أحمد بن بيتور: الإصلاح تجاوزه الوقت في الجزائر ونحن في زمن التغيير
٢٥ مارس ٢٠١١دويشته فيله: الدكتور أحمد بن بيتور، رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق ورئيس "التحالف الوطني من أجل التغيير"، بعد أن عقدتم أول اجتماع لتحالفكم نهاية الأسبوع الماضي، وذلك بحضور عدد من القوى السياسية وبعض الشخصيات المعارضة، بالإضافة إلى بعض نشطاء في المجتمع المدني، طالبتم صراحة بالتغيير، أي تغيير تسعون إليه؟
احمد بن بيتور: كما أوضحنا، نحن نسعى إلى تغيير نظام الحكم ككل، وليس فقط تغيير الأشخاص، طبعا إن تغيير الأشخاص مهم، و لكن هذا لا يكفي، لذا فإننا نطالب بتغيير نظام الحكم ككل للخروج من نظام تسلطي إلى نظام ديمقراطي. لقد وصلنا إلى قناعة مفادها أن التغيير قادم لا محالة، سواء كان التحضير له بالهدوء عن طريق وضع إستراتيجية لذلك من اجل الاستفادة منه، أم بترك الأمور على ما هي عليه الآن وهو الأمر الذي سيولد عنفا قد لا يحمد عقباه.
ولكن نعلم أن نظام الحكم في الجزائر متشعب، هناك عدة أطراف حسب ما يرى مراقبون، ويؤكدون أن هناك نظام ظل يتحكم بزمام الأمور، وهناك مؤسسات دستورية تنفيذية بادية للعيان، إذا من تستهدفون بالتغيير؟
لقد قلنا إننا نستهدف تغيير نظام الحكم ككل، حتى لا يكون هناك انقسام. إننا نرى الانقسام اليوم على مستوى نظام الحكم ، كما نرى انقساما آخر داخل مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي فإننا نعمل على بث روح المواطنة في المجتمع المدني من جهة وكذلك الضغط على نظام الحكم من جهة أخرى.
شخصيا لا اعترف بمن يقول إن هناك فرق بين أجنحة نظام الحكم، فمدام هناك مسؤول دستوري في الدولة وبيده زمام الأمور وهو رئيس كل المؤسسات المتواجدة في البلاد، فهو المسؤول الأول عما يجرى في البلاد، وبالتالي فإن التغيير سيمس كل النظام، بما فيه المسؤول الأول في البلاد.
تحدثتم عن التغيير السلمي في الجزائر، إلى أي مدى يمكن لهذا المسعى أن ينجح على أرضية الواقع؟
اليوم نلاحظ شيئا مهما، وهو رياح التغيير التي عمت المنطقة كلها، فلا أتصور بعد أشهر أن يبقى أي بلد في المنطقة بعيد عن هذا التغيير. واليوم لدينا دروس مستقاة من تجربتي تونس ومصر مفادها أن صمود الشعب، حتى وإن لم يكن له زعيم أو أي برنامج سياسي ومهما كانت القوة التي تحاول ردعهم، فإنه قادر على ارغام رموز النظام على الرحيل في المرحلة الاولى، لكن الاشكال الحقيقي يأتي بعد ذلك، ويتمثل في كيفية تسيير وتنظيم الانتقال من نظام إلى نظام، وهو الامر الذي نعمل عليه الآن، إننا نحضر خارطة طريق لتغيير النظام وكيفية تسيير المرحلة الانتقالية للوصول إلى انتخابات شفافة وبالتالي تمكين الشعب من التعبير عن إرادته.
إننا كتحالف لا نسعى للوصول إلى الحكم، إننا نعمل على تغيير نظام الحكم.
بما أنكم تحدثتم عن التحالف، من هي القوى السياسية والمدنية التي انضمت إليكم؟
هناك أحزاب انضمت إلينا، والملاحظ في هذه الأحزاب التي دخلت التحالف أنها انشقت عن أحزاب أخرى بعد أن طالب سياسيوها بالتغيير. هناك أعضاء من المجتمع المدني وهناك شباب وطلبة، وشخصيات وطنية معروفة.
