أزمة الطاقة والتغير المناخي: أوروبا تعود إلى الطاقة النووية!
١٠ أغسطس ٢٠٢٤قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمام أول قمة للطاقة النووية، والتي عقدت في آذار/مارس الماضي: "في الدول المنفتحة على التكنولوجيا، يمكن أن تلعب التكنولوجيا النووية دورا مهما في التحول إلى الطاقة النظيفة."
وسلطت القمة التي نظمتها بلجيكا والوكالة الدولية للطاقة الذرية في بروكسل، الضوء على إمكانات الطاقة النووية للمساهمة في أمن الطاقة، وتحقيق الأهداف المناخية، واستقرار أسعار الطاقة.
مخاطر على البيئة والسلامة العامة
ورغم ذلك، فإن الكوارث الكبرى، مثل محطة فوكوشيما اليابانية، و تشيرنوبيل، شكلت على نحو مثير الرأي العام في الاتحاد الأوروبي إزاء الطاقة النووية، وخاصة فيما يتعلق بالسلامة وبالمخاوف البيئية.
وينتقد معارضون ارتفاع تكلفة إقامة نظام للطاقة النووية، والمخاطر التي ينطوي عليها التعامل مع النفايات النووية وتخزينها، والأثار البيئية للتلوث النووي والحوادث النووية، والكميات الكبيرة من المياه اللازمة لعمليات التبريد في المحطات النووية.
ويستشهد المنتقدون بالأثر البيئي لتعدين اليورانيوم، بينما تسلط الهواجس المتعلقة بالسلامة العامة الضوء على المخاوف من الإشعاع.
وأشارت السياسية الألمانية المحافظة فون دير لاين إلى اختلاف وجهات النظر بشأن الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي، ولكن في أعقاب أزمة الطاقة العالمية التي نجمت عن الغزو الروسي لأوكرانيا، قالت رئيسة المفوضية: "تتبنى العديد من الدول نظرة جديدة للدور المحتمل الذي قد تلعبه الطاقة النووية".
وقالت فون دير لاين: إن توقعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمفوضية الأوروبية لعام 2050 تشير إلى أن الطاقة النووية ستزداد وستشكل مكملا لمصادر الطاقة المتجددة، والتي سوف "تكون العمود الفقري لإنتاج الطاقة في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050".
يشار إلى تراجع الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي وفي العالم بشكل عام، حيث انخفضت حصتها في مزيج الكهرباء بأرجاء الكرة الأرضية من 18بالمئة في عام 1988 إلى 9 بالمئة فقط حاليا.
ونصبت فون دير لاين نفسها للدفاع عن إطالة عمر استخدام المحطات النووية الحالية، "شريطة تشغيلها بشكل آمن"، كواحدة من "أرخص الطرق لتوفير الطاقة النظيفة على نطاق واسع".
تحالف نووي أوروبي
وأدرجت دول الاتحاد الأوروبي الطاقة النووية ضمن التكنولوجيا الاستراتيجية ذات الأهمية البالغة للحد من الانبعاثات الكربونية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الطاقة النووية تفتقر لنفس الدعم المالي الذي تتمتع به مصادر الطاقة المتجددة.
وفي آذار/ مارس الماضي، طالبت 12 من دول التكتل، الأعضاء في التحالف النووي الأوروبي، بزيادة التمويل للطاقة النووية، ودعت المؤسسات المالية إلى التعامل معها بنفس نهج التعامل مع مصادر الطاقة المتجددة.
ودعا التحالف بنك الاستثمار الأوروبي في بيان إلى ضخ استثمارات من أجل توليد الطاقة النووية. ويضم التحالف الذي أطلق في عام 2023، بلغاريا وكرواتيا وفنلندا وفرنسا والمجر وهولندا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وجمهورية التشيك والسويد، وقد التزم بـ "تطوير سبل الحصول على التمويل الخاص والعام واستكشاف إمكانيات وأوجه الاستفادة من أدوات التمويل الأوروبية". وعلى النقيض من ذلك كله، تعارض الدنمارك وإسبانيا ولوكسمبورغ وألمانيا الطاقة النووية.
وقد توقفت آخر ثلاث محطات للطاقة النووية في ألمانيا عن العمل في شهر نيسان/ أبريل عام 2023، بقرار اتخذ في أعقاب كارثة محطة فوكوشيما النووية باليابان في عام 2011.
