أردوغان في السعودية.. طي ملفات شائكة وبناء تحالفات جديدة؟
٢٨ أبريل ٢٠٢٢لأول مرة منذ توتر العلاقات بين البلدين عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018، يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السعودية في خطوة يسعى من خلالها للحصول من المملكة الثرية على دعم لبلاده التي تعصف بها أزمة مالية حادّة.
وقال مسؤول تركي لوكالة فرانس برس طالباً عدم نشر اسمه إنّ أردوغان سيزور المملكة وسيلتقي الملك سلمان، وسيكون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "في عداد الوفد" الذي سيستقبل الرئيس التركي، بحسب المصدر.
خطوات على طريق المصالحة الشاملة
جاء الإعلان عن الزيارة في أعقاب نقل القضاء التركي ملفّ قضية خاشقجي إلى السعودية في 7 نيسان/ أبريل، بعد أن كانت أنقرة قد بدأت محاكمة غيابية في تموز/ يوليو 2020 بحقّ 26 سعوديًا يشتبه في تورّطهم بمقتل خاشقجي.
وكانت المحاكمة تشكلّ الحاجز الأخير أمام زيارة تركية رسمية إلى الرياض. وبحسب الخبراء فإن تركيا تسعى لإحياء علاقاتها مع السعودية لحاجة إلى دعم اقتصادها المنهار، وكان من الملحّ أن تغلق ملفًا كان يسمّم علاقتها بالمملكة.
ويرى هاني نقشبندي الصحفي والمحلل السياسي السعودي أنه يجب ملاحظة "التحركات الدبلوماسية التي جرت خلال العام الأخير، وحتى قبل نقل ملف قضية خاشقجي الى الرياض، إضافة للكثير من التصريحات الإيجابية التي أتت من الجانب التركي. بل وحتى على مستوى الاخبار والتغطيات الصحفية المحايدة فيما يتعلق بالشأن بين البلدين".
ويضيف نقشبندي في حواره مع DW عربية أن الزيارة لن تكون زيارة عادية "وأعتقد أنه سيعقبها ارتفاع في حجم التبادل التجاري والسياحة والتنقل بين البلدين .. أعتقد أن الزيارة بادرة جيدة للغاية ستؤدي لنتائح سيعلن عنها سريعاً"، مشيراً إلى ما تناقلته وسائل إعلام بأن الزيارة قد تشمل أيضاً أداء الرئيس التركي لصلاة عيد الفطر مع الملك سلمان في مكة المكرمة.
أما الدكتور سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوجالي والمتخصص في القضايا التركية والإقليمية، فيرى أن "قضية خاشقجي واتخاذ تركيا موقف المساند لقطر في الأزمة الخليجية، كان لهما ارتدادات على العلاقات التركية بشكل سلبي للغاية انعكس على التعامل مع الملفات الإقليمية سواء بالنسبة للسعودية أو لتركيا"، بحسب ما قال خلال حواره مع DW عربية.
وأضاف صالحة أن تلك الانعكاسات بدت واضحة للغاية في الملف السوري والملف الليبي والعلاقات المصرية التركية، وبالتالي فإن تحسن العلاقات سيلقي بظلاله على هذه الملفات أيضاً.
أزمة الاقتصاد التركي
وتواجه تركيا أزمة اقتصادية على وقع انهيار قيمة الليرة وتضخّم قوي تخطّى نسبة الـ60 بالمائة في الأشهر الـ12 الأخيرة. وبحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء، فقد توقع مجلس الغرف التجارية السعودية ارتفاع واردات المملكة من تركيا خلال الفترة القريبة المقبلة، في أحدث إشارة على التحسن المضطرد للعلاقات بين البلدين.
وقالت مصادر في مجلس الغرف التجارية، للوكالة، (فضلت عدم كشف هويتها)، إن استيراد التجار للسلع التركية سيعود لطبيعته بشكل متسارع، بمجرد الإعلان رسمياً عن عودة العلاقات لطبيعتها. وأكدت المصادر عدم وجود قرار حكومي (سعودي) رسمي يمنع الاستيراد، "لا سيما مع السمعة الطيبة للمنتجات التركية في أكبر سوق عربية".
وارتفعت واردات المملكة من تركيا بنسبة 2,8 بالمئة خلال أول شهرين من 2022، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودي. يأتي ذلك، بعد أن تراجعت واردات المملكة من تركيا في 2021 بنسبة 62,3 بالمائة، إلى 3,32 مليارات ريال (886 مليون دولار) مقابل 8,82 مليار ريال (2,35 مليار دولار) في 2020.
في هذا السياق، يشير هاني نقشبندي المحلل السياسي السعودي إلى الضغوط المتزايدة التي يواجهها الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بالميزان التجاري مع السعودية، "وهو ما نقرأه من خلال الأرقام التي انخفضت بشكل حاد للغاية وخاصة في يناير/ كانون الثاني قبل الماضي".
ويشير نقشبندي إلى أن السياحة والاستثمارات السعودية في تركيا لهما أهمية كبيرة، "ولا شك أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً رياداً في أي علاقات سياسية على مر التاريخ، إذ يرتبط بعناصر أمنية وجيوسياسية ولوجستية". لكنه استدرك قائلاً بأنه لا يعتقد أن تركيا لم تتحرك بفعل الدافع الاقتصادي وحسب "وإنما هناك رغبة مقابلة للرغبة السعودية في وجود مصالحة في المنطقة ككل في ظل عالم متصارع، ومن هنا تأتي أهمية الزيارة".
