أربعينية الحسين والمسيح على درب الآلام
١٣ يناير ٢٠١٢هذه الأيام يحيي ملايين العراقيين مراسم زيارة الأربعين الخاصة بشهادة الإمام الحسين، هذه الزيارة مرتبطة إلى حد كبير بمشاعر دينية موروثة. ولا ننسى أن الحزن وحس المأساة يسيطر على ثقافة العراقيين بشكل كبير وهذه المراسيم مرتبطة بهذا الحس.
ليست طقوس زيارة الأربعين ظاهرة إسلامية فريدة من نوعها، إذا توجد في ديانات التوحيد الأخرى طقوس وشعائر مشابهة. في الديانة المسيحية مثلا هناك مسيرة درب الآلام التي تعبر عن انتقال السيد المسيح على الطريق إلى مكان صلبه وما تعرض له من تعذيب وإذلال خلال هذه المسيرة. وفي الديانة اليهودية هناك شعائر البكاء عند حائط المبكى حزنا على خراب هيكل سليمان، وفي هذه الشعائر أيضا كثير من الحزن في استذكار وقائع الماضي.
تسليط الضوء على جوانب التشابه بين الأديان يمكن أن يرسم طريقا للتسامح والوئام بين الأديان.
مسيرة درب الآلام
تقام طقوس مسيرة درب الآلام في مدينة القدس وتتخذ نفس الطريق الذي سلكه السيد المسيح قبل 2012 في مسيرته إلى موقع صلبه، ويحضرها مسيحيون من كل أنحاء العالم.
الأب إبراهيم فلتس رئيس مؤسسة يوحنا بولس الثاني في الشرق الأوسط تحدث عبر الهاتف من القدس إلى مايكروفون العراق اليوم من ويتشه فيله عربية مشيرا إلى أن " المسيرة تبدأ من المكان الذي كان فيه قصر بيلاطس البونطي المحاذي للحرم القدسي الشريف حاليا، لأن هذا القصر كان يشرف على ساحة هيكل مسجد سليمان الذي يقدسه اليهود، وكان الملك يراقب من قصره ما يفعلونه في أعيادهم ومناسباتهم ، ومن هذا القصر حكم على السيد المسيح بالصلب، لذا فإن المسيرة تنطلق من هذا المكان لتطوي 14 مرحلة ، أي 14 محطة يقف فيها الناس للصلاة والتأمل".
يحيي الراهب الفرنسيسكاني الأب إبراهيم فلتس في كل جمعة مع عدد كبير من المسيحيين طقوس مسيرة درب الصليب حيث يحمل أتباع السيد المسيح صليبا كبيرا على أكتافهم تعبيرا عن ذكرى الواقعة الأليمة ويسيروا به إلى الموقع الذي جرى فيه الصلب ، ويشير فلتي إلى أن" هذا الطقس هو تقليد قديم جدا يرجع إلى القرون الأولى بعد الميلاد ووردت إشارات عنه في الكتاب المقدس، ولكن الصيغة التي نشهدها الآن لهذه الطقوس اتخذت صيغتها خلال القرن الخامس عشر- عام 1458 م وكان يقيمها الرهبان الفرنسيسكان ".
وتعتبر مسيرة درب الآلام تقليدا ثابتا يقيمه المسيحيون في الأراضي المقدسة ويتذكرون من خلاله مراحل وآلام السيد المسيح.
الراهب الفرنسيسكاني إبراهيم فلتس كشف عن وجود تشابه في طقوس مسيرة درب الصليب وطقوس زيارة الأربعين عند المسلمين الشيعة، حيث أن هذه المسيرة تقام بعد صيام أربعين يوما، "لأن السيد المسيح صام أربعين يوما انتصر بعدها على الشيطان، وهكذا فإن المسحيين يصومون أربعين يوما قبل الاحتفال بعيد القيامة الذي تسبقه الجمعة العظيمة التي يحييها عشرات الألوف من المسيحيين من كل أنحاء العالم ، وتسمى أيضا الجمعة الحزينة وهي يوم حزين يعقبه يوم القيامة في يوم الأحد الذي هو يوم سعيد وفي عقيدة المسيحيين يقوم المسيح في هذا اليوم من بين الأموات ويكون ذلك سببا لفرح محبيه بقيامه بعد ان دفن".
وأشار الأب فلتس إلى ان مسيرة درب الآلام لا ترتبط بأي اتجاه او حركة سياسية ولا تحمل دلالة سياسية.
زيارة الأربعين
يرجع تاريخ هذه الزيارة إلى ما بعد ثورة الإمام الحسين التي قمعت في العاشر من محرم عام 63 هجري حيث انتهت بقتل الحسين وأتباعه في معركة الطف ، ثم سفّر أهله وعياله مكبلين بالقيود والسلاسل اسارى إلى مقر الخلافة الأموية في دمشق .