واعتبر ان هذه بداية فقط، لأننا نقول أن هذا التحالف هو لجميع قوى التغيير في البلاد، وقد عقدنا إجتماعنا الأول يوم الجمعة الماضي، ونحضر لتنظيم مؤتمر لجميع قوى التغيير، فباب الائتلاف مفتوح للجميع.
مراقبون انتقدوا تحالفكم المسمى بـ"التحالف الوطني من أجل التغيير" ووصفوه بـ "التحالف الوطني من أجل التغيير..الاسلامي"، كيف تعلقون على ذلك؟
لا، هذا تصور خاطئ، إننا نعمل من اجل المواطنة، بمعنى أن لكل مواطن الحق في التعبير عن أفكاره. لدينا قاعدة أساسية مبنية على المواطنة، وعلى الحريات الفردية والجماعية والديمقراطية، ونظام الحكم الشفاف بما فيه المساءلة.
لقد قلنا إننا تحالف، ولسنا حزبا ، بمعنى أن لكل واحد منا حق التعبيرعلى أفكاره، أما بالنسبة لأصحاب التوجه الإسلامي الذين انظموا إلينا فهم من الكفاءات، ولم يحصلوا على شهاداتهم في الفقه اوالشريعة الإسلامية، بل هم دكاترة وحاصلون عن شهادات جامعية في العلوم الطبيعية والاجتماعية. وبالتالي استعمال تعبير "الإسلاميين" جاء من قبل اناس يتخوفون من حصولنا على تأييد واسع في المجتمع. وانا لا أطلق تعبير "الإسلاميين" عليهم، أنما اسميهم المواطنين المطالبين بحرية التعبير والديمقراطية.
هل تنوون الخروج إلى الشارع؟
بما ان المظاهرات ممنوعة في الجزائر العاصمة لن نخرج إلى الشارع في الوقت الحالي، ولكن سنخرج في المدن الأخرى.
ما استعداد المواطن الجزائري للخروج إلى الشارع والمطالبة بالتغيير، خاصة بعدما تررد عن فشل التنسيقية الوطنية من أجل التغيير في حشد المواطنين والنزول إلى شوارع العاصمة؟
اعتقد أن هذا الفشل يرجع إلى الإستراتيجية التي انتهجتها التنسيقية، باعتبار أنهم ذهبوا مباشرة إلى المواجهة. فالمواجهة تتطلب دائما وجود توازن بين القوى. فالتنسيقية ذهبت إلى الساحة التي يتمتع النظام فيها بقوة كبيرة على تجنيد الشرطة، مما حاصرهم وحال دون تحركهم.يجب أن نفهم اليوم أن هناك ثورة جديدة مثل ثورة 1954 التي كانت من اجل اخراج المستعمر، وثورة اليوم تطالب بالحريات بما فيها حرية التعبير وحرية الاختيار والمساءلة.
ولكن هنالك من يقول أن الشارع الجزائري يتردد في المطالبة بالتغيير، على أساس انه متخوف من العواقب والمستقبل، ويستند في ذلك إلى التجربة المريرة التي مرت بها البلاد في التسعينيات، حيث عرف التغيير، الذي جاء بعد ثورة 05 اكتوبر 1988، انتكاسة أوصلته إلى حرب أهلية راح ضحيتها الآلاف. كيف تتعاملون مع هذا التخوف؟
هذا الخطأ الذي نعمل على تفاديه، حقيقة أن هناك كلفة للتغيير كما يوجد كلفة للبقاء على هذا الحال، ولكن يجب أن تكون كلفة التغيير ظرفية للوصول إلى نظام ديمقراطي وشفاف يستفيد منه أبناء الوطن، هذه الاستفادة لا يجب ان يكون مصدرها نظام ريعي، بل نظام قائم على العمل.
