أزمة دبلوماسية جديدة بين برلين وأنقرة.. بطعم "الدونر"؟
٢٨ يوليو ٢٠٢٤رغم عدم وجود أي جدل في شأن وصفة الدونر Döner، يشكّل هذا الطبق الشعبي التركي الأصل المعروف جداً في أوروبا، محور مبارزة مطبخية ودبلوماسية بين أنقرة وبرلين.
ففي الأساس، قدم الاتحاد الدولي للدونر "يودوفيد" (Udofed) الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له، طلباً في نيسان/ أبريل إلى المفوضية الأوروبية لحماية الدونر (أو الكباب) باعتباره " طبقا خاصاً تقليدياً مضموناً". وأرفق في طلبه ما يؤكد "أبوة عثمانية" للدونر، بوصفة في مخطوطات تعود إلى عام 1546.
وحدد طلب المنظمة التركية الكمية المطلوبة من كل مكوّن، ونوع اللحم الذي يُكدّس ويُشك في السيخ الدوّار على المشواة العمودية، والتوابل التي تُضاف إليه، وسماكة السكين المستخدمة لتقطيع شرائح اللحم الرقيقة لدى نضجها، كما الشاورما العربية. وبدا الاتحاد الدولي للدونر حريصاً على تحديد صارم ودقيق لشروط استعمال صفة "دونر".
خطوة أزعجت برلين
ولم تُقابَل هذه الخطوة بارتياح في ألمانيا، حيث يُعَد الدونر رمزاً للجالية التركية التي تتكون أساساً من أحفاد الـ "غاستاربيتر" Gastarbeiter اي "العمال الضيوف"، خصوصا من الأتراك الذين استعانت بهم المصانع الألمانية في ستينات القرن الماضي وسبعيناته.
فقد أكدت برلين أبوّتها لإحدى النسخة الأكثر شعبية من الدونر، وهي تلك التي يوضع فيها اللحم داخل الساندويتش.
فأحد العمال الأتراك في برلين ويدعى قادر نورمان كان "أول من وضع اللحم في الخبز المسطح في عام 1972 واخترع نسخة الكباب التي تحظى بشعبية كبيرة في ألمانيا"، على ما ورد على الموقع الرسمي للعاصمة برلين.
وأكد وزير الزراعة الألماني جيم أوزدمير، وهو ابن لوالدين من المهاجرين الأتراك، أن "الكباب جزء من ألمانيا. يجب أن يكون بمقدور الجميع أن يقرروا بأنفسهم كيفية تحضيره وتناوله هنا. لا حاجة إلى توجيهات من أنقرة".
وقالت مصادر في الوزارة لوكالة فرانس برس إن الطلب التركي أثار "الدهشة" في برلين.
ويسمح القانون الأوروبي لدول ثالثة - أي خارج الاتحاد الأوروبي - بالتقدم بطلب حماية وتسجيل أسماء منتجات داخل الاتحاد الأوروبي.
احتجاج ذوي الاختصاص
في برلين، تمكن الكباب منذ زمن طويل من إطاحة النقانق الألمانية عن عرشها، ويشعر الطاهي بيرول ياغجي بالقلق من أن النسخة التركية لا تسمح إلا بلحم البقر أو لحم الضأن أو الدجاج.
وشرح هذا الطاهي، وهو صاحب مطعم في منطقة ميرنغدام، لوكالة فرانس برس أن "الأمر مختلف هنا، فالوصفة التقليدية قائمة على لحم العجل!".
وكان ياغجي يقف أمام شيشَي دونر عموديين دوّارين، أحدهما من لحم الديك الرومي المهدد أيضاً بالطلب التركي.
واحتج ياغجي الخمسيني على القرار التركي حيال الدونر "الذي يُستهلَك في كل أنحاء العالم، وليس من الممكن لتركيا أن تُملي على الآخرين ما يجب عليهم فعله". ولكنه على استعداد لتغيير اسم منتجاته إذا لزم الأمر.
ورأت وزارة الزراعة الألمانية أن "العواقب الاقتصادية على قطاع الطعام الألماني ستكون هائلة" في حال قُبِل طلب الاتحاد الدولي للدونر "غير الدقيق" و"المتناقض".
وأشار اتحاد الفنادق والمطاعم الألماني أيضًا إلى مخاطر "غياب الوضوح والشفافية" وإلى "صعوبات في التحديد القانوني" و"عدد كبير من النزاعات المستقبلية".
وقال عارف كيليش (39 عاماً)، وهو صاحب مطعم للوجبات الخفيفة في غرب العاصمة: "زبائني لن يرغبوا في تناول لحم الضأن، فهو ذو مذاق خاص جداً". ورأى كيليش أن الأفضل تغيير الاسم بدلاً من تغيير المنتجات، فزبائن مطعمه "يعرفون ما يأكلون، طالما أن الجودة موجودة، فإن الاسم لا يهم!".
هدية دبلوماسية
وتمثل ألمانيا ثلثي مبيعات الكباب في أوروبا، إذ تبلغ قيمتها 2,4 مليار يورو سنويا، بحسب الاتحاد الأوروبي للقطاع. وأصبح هذا الطبق جزءاً من الاساليب الدبلوماسية. ففي نيسان/ أبريل الماضي اصطحب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير عارف كيليش معه في زيارة رسمية إلى تركيا. وبين الأمتعة التي حملاها سيخ لحم عجل مجمداً ضخم الحجم، قُدِّم خلال استقبال رسمي.
وقال الطاهي وهو حفيد مهاجر تركي "في تركيا، نتناول الدونر على طبق، وقد قدمته لهم على الطريقة البرلينية، في خبز مع صلصة، وقد أعجبهم ذلك".
فهل يمكن أن ينتصر تنوع الكباب؟ الجواب أن القرار بات في يد المفوضية الأوروبية، بحسب المتحدث المسؤول عن الزراعة في المفوضية أولوف جيل.
واعترضت ألمانيا رسمياً هذا الأسبوع على الطلب التركي. وفي حال قُبِل هذا الاعتراض، فسيكون أمام الأطراف ستة أشهر كحد أقصى للتوصل إلى تسوية، قبل أن تصدر اللجنة قرارها.
و.ب/ع.غ (أ ف ب)