أردوغان يُوظف ورقة السويد لفتح كل الملفات العالقة مع الغرب
١٥ يوليو ٢٠٢٣رغم موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيرا على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلا أنه من المرجح ألا يصادق البرلمان التركي على الطلب قبل الخريف المقبل، بحكم العطلة الصيفية. حدوث المصادقة قبل ذلك غير ممكنة إلا في حالة تنظيم جلسة استثنائية لهذا الغرض. أردوغان واصل الضغط على ستوكهولم بعد قمة فيلنيوس لحلف الناتو، داعيا إياها إلى اتخاذ "خطوات ملموسة ضد الإرهاب"، في إشارة إلى الدعم المزعوم لحزب العمال الكردستاني المحظور، وهو تنظيم مصنف على أنه إرهابي من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تنظر أنقرة بقلق لاحتضان ستوكهولم لعدد من نشطاء حركة غولن، المتهمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. أردوغان حاول الحصول على أكثر من ذلك حين أكد في تصريحات أدلى بها بعد قمة الناتو أن السويد ستدعم تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى السماح للأتراك بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرة. كما أكد أردوغان أن بلاده ستنتظر خارطة طريق من السويد بشأن القضايا التي تم الاتفاق عليها هذا الأسبوع، قبل أن يرسل بروتوكول الانضمام إلى البرلمان. وجاء طلب السويد وفنلندا الانضمام لحلف الناتو (12 مايو/ أيار 2022) عقب العدوان الروسي على أوكرانيا. وتمكنت فنلندا من الحصول على عضويتها منذ أبريل/ نيسان الماضي، فيما تعثرت محاولات السويد بسبب تحفظات تركيا والمجر.
وتخلى أردوغان عن امتناعه في (العاشر من يوليو/تموز) عقب محادثات مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، حيث وافق الأخير على مسودة التزمت فيها السويد بتقديم خطة لمكافحة الإرهاب فيما يتعلق باتهام أنقرة لستوكهولم بعدم اتخاذ إجراءات ضد "الإرهاب". صحيفة "دوما" الاشتراكية البلغارية كتبت (12 يوليو) معلقة "خلال محادثات مع السويد وحلف الناتو تصرف أردوغان مثل تاجر محترف في (البازار الكبير في اسطنبول). بعد بضع ساعات، خرج بعد أن ضغط بكل ثقله على كل أولئك الذين يلعبون أدوار السياح الأغبياء في البازار للحصول على ما يمكنه الحصول عيله: تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ضمانات لحظر التنظيمات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، من الحصول على الدعم في السويد، إضافة إلى رفع العقوبات المفروضة على المصالح التجارية التركية والصناعة الدفاعية. في مقابل كل هذه التنازلات، التي شوهت صورة السويد كدولة ديمقراطية من الدرجة الأولى، قدم وعدًا، بلا تكلفة، بأن البرلمان في أنقرة سوف يمنح العضوية المطلوبة لستوكهولم".
استعمال كل أدوات الضغط المتاحة
متى سيوافق البرلمان التركي على انضمام السويد، خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، أم أن ذلك سيحدث في الخريف؟ الجواب النهائي على هذا السؤال بقى في علم الغيب. فبناءً على التجارب السابقة، هناك مخاوف غربية من أن يقوم أردوغان بتأويل اتفاق فيلنيوس حسب أهوائه وحساباته الخاصة، مثلا أن يُصر على مبادرة سويدية من أجل عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي أو أي شرط آخر إضافي يراه مناسبا. أردوغان يعرف تماما كيف يستغل الظرفية الجيوسياسية في العالم لتحقيق أهدافه. فهو يعلم أنه طالما بقيت السويد خارج الحلف الأطلسي، فلا يمكنها طلب المساعدة العسكرية بموجب المادة الخامسة من معاهدة الناتو في حالة وقوع هجوم من الخارج، في وقت تخشى فيه الدول الاسكندنافية من شبح السيناريو الأوكراني.
صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية (العاشر من يوليو) اعتبرت بهذا الصدد أن أردوغان قد انتصر من الآن وكتبت "وافق الرئيس التركي على عضوية السويد في الناتو لأنه يرى في ذلك الآن مزايا تخدم مصالحه. أردوغان لا يتوارى في استعمال كل أدوات الضغط التي يملكها". مطالب أردوغان لا تقتصر فقط على حزب العمال الكردستاني وحركة غول، وإنما تتعداها إلى مجالات أخرى. فليس من الصدف أن يحصل أردوغان قبيل قمة الناتو على وعد من الرئيس الأمريكي جو بايدن ببيع بلاده طائرات إفـ 16 في وقت تسعى فيه أنقرة لتحديث أسطولها الجوي. وكان مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أكد بدوره أن إدارة بايدن ستمضي قدما في بيع تلك الطائرات لأنقرة بالتشاور مع الكونغرس.
أهمية الصفقة بالنسبة لحلف شمال الأطلسي
سادت مخاوف من أن تطغى الخلافات بين الدول الأعضاء على قمة فيلنيوس خصوصا بشأن انضمام السويد، فلا ننسى أنه إلى جانب تركيا، بلغاريا كانت لها أيضا تحفظات بشأن توسيع الحلف. الحسم في موضوع السويد، مكن القمة من التركيز على ما هو أساسي ويتعلق بسبل دعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها الدفاعية أمام العدوان الروسي. عمليا ووفق الخبراء العسكريين، فإن توسيع الناتو سيعزز القدرات الدفاعية لشمال أوروبا برمتها. وهذا ما سيشكل بالتالي اختراقا استراتيجيا، لأن ساحل بحر البلطيق بأكمله، باستثناء ساحل روسيا وجيب كالينينغراد، سيكون جزءًا من أراضي الناتو.
من وجهة نظر تركية محضة وباستثناء طائرات اف 16 الأمريكيةوالحصول على مرونة في تعامل ستوكهولم مع مناصري حزب العمال الكردستاني، فمن المستبعد أن يفتح الاتحاد الأوروبي على المدى المنظور أبوابه لانضمام تركيا، بسبب ما تعتبره بروكسل تجاهل أنقرة لمعايير الديموقراطية ودولة الحق والقانون. يذكر أن أردوغان ربط عشية القمة بين رفع الفيتو التركي على انضمام السويد وعضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل اكتفى في تغريدة بالإشارة إلى ضرورة استكشاف الاحتمالات للتعاون بشكل أوثق مرة أخرى وإعطاء العلاقة بين الطرفين دفعة جديدة. صحيفة "لوتسيرنر تسايتونغ" السويسرية الناطقة بالألمانية (العاشر من يوليو) رحبت بالاتفاق وكتبت "إن ما يهم هو النتيجة: استكمال تعزيز الجناح الشمالي لحلف الناتو، وفي ذلك إشارة تحذير إستراتيجية للكرملين، إنها رسالة واضحة وضوح الشمس ولا يمكن تجاهلها. في اليوم السابق، ذهب أردوغان لحد القول بأنه سيواصل تصدير الحبوب حتى دون موافقة بوتين، وذلك بفضل البحرية التركية القوية".
