا والتي تقودها حماس أو حتى مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعروف برصانته واعتداله. وهي تأتي كذلك في وقت تعاني فيه حكومة حماس من أزمة مالية خانقة، إذ لم تتمكن حتى الآن من دفع رواتب الموظفين وترفض حتى الآن إدخال تعديلات على مواقفها من حق إسرائيل في الوجود. ووفقا لرأي العديد من المراقبين فإنّ حدوث مثل هذه العملية لم يكن أمرا مستبعدا، لاسيما وانّ سياسة الخناق والحصار قد تشكل البيئة الخصبة للدفع نحو تنفيذ مثل هذه الأعمال التفجيرية. كذلك تسويق حماس هذه العملية على "أنّها دفاع عن النفس" لن يجد له آذانا صاغية وإن كان العالم الغربي ينظر الى ردود الأفعال الإسرائيلية على إطلاق صواريخ القسام على أنه أمر مبالغ فيه، إلا أنّ هذا لن يمنح الإرهاب الشرعية.
ومن ناحية أخرى، يبدو أنّ هناك نوعا من عدم التناغم السياسي بين مؤسسة الرئاسة الفلسطينية ومؤسسة رئاسة الوزراء، فقد ظهر ذلك من خلال الإدانة الشديدة لعملية تل أبيب من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووصفها بـ"الحقيرة" وبأنها تضر بالمصالح العليا الفلسطينية وأنّ مثل هذه العمليات "تعطي للإسرائيليين مزيدا من الذرائع التي لسنا بحاجة إليها".
تحديات جسيمة أمام حماس
الإشكاليات التي رافقت وصول حماس الى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية وضعت على الأجندة الدولية عددا من التساؤلات بشأن كيفية التعاطي معها وهل من المجدي فعلا محاصرتها سياسيا واقتصاديا. ولكن يبقى النصف الآخر من الحقيقة متمثلاً في السؤال التالي: ألا يمكن أن يؤدي تشديد الحصار على حماس ومحاولة إفشال مشروعها السياسي إلى نتائج عكسية بأن تستقطب مزيدا من التعاطف سواء على المستوى المحلي أو العربي وبالتالي زيادة تصلبها وتمسكها بمواقفها وإثبات جدوى رؤيتها السياسية وإمكانية تصدير نظامها السياسي"الحماسي" إلى الدول المجاورة والذي قد يشكل أيضا تحديا للأنظمة القائمة والتي لا ترغب في رؤية مثل ضمن منظومتها السياسية. إن كان المرء يختلف أو يتفق مع حماس، إلا أن هناك أمورا لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار ومنها أنّ حماس قد استلمت إرثا سياسيا يتسم بالعجز ونظاما اقتصاديا مشلولا وبنية تحتية مدمرة . وبالتالي يجب أن تعطى الفرصة مع ضرورة أن يأخذ خطاب حماس السياسي عقلانية وواقعية، بحيث يستجيب لمتطلبات المجتمع الدولي ولمبادرة السلام العربية وأنها مدعوة نحو بلورة وعي جديد للخروج من سياسة الانكفاء على الذات. ومن ناحية أخرى، يجب تعاطي العالم بايجابية مع الخيار الديمقراطي الفلسطيني.
الإسلام السياسي وحماس
عمليات التحول الديمقراطي التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وكذلك رياح التغيير القسري التي هبت على العراق وتصميم الرئيس الفلسطيني على إجراء الانتخابات في موعدها على الرغم من الدعوات المختلفة التي صدرت من فتح والتي دعت فيها إلى تأجيلها حتى تعيد فتح ترتيب أوراقها، كل ذلك قد دفع حماس للدخول في النادي الديمقراطي والانخراط في العملية الديمقراطية. هذا التحول أربك العالم الغربي في كيفية التفاعل معه، الذي أفرز مسارين للتعامل معه :إما التسليم بهذا الأمر وقبول هذا حقيقة وواقعا وبذلك عدم التخلي عن المبادىء الديمقراطية بدعوى الخوف من الإسلام السياسي وإما رفض نتاجات هذا التحول الديمقراطي وبالتالي تشويه حديقة الديمقراطية الغربية التي طالما تغنى بها الغرب ودعا إلى تطبيقها.
ومهما يكن من أمر، فإنّ تشجيع عملية التحول الديمقراطي في العالم الإسلامي والعربي حتى وإن وصل بالإسلاميين إلى السلطة، من شأنه أن يشذب الخطاب السياسي للحركات الإسلامية وأن يدفعها إلى الالتزام بالنهج السياسي والديمقراطي وأنّ وضع جميع الإسلاميين في بوتقة واحدة وعدم التمييز بين الحركات الإسلامية المعتدلة وبين الحركات الراديكالية المتشددة قد يجعل خطاب حماس السياسي أكثر تشددا.