ويرى غانم جواد المستشار الثقافي في مؤسسة الحوار الإنساني بلندن " أن هذه الزيارة هي زيارة تضامنية وتفاعلية مع حركة الأمام الحسين آنذاك والتي أعقبها تسفير أهل بيته من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى دمشق حيث قصر الخليفة الأموي يزيد بن معاوية ، فحصلت النقاشات الشهيرة التي وقعت بين السبايا والإمام علي بن الحسين ( نجل الإمام الحسين الذي نجا من مذبحة كربلاء) من جانب و بين الخليفة يزيد بن معاوية والتي انتهت بالإفراج عن السبايا وإعادتهم إلى المدينة المنورة".
ولدى سؤاله عن سبب تسمية الزيارة بالأربعنية بيّن غانم جواد أن التسمية جاءت من المدة التي استغرقتها رحلة الذهاب والعودة مشيرا إلى" أن القافلة وأثناء وصولها حدود النجف أرادت أن تمر على موقع الطف لتفقّد جثامين الشهداء من آل بيت الرسول، وهكذا وصلوا إلى موقع الواقعة بعد أربعين يوما وليلة من وقوعها ومن هنا نشأ هذا التقليد".
هذا الطقس تحول إلى تقليد يمارسه الشيعة مع أمواتهم بشكل عام حيث يحييون أربعينية فقيدهم أسوة باربعينية الإمام الحسين. ويشير غانم جواد إلى " أن تطورا كبيرا طرأ على إحياء هذه الذكرى منذ قيام ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، حيث قام الثوار بإحياء أول زيارة لضريح الإمام الحسين في اربعينيته ليتحول ذلك إلى تقليد ثابت يقام كل عام في الموعد نفسه".
السياسيون طالما استغلوا زيارة الأربعين
وشهدت زيارة الأربعين على مدى التاريخ وفي مناسبات عديدة احتكاكا مع السلطة الحاكمة او مع احد التيارات السياسية ويشير الباحث غانم جواد إلى" أن طقوس زيارة الأربعين أصابها تطور سياسي حصل في عصر الدولة البويهية حين تحول الخليفة البويهي خدابنده من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، فسعى إلى توظيف هذه الممارسات لتدعم سلطته وأعلن مراسيم زيارة الأربعين والعزاء الحسيني عامة للجمهور بعد ان كانت تقام بشكل سري ، ثم حدث تطور اكبر في عهد الدولة الصفوية عندما أرسل الشاه عباس صفوي وزير بلاطه إلى الدول والديانات الأخرى لبحث طرق تمسك هؤلاء الناس بطقوس أديانهم، وبعد ذلك ادخل عباس الصفوي الممارسات التي نراها اليوم، وقد تعاقبت الدول والأحزاب والتنظيمات على توظيف هذه الممارسات لدعم سلطتها السياسية".
"اختلاف الأديان سبب للتقارب"
خليل خباز في اتصال من الموصل عزى شيعة العراق بفاجعة الإمام الحسين ولفت الأنظار إلى أن "جميع الأديان انبعثت من منشأ واحد هو الخالق الكريم ، وقد جاءت لخير البشرية ، من هنا فإن التمسك بالأديان التي تدعو إلى قيم التسامح هو وسيلة للتقارب فيما بينها ، والخلاف الذي نشهده اليوم بين الأديان سببه أتباع الأديان في تفسيرهم وتأويلهم للكتب المقدسة ، ومن هنا تنشا الاختلافات وتتحول إلى صراعات".
فيما ذهب ماجد في اتصال من البصرة إلى أن الديانات التي انزلها الله على رسله وأنبيائه يجب ان تكون عامل تقريب ومحبة بين الشعوب ، لكن السياسيين عبر التاريخ في مختلف أنحاء العالم خلقوا حالات العداء بين اتباع هذه الديانات .
في اتصال من السويد أشار محمد حسين إلى" أن الدين شأن بين الإنسان وربه، فيما الوطن مساحة للجميع ، وهذا يعني أننا نخضع لمظلة القوانين التي تحكم مختلف طوائف العراق، واختلاف الأديان يجب ان لا يفسد في الود قضية، فكل الأديان رسائل إنسانية، والأديان هي أفعال وليس كلمات وطقوس، وعلى وزارة التربية ان تضع في المناهج إيضاحا لمعنى الدين، واختلاف الأديان يمكن ان يكون سببا للتقارب".
ملهم الملائكة
مراجعة: هبة الله إسماعيل