أزمة المفقودين في قطاع غزة.. معاناة مستمرة ولا حل في الأفق!
١٩ يونيو ٢٠٢٤مازال محمد غزة، أحد سكان مدينة رفح القريبة من الحدود المصرية، يبحث عن عمه إبراهيم الشاعر الذي اختفى منذ بداية مايو / أيار الماضي.
وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، قال محمد "لم نسمع عنه أو منه أي شيء منذ اختفائه. نحن في حالة قلق بالغة. نريد أن نعرف مصيره.. إذا كان قد مات، فأين جثته؟ نريد أن ندفنه ونصلي عليه، أم جرى اعتقاله من قبل (الجيش الإسرائيلي]."
يشار إلى أن عائلة الشاعر كانت من بين السكان الذين أمرهم الجيش الإسرائيلي بضرورة الإخلاء قبل هجومه على شرق رفح في السادس من مايو/أيار للقضاء على حماس بعد هجومها الإرهابي على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال محمد إن عمه حاول العودة إلى مسكنه في شرق رفح بعد أيام من مغادرته لتفقد منزل عائلته ومحاولة جلب بعض الأغراض التي لم تتمكن أسرته من نقلها أثناء القصف.
وأضاف محمد إنهم قاموا بتفقد المستشفيات لعل عمه كان من بين المصابين فضلا عن مطالبة الجيران الذين عادوا إلى منازلهم في شرق رفح بتفقد منزل عمه خاصة عقب وقوع تفجيرات وغارات جوية قرب المنزل.
وقال "قمنا بالاتصال بالشرطة والصليب الأحمر ولجان محلية، لكننا لم نعرف مكان عمي ولا أحد يعرف أي شيء عنه أو ماذا وقع له".
وكحال الكثير من العائلات في غزة، قامت أسرة إبراهيم الشاعر بنشر صوره على منصات التواصل الاجتماعي على أمل أن يساعد ذلك في معرفة أي شي عنه، لكن محاولات الأسرة باءت بالفشل.
جثث مجهولة الهوية
ومع دخول الحرب بين إسرائيل وحماس شهرها التاسع، أفادت تقارير ومنظمات بفقدان آلاف الأشخاص تحت أنقاض المباني التي تعرضت للقصف الذي طال تجمعات سكنية كاملة مما أدى إلى دفن العديد تحت الأنقاض.
ولم يكن بمقدور عربات الإسعاف والطوارئ الوصول إلى الكثير من المناطق بسبب استمرار أعمال القصف فيما لم يتم انتشال الجثث من تحت الأنقاض بسبب نقص المعدات.
ويقول مراقبون إن هناك آخرين يُعتقد أنه تم توقيفهم عند نقاط التفتيش الإسرائيلية أثناء محاولتهم العودة إلى مناطق شمال غزة أو النزوح جنوب القطاع.
ورغم عدم تحديد حصيلة المفقودين بشكل دقيق، إلا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أفادت بأن عدد حالات المفقودين المسجلة قد بلغ 6500 حالة في غزة منذ بداية النزاع.
وفي ذلك، قالت سارة ديفيز، المتحدثة باسم الصليب الأحمر الدولي في إسرائيل والأراضي المحتلة، إنه "منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قمنا بتدشين خطوط اتصال ساخنة بنا تتيح الاتصال بنا لمساعدة الأشخاص الذين فقدوا أقارب لأي سبب من الأسباب بما في ذلك مزاعم الاحتجاز أو حالات التشتت أثناء عمليات الإخلاء أو حالات الإصابة أو الموت ".
ويقول نشطاء إن هناك صعوبات في تحديد هوية الجثث التي يتم انتشالها ونقلها إلى مشارح المستشفيات إذ ذكرت وزارة الصحة في غزة أن عدد الجثث مجهولة الهوية قد بلغ 9839 جثة حتى العاشر من يونيو / حزيران الجاري فيما جرى تحديد هوية أكثر من 27 ألف جثة.
وذكرت الوزارة أن أكثر من 37 ألف فلسطيني قتلوا حتى الآن في الحرب الراهنة بين إسرائيل وحماس فيما لم تذكر الحصيلة بشكل محدد عدد القتلى في صفوف المسلحين والمدنيين.
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إن 650 جنديا قُتلوا منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي من بينهم 298 خلال العمليات البرية الجارية في القطاع منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي هذا الإطار قالت المتحدثة باسم الصليب الأحمر سارة ديفيز إن العثور على المفقودين يمثل تحديا كبيرا بسبب الوضع الحالي في غزة، مضيفة "رغم امتلاكنا خبرة كبيرة في مجال البحث عن المفقودين بمناطق الحرب، إلا أن البحث بشكل مكثف (في غزة) يعد مستحيلا في الوقت الحالي".
وأضافت ديفيز أن عمليات البحث بشكل مكثف أو نشط عن المفقودين من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتطلب طرق أبواب الناس لسؤالهم إن فقدوا أقارب لهم، مشيرة إلى أنه في حالة غزة "لم يعد لدى الناس الأبواب لطرقها حيث يتم إجلاؤهم من منطقة لأخرى بشكل مستمر".
فقدان الاتصال
وفي السياق ذاته، يقول نشطاء إن انقطاع خدمات الاتصال أو عدم استقرارها يزيد من صعوبات البحث عن المفقودين.
وتمتلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر خمسة خطوط ساخنة في غزة يمكن لأقارب المفقودين الاتصال بها لتقديم معلومات عن ذويهم المفقودين ثم يقوم أحد المتخصصين في البحث عنهم ثم يعاود الاتصال بأقارب المفقودين في حالة وجود معلومات تفيد في معرفة مصيرهم.