حسابات أردوغان بين روسيا والغرب
يواصل الرئيس أردوغان اللعب على كل الحبال، فهو يميل تارة إلى روسيا وتارة يعرب عن تفهمه لأوكرانيا. أما علاقته مع الغرب فيحكمها المد والجزر. وهو يسعى اليوم لجعل موافقته على انضمام السويد للناتو، محطة ورأسمالا يفاوض به المعسكر الغربي. فبعد تحسن العلاقات مع واشنطن لاحظ مراقبون عودة دفء حذر في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد التركي أكثر من أي وقت مضى للاستثمارات الغربية. وقال أردوغان بهذا الصدد إنه يأمل في تحقيق "ديناميكية جديدة" مع أوروبا كما مع الولايات المتحدة. والواقع أن الاتفاق يخدم المصالح الغربية كما التركية على حد سواء في هذه الظرفية الدقيقة التي تجتازها العلاقات الدولية، فهو اتفاق مهم لسببين على الأقل: فهو يقوي الناتو من جهة ويؤسس لتقارب بين تركيا والغرب، وقد تكون روسيا أحد أكبر الخاسرين في هذه الصفقة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "هاندلسبلات" الاقتصادية الألمانية (11 يوليو) معلقة "هذه الصفقة جيدة ومهمة لأنها تتضمن بشكل ملحوظ جوانب إيجابية، خاصة بالنسبة للغرب. فانضمام السويد للناتو يعتبر تقدمًا جيوسياسيًا وعسكريًا كبيرًا للتحالف الدفاعي الغربي، وبذلك أصبحت روسيا الآن محاطة بحلفاء الناتو من جميع أنحاء بحر البلطيق (..) إن توسع حلف الناتو ليشمل الجناح الشمالي، له أهمية كبيرة على المدى الطويل. للسويد وفنلندا تقاليد متجذرة في الحياد، والآن من الواضح أنهما وضعتا نفسيهما إلى جانب الغرب. هذه هزيمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا ينبغي الاستهانة بها" تقول الصحيفة.
طريق معقد محفوف بالأشواك
التقارب التركي الغربي لن يكون طريقا مفروشا بالورود، ففي تطور ملفت في العلاقات بين أنقرة وستوكهولم، عطلت المحكمة العليا في السويد (12 يوليو) تسليم شخصين إلى تركيا التي ربطت دعمها لانضمام ستوكهولم إلى حلف الناتو باستردادهما. وليس من الواضح بعد ما إذا كان سيكون لهذه الخطوة تأثير على قرار أردوغان. وتطالب تركيا بتسليمها هذين الشخصين اللذين تعتبرهما على صلة "بمنظمة إرهابية"، مشيرة إلى انتمائهما إلى حركة فتح الله غولن المعارضة التي تحملها أنقرة مسؤولية محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016. ويشير الطلب التركي إلى أن الشخصين اللذين يتمتعان بوضع لاجئ في السويد قاما بتنزيل تطبيق يستخدمه أعضاء الحركة التي تحمل اسم الداعية فتح الله غولن، عدو أردوغان. واعتبرت المحكمة العليا في تعليلها للقرار بأنه لا يمكن لهذا التنزيل وحده أن يدل على الانتماء إلى المنظمة المدانة بموجب قانون مكافحة الإرهاب السويدي. وليس من المستبعد أن تأتي أحداث جديدة تعكر صفو العلاقات بين الجانبين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سبق لأنقرة أن عبرت عن غضبها مرات عدة في الأشهر الأخيرة لسماح السويد بإحراق نسخ من المصحف خلال تظاهرات عامة. أحداث ممكن أن تتكرر في المستقبل، يمكن أن تعيد العلاقات بين الجانبين إلى المربع الأول.
صحيفة "تاتس" اليسارية الألمانية (11 يوليو) ذهبت في اتجاه آخر وكتبت معلقة "كان أردوغان ولا يزال مهتمًا بعلاقة تركيا مع الغرب ومع القوى الفاعلة في حلف الناتو، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأهم القوى في أوروبا. فيما يتعلق بقضية السويد والناتو، لديه أوراق لجعل صوته مسموعا. بالنسبة لتركيا، كان الغرب دائمًا ساحة سياسية مليئة بالتناقضات، ينجذب إليه الأتراك تارة، وتارة أخرى يشعرون تجاهها بالنفور، معتبرين أنها تعاملهم بغطرسة. هذا واقع لم يبدأ مع ظهور أردوغان كحاكم مستبد يدوس بأقدامه على القيم المفترضة للاتحاد الأوروبي".
حسن زنيند