سياسة "تصفير المشاكل"
ربما تكون العلاقات مع السعودية هي واحدة من أهم الملفات التي حظيت باهتمام دبلوماسي تركي كبير، وشهدت نشاطاً كبيراً كان قد انطلق قبل فترة واستهدف تحسين العلاقات مع الدول الكبرى في المنطقة، مثل مصر والإمارات وإسرائيل، بالإضافة للعلاقات القوية مع قطر.
ويؤكد الدكتور سمير صالحة على أن النقطة الأهم في ملف تحسن العلاقات التركية- السعودية تتمثل في قرار أنقرة بمراجعة سياساتها الإقليمية والعربية والخليجية، موضحاً أن "هذا التحول التركي سببه امتداد تأثير هذه السياسات إلى ملفات متعددة بشكل سلبي تأثرت بسببه مصالح تركيا في المنطقة وخصوصاً الاقتصادية، وهو الأمر الذي كان له أثر سلبيي كبير على الاقتصاد التركي".
أما نقشبندي فيرى أن تحسن العلاقات السعودية التركية "قد يدفع إلى مصالحة كاملة مع مصر لما لها من ثقل سياسي في المنطقة، خاصة وأن محاولات إصلاح العلاقات بينهما لاتزال تراوح مكانها. وبالتالي فإن العلاقات السعودية التركية الجيدة قد تعيد المركب إلى مساره الطبيعي بالنسبة للعلاقات العربية التركية بصفة عامة وليس الخليجية التركية فقط".
الأمر نفسه يعتقده سيباستيان سونز، الباحث المتخصص في سياسيات الخليج في مركز الدراسات التطبيقية في بون بألمانيا، والذي يقول في حوار مع DW أن "مصر قد لعبت دوراً شديد الأهمية في التقارب بين تركيا والمملكة العربية السعودية، التي تعد أحد أكبر داعمي النظام المصري سياسياً واقتصادياً"، مشيراً إلى "أهمية ما يمكن أن يمثله وجود الدور المصري كلاعب رئيسي مع السعودية وتركيا للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة".
ويرى سونز أن السعودية بدأت في الآونة الأخيرة تشعر بأنها محاطة بالوجود الإيراني من كل جانب، في الوقت الذي يسود فيه شعور بتراجع الدعم الأمريكي الذي كان مطلوباً بشدة في هذا التوقيت. وبالتالي فإن تعاون السعودية مع تركيا وباقي دول المنطقة قد يشكل لها نوعا من الدعم المفقود من جانب الحليف الأمريكي القديم.
ويقول نقشبندي إن التعاون التركي السعودي ومحاولات تحسين العلاقات "يصعب فصلها عن السياسة السعودية الخارجية مؤخراً، والتي تميل إلى التهدئة ومد جسور التعاون مع دول الجوار على وجه الخصوص، وهو ما يحدث حالياً على سبيل المثال مع إيران من مفاوضات تسير في طريق إيجابي وكذلك على مستوى ملف الحرب في اليمن".
أما صالحة فيقول إن أنقرة بدأت تراجع مواقفها مع عدد من العواصم في المنطقة، "لكن في الحقيقة فإن تركيا دخلت في تفاهمات واسعة مع بعض الدول العربية في مقدمتها قطر، وهذا التقارب التركي السعودي غالباً ما سيكون مرتبطاً بمسار علاقات البلدين مع الدول الأخرى"، موضحاً أن هذا التقارب قد يسرع من عملية تحسن العلاقات المصرية التركية على سبيل المثال، إضافة إلى التحولات التي قد تحدث في كل من الملف السوري والعراقي وارتباط إيران بهما، ما قد ينتج عنه استراتيجيات جديدة بين تركيا والعديد من العواصم العربية.
تحالف إقليمي جديد؟
وكثيراً ما يُنظر الى التعاون بين السعودية وتركيا على أنه مقدمة لتحالف إقليمي كبير يجمع الدول السنية بالمنطقة في مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد.
لكن نقشبندي لا يعتقد أن هذا التعاون هو في إطار تحالفات جديدة في المنطقة، "وإنما هي مسألة تسويات لخلافات سياسية والمحرك الرئيسي فيها هو السعودية، خاصة وأنها تحاول طي أصعب ملفاتها، وهو الملف الإيراني. بهدف الوصول لتهدئة حقيقية في المنطقة وإنهاء الخصومات ومحاولة إنهاء الصراعات قدر المستطاع بما يضمن رفاهية شعوب المنطقة".
ويتفق معه في الرؤية ذاتها صالحة بقوله إن التعاون السعودي التركي قد لا تنتج عنه تحالفات إقليمية واضحة بشكل مباشر "لكن قد تكون له تأثيرات هامة على العلاقات التركية في آسيا، فمثلاً باكستان هي دولة في غاية الأهمية لتركيا والسعودية وترتبط معهما بعلاقات سياسية واقتصادية وأمنية قوية للغاية، وقد تكون بوابة لتركيا لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية".
ولا يرى صالحة أن التعاون السعودي التركي يمكن أن يكون تمهيداً لتكتل سني إقليمي "لأننا اليوم نرى سياسيات براغماتية كثيرة في المنطقة، وهذه السياسيات قلبت الكثير من الموازين في مواقف وسياسيات وأساليب الكثير من الدول والحكومات"، مضيفاً أن الموضوع الإيراني بكل تأكيد سيكون في "قلب النقاشات بين البلدين".
عماد حسن/ جينيفر هوليز