وقالت سارة ديفيز إن موظفي اللجنة "يسمعون عبر الخطوط الساخنة قصصا مفجعة. فقد البعض العديد من ذويهم أو انفصلوا عنهم (خلال عمليات الإخلاء). إنهم لا يعرفون مصير ذويهم المفقودين ربما بسبب وجودهم تحت الأنقاض أو لأنهم فقدوا هواتفهم أو شرائح هواتفهم المحمولة المعروفة باسم (سيم). وهذا يعد السبب وراء عدم تمكنهم من الاتصال بذويهم المفقودين. ربما يكونون بخير لكنهم يتواجدون في مناطق تعاني من انقطاع الاتصال بالهاتف والإنترنت."
ويتم التحقق من أسماء المفقودين المسجلين في قوائم المستشفيات القليلة التي لم تخرج عن الخدمة بعد في غزة أو في قوائم المعتقلين الذين أطلقت إسرائيل سراحهم وإعادتهم إلى غزة.
يشار إلى أنه منذ هجوم حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اعتقلت إسرائيل آلاف الفلسطينيين في غزة حيث قامت بنقلهم إلى مراكز اعتقال في إسرائيل بسبب صلات مزعومة بمنظمات مسلحة.
ويشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
إسرائيل تعتقل نشطاء مشتبه بهم
الجدير بالذكر أنه يتم احتجاز العديد من الفلسطينيين بموجب قانون "احتجاز المقاتلين غير الشرعيين" الإسرائيلي الذي يسمح للجيش باعتقال مسلحين مشتبه بهم واحتجازهم لفترات طويلة من دون محاكمة أو تمثيل قانوني ومن دون إجراءات الحماية الممنوحة للأسرى.
وبالنسبة للكثير من المحتجزين، فإنه يتبين لاحقا أن الاتهامات الموجهة ضدهم غير صحيحة ما يمهد الطريق أمام إعادتهم مجددا إلى غزة في مرحلة ما.
ورغم ذلك، تفيد منظمات حقوقية إسرائيلية بوقوع انتهاكات وأعمال عنف شديدة بحق معتقلين في مركز "سدي تيمان" الاحتجازي بوسط إسرائيل.
بدورها، قالت جيسيكا مونتيل، المديرة التنفيذية لمنظمة "هموكيد" الحقوقية داخل إسرائيل، "لا يوجد من نسأله. تأتي الكثير من طلبات البحث عن مفقودين من عائلات لا تعرف ما إذا كان ذويهم المفقودين معتقلين أو قتلى أو أنهم أشخاص لم يستدل عليهم".
وأضافت أن إسرائيل "ترفض تعقب الأشخاص المفقودين من غزة على النقيض من التزاماتها القانونية وخلافا لممارساتها السابقة".
ولم يتسن الحصول على تعليق من الجيش الإسرائيلي حيال مزاعم احتجاز أشخاص في غزة دون إبلاغ عائلاتهم.
ويعد محمد المدهون من بين الغزاويين الذين يبحثون عن ذويهم المفقودين إذ فقد شقيقه خليل، البالغ من العمر 47 عاما والذي كان يعمل في السابق لدى السلطة الفلسطينية في غزة، بعد أن نزح من شمال غزة إلى خان يونس برفقة شقيقته الأرملة مع بداية الحرب.
وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، قال المدهون إن زوجة شقيقه "قررت البقاء مع أطفالها الثلاثة في شمال غزة. كنت اتفقد أحوالهم كثيرا فيما حاولت عدة مرات العودة إلى الشمال رغم المخاطر، لكن في 18 مايو / أيار لم أجد شقيقي في خيمته التي كانت بجوار خيمتي".
وأضاف أن هاتف شقيقه ظل مغلقا منذ ذلك الحين فيما لم تسفر عمليات البحث في المستشفيات أو عبر الصليب الأحمر عن أي معلومة تفيد في معرفة مصيره. ورغم لجوء العائلة إلى منصات التواصل الاجتماعي لمعرفة مصير خليل، إلا أن هذه المساعي لم تسفر عن أي شيء سوى معلومة وحيدة بشأن رؤيته في دير البلح بوسط غزة.
ويقول محمد إنه يعتقد أن شقيقه إما اعتقل من قبل الجيش الإسرائيلي خلال محاولته العودة إلى شمال غزة أو ربما قُتل في ظروف مجهولة، مضيفا "نحن في حيرة مستمرة فلا نعرف مصيره ولا أحد يملك إجابة، نتمنى فقط أن يكون شقيقي على قيد الحياة".
قضية المفقودين هي الأكثر إيلاما
وقالت سارة ديفيز، المتحدثة باسم الصليب الأحمر الدولي في إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة، إن قضية المفقودين تعد الجزء الأكثر إيلاما في مناطق النزاع حول العالم.
وأضافت "لا يقتصر الأمر على دمار منزلك أو عدم القدرة على الحصول على طعام أو شراب وإنما يشمل ذلك انقطاعك او انفصالك عن بعض من أفراد عائلتك دون معرفة ما حدث لهم. قد يحدوك الأمل في أنهم لا يزالون على قيد الحياة، لكنك ورغم ذلك تفكر أيضًا في السيناريو الأسوأ... لا نهاية للاحتمالات".
ساعد في إعداد التقرير حازم بعلوشة من القاهرة
أعده للعربية: محمد فرحان