أتيلا هيلدمان: من مقدم برامج طهي بالتلفزيون إلى محرض شعبوي
٤ أبريل ٢٠٢١نحو 500 رسالة تحريض متواصل بخصوص ألمانيا، ما يزال مقدم برامج الطهي، أتيلا هيلدمان، يرسلها لمتابعيه من مكان بعيد آمن، فبعد فراره من ألمانيا إلى تركيا، يرسل هيلدمان رسائل كراهية صوتية ونصية متتالية، تحرض ضد الحكومة الألمانية كما يرسل مقاطع فيديو عبر برنامج "تلغرام"، حيث يظهر وهو يحمل مسدسا، ويدعو مرارا أتباعه البالغ عددهم حوالي 120 ألفا إلى "استخدام العنف ضد الدولة الألمانية وتبديد قوتها وإشاعة الفوضى".
ويحرض هيلدمان خصوصا على اليهود بدون مواراة، ويصفهم مرارا بأنهم في مرتبة "دون البشر" ويستخدم ألفاظا مثل "حثالة". كما يكرر إجراء استطلاعات للرأي على قناته، تظهر تأييد المتابعين له لحد كبير. ومن بينها استطلاع سأل فيه متابعيه: هل ترون اليهود "بشرا" أم "طفيليات مفترسة كاذبة"، وشمل الاستطلاع أكثر من 2500 مشترك بقناته، واختار حوالي 60 في المئة منهم الإجابة الثانية.
لقد نجح هيلدمان في تعريف الألمان به كمؤلف لكتب الطهي للأشخاص النباتيين. بيد أنه "نجح على مدى الأشهر الـ 12 الماضية في أن يصبح أحد الرموز المحرضة على العنف في ألمانيا"، بحسب عالمة النفس الاجتماعي بيا لامبيرتي، التي أشرفت على رصد أفعاله مع زميل آخر، ضمن أنشطة "مركز الرصد والتحليل والاستراتيجية"، المعروف اختصارا باسم (CEMAS)، والذي يعنى برصد معلومات عن التطرف اليميني ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة في ألمانيا، والتحذير المبكر منها.
وتحذر لامبيرتي من تأثير كلمات هيلدمان على متابعيه في ألمانيا، لا سيما وأنه يستخدم خطاب الحرب في رسائله بشكل متكرر، ويشجع على استخدام العنف إلى جانب معاداته الواضحة للسامية.
من مراهق بدين إلى نجم طهي طعام النباتيين
ولد أتيلا هيلدمان البالغ من العمر 39 عاماً في برلين، لأبوين تركيين تخليا عنه، لتتبناه عائلة ألمانية وتمنحه اسمها. وتوفي والده بالتبني عندما كان أتيلا يبلغ التاسعة عشرة من عمره. ويقول أتيلا إن سبب وفاة والده بالتبني هو الإفراط في استهلاك اللحوم. ولذلك قرر أتيلا تحويل نظامه الغذائي إلى الطعام النباتي، وبدأ في ممارسة الرياضة، ما جعله يفقد 30 كيلوغراما من وزنه، حسبما قال.
ابتداءً من عام 2009، باشر هيلدمان في تأليف كتب طهي نباتية، حيث حاز على شهرة كبيرة، وبيعت أكثر من مليون نسخة من كتبه، وتلقى أتيلا وقتها تقييمات إيجابية من وسائل الإعلام الألمانية، حيث تم تصويره على أنه صاحب إرادة قوي، استطاع التغيير إلى نمط غذائي أكثر صحة، وفي تصريحات صحفية له عام 2014 قال هيلدمان "لقد تحولت من شخص بدين خامل إلى شخص يمكنه تحفيز الناس على نطاق واسع".
بيد أن هيلدمان، الذي يسمى نفسه بـ"ملك الطعام النباتي"، أظهر ميولا عدوانية ضد بعض الصحفيين. ففي عام 2017 وبعد أن افتتح مطعما للوجبات النباتية الخفيفة، جاءه تقييم انتقادي، فكتب في منشور له على فيسبوك إنه "كان يود لو حشا البطاطا المقلية في وجه الصحفية الوصولية" التي وجهت إليه الانتقادات. وظل هيلدمان يستخدم منصات التواصل الاجتماعي من أجل الحديث عن نفسه والتعريف بمنتجاته من الطعام النباتي، حتى حدث التغير الكبير في مارس/ آذار عام 2020، حيث أصبح له موضوع جديد هو فيروس كورونا.