وعلى الرغم من ذلك، تتزايد الدعوات في البلاد من أجل العودة للطاقة النووية. وفي كانون الأول/ ديسمبر، وافقت الحكومة الإسبانية على خطة للتعامل مع النفايات المشعة، من أجل وقف العمل في المنشآت النووية ووضعت جدولا زمنيا لإغلاق محطات الطاقة النووية بالبلاد خلال الفترة بين عامي 2027 و.2035
ومع ذلك، هناك معارضون للإغلاق، مثل إجناسيو أرالوتشي، رئيس منظمة "فورو" النووية، والذي قال إن المحطات النووية "ضرورية لنظام (الطاقة)" في إسبانيا.
مفاعلات معيارية صغيرة
المفاعلات المعيارية الصغيرة هي مفاعلات نووية تختلف عن محطات الطاقة النووية التقليدية الضخمة، حيث إنها أصغر حجما وأقل تكلفة.
وتسعى المفوضية الأوروبية إلى دعم جهود تطوير هذه المفاعلات الصغيرة للمساعدة في خفض الانبعاثات الكربونية، ولكن هذا المجال يشكل سباقا تكنولوجيا مع الصين والولايات المتحدة وروسيا، وقد دخله الاتحاد الأوروبي لتوه.
وفي شباط/ فبراير الماضي، أطلقت المفوضية تحالفا صناعيا أوروبيا للمفاعلات المعيارية الصغيرة بهدف جمع الحكومات والجهات الفاعلة في هذا المجال لتسريع وتيرة تطوير هذه التكنولوجيا.
كما يمتد الابتكار في قطاع الطاقة النووية إلى إدارة النفايات. ومن المقرر أن تحصل شركة ثورينون، الهولندية الناشئة على منحة بقيمة 10 ملايين يورو (11 مليون دولار) من الحكومة الفرنسية في هذا المجال.
وتسعى الشركة- مقرها أمستردام- إلى تسريع وتيرة تطوير مفاعل نووي صغير يستخدم النفايات النووية الناتجة عن محطات الطاقة العادية كوقود. وبحسب الشركة، يمكن لمحطة واحدة من هذا النوع توفير الطاقة النظيفة لنحو 250 ألف أسرة. ويفترض أن المفاعل النووي الجديد سوف يكون أكثر استدامة وأرخص سعرا وأمانا من المفاعلات النووية التقليدية. كما وافقت المفوضية الأوروبية على أن تقدم الحكومة الهولندية دعما ماليا قيمته مليارا يورو لإقامة مفاعل نووي جديد في قرية بيتن الهولندية. ويهدف المفاعل إلى تطوير وتخزين النظائر المشعة الطبية لعلاج مرض السرطان، لكنه لن يولد كهرباء.
تحولات في فرنسا وإيطاليا
وفي تموز/ يوليو الماضي، أعلنت مجموعة الكهرباء الفرنسية "إي.دي.إف" عن إبرام اتفاقية تعاون نووي مع اتحاد صناعات الصلب في إيطاليا لتسريع عملية إزالة الكربون من القطاع في بلد يخلو من الأسلحة النووية منذ قرابة 35 عاما. وقالت الشركة الفرنسية في بيان صحفي إن الاتفاقية تهدف إلى "زيادة التعاون في مجال الطاقة النووية لتعزيز القدرة التنافسية لصناعة الصلب الإيطالية وإزالة الكربون منها". وصناعة الصلب مصدر رئيسي لانبعاث غازات الدفيئة.
وتم توقيع الاتفاقية مع شركة الطاقة الإيطالية إديسون، وشركة تصنيع محطات الطاقة الإيطالية أنسالدو إنيرجيا، وشركة أنسالدو نوكلي لتطوير التكنولوجيا النووية، واتحاد صناعة الصلب في إيطاليا. ولم تنتج إيطاليا طاقة نووية منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث اتخذ قرار بناء على استفتاء جرى عام 1987 بالانسحاب من الطاقة النووية المدنية بعد حادث تشيرنوبيل.
وفي 26 نيسان/أبريل 1986، انفجر المفاعل الرابع بمحطة تشيرنوبيل النووية (السوفيتية آنذاك)، بشمال أوكرانيا، في أكبر كارثة نووية في مجال الاستخدام المدني للطاقة النووية. وبسبب النشاط الإشعاعي، تم إغلاق مساحات واسعة من الأراضي المحيطة بالمحطة، في ما يعرف الآن بأوكرانيا وبيلاروسيا المجاورة، كما جرى نقل عشرات الآلاف من السكان قسرا. وقد أودى التلوث الإشعاعي بحياة الآلاف.
خ.س/ع.ج (د ب أ)