إذا لم يحدث التغيير وبقينا على هذا الحال، فإن كلفة التغيير سترتفع بمرور الوقت، وهنا اعني العنف، إذ ان الانفجار الاجتماعي يكون مصدره ثلاثة عوامل، اولا الفساد المعمم وثانيا غياب الأخلاق الجماعية، وثالثا انتشار الفقر. وهذه العوامل ستزداد حدة إذا لم يحدث التغيير. إذا يجب أن يكون التغيير في اقرب وقت، أي قبل 2012.
هناك تحركات في الجزائر يقودها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإجراء إصلاحات في البلاد، كيف ترون هذه الخطوة؟
أظن أن عبارة الإصلاحات تجاوزها الوقت، لأنها لاتكفي في الوقت الحالي، إننا الآن في زمن التغيير. بوتفليقة الذي دعا إلى الإصلاح قام بتغيير الدستور الذي كان يضمن التناوب على السلطة ووضع دستورا لا يكفل هذا الحق. قال إنه رفع حالة الطوارئ لكنه وضع قوانين أكثر ردعية من حالة الطوارئ. إذا هذا الإصلاح يتجه من السيئ إلى الأسوأ، والبلد تتجه في ذات الاتجاه، وبالتالي فإنني لا ارى أية مصداقية لهذا التغيير، وستثبت الأشهر القادمة ذلك.
ماذا بالنسبة إلى محاربة الفساد الذي ينتشر حتى في المؤسسات السيادية ودواليب السلطة، وكيف يمكن للتغيير الذي تطالبون به أن يقف في وجه هذه الظاهرة التي باتت تهدد الاستقرار الاجتماعي؟
لدينا خارطة طريق سنتبعها بعد تغيير النظام، أولا يجب إعادة تأهيل الدولة ككل بما فيها إصلاح المنظومة القضائية ووضع قوانين للتعامل مع الأسواق بشفافية وإصلاح قوانين الصفقات العمومية وغيرها من القوانين الاخرى. طبعا إننا لا نستطيع القضاء على هذه الظاهرة بين ليلة وضحاها ولكن سنضع برامج للتأهيل لشرح هذه القوانين ثم سنبدأ بعد ذلك في تطبيقها بصرامة.
ما هو انعكاس سقوط النظامين التونسي والمصري على حركة التغيير في الجزائر، وما هو انعكاس ما يحدث الآن في ليبيا على مسعى التغيير الذي تطالبون به؟
الحديث عن ثورتي تونس ومصر يقودنا إلى الحديث عن أربعة دروس مهمة، أولها ان تلاحم المواطنين فيما بينهم يجعلهم قادرين على إجبار رموز النظام على الرحيل، ثانيا اسقاط فرضية أن رموز النظام بإمكانهم الهروب والاستفادة من أموالهم المهربة إلى الخارج، ثالثا اتضاح ان المواطن العربي أصبح يشارك في ثورة المعلومات، أي اصبح هناك آليات جديد لتجنيد الشباب. رابعا هو ان الجيش وقوات الامن، بالرغم من حجم الامتيازات التي يحصلون عليها من النظام، فهي تنحاز في آخر المطاف إلى الشعب لا إلى الحكام. ومن هنا يتضح جليا ان رياح التغيير ستعم.
أما بالنسبة إلى ليبيا، فالمشكل لا يتعلق بقوة التغيير بل بالنظام، إذا لم يكن التغيير منظم فحتما سنصل إلى الخراب، وحالة ليبيا دليل على ذلك، حتى اصبحنا اليوم في حيرة من امرنا، إذ أننا لا نقبل التدخل الاجنبي، ولكن في نفس الوقت لا يجب ان نترك حاكما يقتل شعبه بقوة السلاح، هذا غير مقبول، فالقذافي لم يترك لنا خيارا آخر إلا القبول بالتدخل الأجنبي.
أجرى الحوار يوسف بوفيجلين
مراجعة: منصف السليمي
أحمد بن بيتور: سياسي جزائري، حاصل على شهادة دكتورا في الاقتصاد سنة 1984 من جامعة مونتريال، تقلد منصب رئيس الحكومة الجزائرية من 23 ديسمبر 1999 إلى 27 أوت 2000 أي في فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يتفق معه في الرؤى فاستقال.