أخنوش.. كيف وصل الملياردير النافذ إلى رئاسة حكومة المغرب؟
١١ سبتمبر ٢٠٢١لم يكن المتتبعون للعملية السياسية في المغرب، خلال الانتخابات التشريعية لعام 2016، يعتقدون أن عزيز أخنوش، وزير الفلاحة القوي، سيكون له دور حاسم في تشكيل الحكومة الموالية لتلك الانتخابات، لكن بعد صعوده بشكل مفاجئ إلى رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي حصل في تلك الانتخابات على المركز الرابع، بدا أن مهمة عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، الفائز حينها بالانتخابات، لن تكون سهلة.
في ذلك الشهر، أعلن رئيس الحزب "الأحرار" السابق، صلاح الدين مزوار، استقالته من الحزب في ظروف غامضة، وفي ظرف أيام تم تنظيم مؤتمر استثنائي شهد انتخابا على المقاس لعزيز أخنوش الذي عاد للحزب بعد استقالته السابقة منه. ظهر جليا أن صعود هذا الرجل كان على أساس التفاوض مع ابن كيران، حول تشكيل الحكومة.
لكن أخنوش ذهب أبعد، عندما فرض شروطا قاسية على ابن كيران بأنه إن أراد دخول حزب "الأحرار" إلى الحكومة، عليه كذلك أن يقبل بدخول ثلاثة أحزاب أخرى. لم يكن لدى ابن كيران أيّ خيار عوض الاستنجاد بـ"الأحرار" نظرا للفيتو الذي فُرض في تلك الأيام على مشاركة حزب الاستقلال (المركز الثالث) في الحكومة، وكذلك نظرا لاستحالة التحالف مع الغريم حينها الأصالة والمعاصرة (المركز الثاني).
لكن ابن كيران مع ذلك رفض الإذعان لشروط أخنوش بالكامل، وانتهت القصة بإعفاء ابن كيران، وتعيين العثماني محله على رأس الحكومة ومن ثمة القبول بكل شروط أخنوش، فتكوّنت الحكومة من ستة أحزاب.غير أن طموح أخنوش كان أبعد من مجرّد التفاوض، ظفر حزبه بوزارات مهمة في حكومة العثماني، ثم بدأ يعلن بشكل واضح عن نواياه لاكتساح انتخابات 2021.
لم يعد أخنوش يأبه بالتحالف الحكومي وتعددت انتقاداته لرئيس الحكومة. وتحوّل وزير الفلاحة الذي لم يكن يُسمع له صوت في المناكفات السياسية إلى أكبر خصوم إسلاميي الحكومة، خصوصا بعد تغيير حميد شباط من على رأس حزب الاستقلال، واستقالة إلياس العماري من حزب الأصالة والمعاصرة، وهما من اشتهرا بانتقاداتهما اللاذعة للحزب "الإسلامي".
شخصية اقتصادية تلوّنت بالسياسة
لم يعرف لعزيز أخنوش مسار سياسي مع حزب "التجمع الوطني للأحرار" قبل انتخابات 2007 التي شهدت تعيينه لأول مرة وزيراً للفلاحة والصيد البحري، إذ دخل الوزارة على حين غرة باسم هذا الحزب المعروف باستقطاب الطبقة الاقتصادية والإدارية.
عرف المغاربة قبل هذا التاريخ أخنوش واحدا من رجال الأعمال الأقوياء في البلد، فقد كان رئيس مجموعة "أكوا" الاقتصادية، وهو سليل عائلة غنية منحدرة من مدينة تافروات في الجنوب، كما سبق له ترأس جهة "سوس ماسة درعة" ما بين 2003 إلى 2007.
ورغم تركيزه على المجال السياسي، فقد بقي أخنوش محافظاً على مكانته كواحد من أغنى أغنياء المغرب، فمجلة فوربس تقدر ثروته حاليا بملياري دولار، وتنشط مجموعته الاقتصادية بشكل كبير في المحروقات والغاز، وكذلك في العقارات والإعلام والسياحة. وليس أخنوش وحده، فزوجته كذلك معروفة في مجال الأعمال، وهي مالكة أكبر مركز تسوق حديث في الدار البيضاء.
خلال فترته الأولى في الوزارة، ركز أخنوش على مشاريع كـ"المغرب الأخضر" في القطاع الزراعي، لكن كذلك كانت تُنشر أخبار عن امتلاكه علاقات قوية مع القصر ومحيطه. حافظ على منصبه في أول حكومة مغربية ما بعد "الربيع العربي" بزعامة العدالة والتنمية عام 2012، بشكل أظهر أن ابن كيران لم يكن له خيار غير الإبقاء عليه، لكن أخنوش استقال حينها من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي خرج للمعارضة، وبقي دون حزب سياسي في الحكومة.
مرت السنوات الأولى داخل الحكومة دون احتكاكات، بل ولجأ إليه ابن كيران لتسيير وزارة الاقتصاد والمالية بشكل مؤقت غداة انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة. غير أنه في وقت لاحق، اندلعت أزمة بينه وبين ابن كيران حول من هو الآمر بصرف مبالغ صندوق التنمية القروية، كما خرجت قضايا أخرى تجمع بين المال والسياسة، أطرافها وزراء في حزب التجمع الوطني للأحرار إلى العلن، وبدا جليا أن رسائل الود بين ابن كيران وأخنوش تسير نحو نهايتها، وهو ما تأكد في فترة مفاوضات تشكيل تلك الحكومة.
تحديات تواجهه
غير أن أخنوش عانى من أكبر أزماته الاقتصادية عام 2018، عندما أطلق جزء واسع المغاربة على مواقع التواصل حملة لمقاطعة شركة محروقات تابعة له ضمن شركات أخرى لأجل محاربة الغلاء. وتضررت مجموعته بشكل كبير من تلك المقاطعة.
كما يعاني أخنوش من تواضع قدراته الخطابية مقارنة بشخصيات أخرى موجودة حاليا في الساحة، وأثار إنفاقه غير المسبوق في الحملة الانتخابية جدلا بين المهتمين، خصوصا في مواقع التواصل، ما دفع بمنافسين إلى اتهام حزبه باستخدام المال خلال الحملة. كذلك لاحقته انتقادات باستقطابه شخصيات لم يعرف لها اهتمام سياسي.
كما أن الحزب الذي ينتمي إليه لا يتوفر على تقاليد سياسية ولا على ديمقراطية داخلية قوية، خصوصا أن أخنوش صعد إلى رئاسته بما يشبه الاتفاق. وقد تأسس هذا الحزب عام 1978، على يد صهر الملك الراحل الحسن الثاني أحمد عصمان، لغرض مواجهة ما كان يعرف بالأحزاب الوطنية، وأخذ على عقود سمعة في استقطاب الأعيان، ورغم أنه يضع الليبرالية توجهاً له، إلّا أنه لا يطبقها إلا بشكل محدود للغاية.
وأكبر تحدٍ يواجه أخنوش، بعد تعيينه رئيساً للحكومة غداة تفوق حزبه في انتخابات 2021، هو كيفية ترجمة وعوده الانتخابية على أرض الواقع، وتحديدا الوعود المالية بتعويضات لكبار السن ورفع الأجور والتقاعد وتوفير مليون فرصة عمل.
تركيز أخنوش على مدخل اقتصادي- مالي لبرنامجه الاقتصادي يريد به تعويض تحديات كتطوير الديمقراطية ومحاربة الفساد وتعزيز الإصلاح السياسي وغيرها مما كان يرفعه سلفه حزب العدالة والتنمية، فهل ينجح "الأحرار" في عكس ذلك؟
إسماعيل عزام