كورونا ونقطة التحول
عبر منصته على "تلغرام" والتي يتابعها أكثر من 118 ألف مشترك، تحدث أتيلا هيلدمان للمرة الأولى في 28 أبريل/ نيسان 2020. وخلفه ثلاث دوائر ملونة: أسود وأحمر وأبيض. ألوان العلم الإمبراطوري. والتي تعتبر علامة مميزة للمتطرفين اليمينيين ومواطني الرايخ في ألمانيا. وفي اليوم الأول وحده، أطلق أكثر من 70 مشاركة وصورة ورسائل صوتية في قناته، التي تم إنشاؤها حديثًا، داعيا الألمان إلى رفض الإجراءات الحكومية الصحية، وبعكس المنصات الأخرى مثل فيسبوك ويوتيوب، التي حظرت حساباته لنشره مواد متطرفة، ما يزال هيلدمان قادرا على نشر أفكاره عبر تطبيق تلغرام.
في الماضي أثار هيلدمان أيضًا الجدل، حيث وصف الاندماج في عام 2015 - وهو الوقت الذي تدفق فيه آلاف اللاجئين إلى ألمانيا - بأنه "قضية حساسة" وحذر من أن حركة القادمين ستؤدي إلى "تشويه للقيم والثقافة الألمانية". ثم أصبحت تصريحاته فجة أكثر فأكثر، "ربما بهدف الحصول على مزيد من الاهتمام مرة أخرى"، بحسب ما ترى بيا لامبيرتي.
ويرى ميرو ديتريش، زميل بيا في مركز الرصد والتحليل، والذي يجري أيضا أبحاثا حول ثقافة اليمين المتطرف ومعاداة السامية على الانترنت، أن الدافع وراء المنشورات المتطرفة كان الإغلاق الأول في ربيع عام 2020، ما يعني أن الطاهي الناجح "حُرم من أساس عمله" بين عشية وضحاها - وفي الوقت نفسه فقد قدرا معينا من الاهتمام العام. ثم "وجد هيلدمان مجتمعًا يكافئه بالاهتمام" في قناته على تلغرام. بيد أن هيلدمان يبالغ في منشوراته ما يجعله يتخطى الحدود القانونية.
الهروب إلى تركيا
منذ مايو/ أيار 2020، تتلقى شرطة براندنبورغ تقارير ضد هيلدمان بتهمة التحريض على الفتنة، وفي حزيران/ يونيو تولى أمن الدولة التحقيق بشأن هذه الاتهامات، بيد أنه لم تحدث أية تطورات لقترة طويلة بعدها، وبحسب بيا لامبيرتي فإن "هذه كانت إشارة سيئة، حيث اعتقد هيلدمان أن السلطات في ألمانيا لن تعاقبه، وهو لم يعد مضطرا للتستر على آرائه المتطرفة ومعاداته للسامية، لأنه لم يعد يخشى العواقب".
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، سيتم تفتيش شقة هيلدمان لأول مرة من قبل شرطة براندنبورغ. حيث تمت مصادرة العديد من أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة ووسائط التخزين الأخرى. وتم تجميع البيانات والوثائق في مكتب المدعي العام في برلين. وأدى ذلك إلى بدء التحقيقات "بسبب الاشتباه في إثارة الفتنة"، وغيرها من التهم، لكن قبل أن تظهر نتائج هذه التحقيقات استطاع هيلدمان الاختفاء ومن ثم الهرب.
وقال متحدث باسم مكتب المدعى العام فى برلين ردا على سؤال إن البيانات الخاصة بهيلدمان مازالت قيد التقييم .
وفي 25 مارس/ آذار، أكد مكتب المدعي العام في برلين أن هيلدمان موجود في تركيا وصدرت مذكرة توقيف بحق مقدم برامج الطهي في التلفزيون، والذي يحمل الجنسيتين الألمانية والتركية. وفي اليوم ذاته يؤكد هيلدمان عبر حسابه على تويترمكان وجوده، ويقول إنه إن "تركيا هي وطني الحقيقي وأرضي".
كان للهروب الناجح أيضًا تأثير على قاعدة المعجبين بهيلدمان وزاد ذلك من شعبيته في حين بدا هذا الهروب محرجا للسلطات الألمانية، وبحسب ديتريش فإن "رد فعل الأجهزة الأمنية كان يجب أن يكون أسرع، فالمسار الذي يسلكه هيلمان كان واضحا للعيان".
وعندما سُئل المتحدث باسم مكتب المدعي العام عما إذا كان بإمكان ألمانيا تقديم طلب تسلم هيلدمان إلى تركيا من أجل تنفيذ مذكرة التوقيف بحقه، قال إن الأمر صعب لأن الأخير هو مواطن تركي أيضًا. لذلك وفقا للسلطات فإنه من غير المتوقع تنفيذ مذكرة التوقيف قريبًا. وردا على تغريدة نشرها المدعي العام عبر تويتر بشأن قضية هيلدمان وقرار توقيفه، علق هيلدمان بنفسه على هذه التغريدة، باعثا للمدعي العام بتحيات مشمسة من تركيا.
استر فيلدمان/ ع.ج.