أزمة منطقة اليورو خسارة وإستفادة للإقتصاديات العربية
٢٤ يونيو ٢٠١٠بعد أن تحولت مشاكل اليونان ،أصغر اقتصاد أوربا حجما، إلى أرق أوربي يهدد استقرار منطقة اليورو، اضطرت الدول الأوروبية لإعتماد سياسات تقشف للحد من عجز موازناتها، ورغم أن سياسات التقشف الأوروبية تحمل آمالا لتجاوز الأزمة،إلى أن بعض الخبراء لا يرون نجاعة كبيرة فيها أمام انخفاض نمو اقتصاديات الدول الأوروبية.
ويخشى خبراء أن تزداد الأوضاع الإقتصادية الأوروبية صعوبة وخصوصا إذا طلبت دول مثل إسبانيا أو البرتغال مساعدات بمقتضى خطة الإنقاذ المالي المتفق عليها في الإتحاد الأوروبي. ويضاف الى الأعباء المالية التي يتحملها الإقتصاد الأوروبي، تشهد الدول الأوروبية حالة تذمر من فئات اجتماعية متضررة من تدابير خفض النفقات وتقليص مرتبات العاملين في القطاعات الحكومية وفرض أو الرفع من الضرائب على مجموعة من القطاعات، وتقدر معدلات البطالة في بعض الدول الأوروبية مثل اسبانيا 20 في المائة وهو ضعف معدل البطالة في منطقة اليورو.
ويخشى خبراء عرب وأوروبيون أن تؤثر سياسات التقشف الأوروبية على العلاقات الإقتصادية مع الدول العربية، سواء على مستوى المبادلات أو الإستثمارات، كما تقول نيكول شوفيار الخبيرة الإقتصادية الفرنسية في حوار مع دويتشه فيله، ملاحظة أن انعكاسات الأزمة المالية ستكون متفاوتة بحسب اقتصاديات الدول العربية، من جهته يرى الخبير الإقتصادي المغربي احمد أزيرار أن الأزمة المالية ربما تحمل في طياتها عناصر إيجابية وخصوصا في تعميق التعاون بين الدول العربية.
السياحة والإستمثار في مهب الأزمة
لن تكون الدول الأوربية وحدها في دوامة الأزمة المالية التي انطلقت من اليونان، فالدول العربية وحسب خبراء إقتصاديين معنية بما يحدث على اعتبار الشراكات الاقتصادية القائمة بين الطرفين. وترى الخبيرة الاقتصادية الفرنسية نيكول شوفيار أن التأثير لن يكون فقط على مستوى تمويل المساعدات التنموية، بل سيكون أيضا على مستوى عدد من القطاعات التي تربط أوربا بدول المشرق و شمال إفريقيا ، موضحة أن المبادلات التجارية والسياحة والاستثمارات الأجنبية هي أهم القطاعات التي ستتأثر سلبيا جراء تقليص النفقات لدى بعض الدول الأوربية. وستكون أهم الوجهات السياحية العربية كمصر والأردن من بين الدول التي ستتضرر عائداتها السياحية بسبب التارجع المتوقع لعدد السياح الأوروبيين والنفقات التي يخصصها الأوروبيون للسياحة.
بيد أن أحمد أزيرار أستاذ الاقتصاد في المعهد العالي للتجارة وإدارة الشركات في الدار البيضاء، يرى أن تقشف الدول الأوروبية لن يكون له أثر على المستوى البعيد،وأضاف " أن سياسة التقشف تحمل في طياتها إيجابيات أيضا". وقال أزيرار حدوث تراجع في حجم الاستثمارات الموجهة نحو الدول العربية"أمر صحيح إلا انه من جهة أخرى هناك استثمارات تبحث عن منفذ للخروج من أوربا والبحث عن اقتصادات أكثر أمانا واستقرارا". كما أن عددا من المستثمرين العرب سيتجهون لتفضيل استثمار أموالهم في بلدان عربية نتيجة زعزعة ثقتهم في الاقتصاد الغربي،ما سيعود بالنفع على أداء الاقتصاد العربي، كما يلاحظ الخبير المغربي. ومن المتوقع،برأي بعض الخبراء، أن يؤدي انخفاض اليورو لإستفادة الدول العربية أسعار وارداتها من أوروبا، رغم أنها( الدول العربية) ستعاني من هذا الانخفاض على مستوى صادراتها.
اقتصاديات عربية تحت رحمة أسعار البترول
ويلاحظ الخبراء أن بعض قطاعات إقتصاديات دول الشرق الأوسط أظهرت، نهاية العام الماضي، تأثرا نسبيا بسبب الأزمة التي تواجه اقتصاديات منطقة اليورو، مما أدى الى تراجع واردات الدول العربية.وتعتقد نيكول شوفيار أن" التأثير سيطال دول المغرب كما المشرق مع اختلاف القطاعات ودرجة التأثير" موضحة أن خفض الاستهلاك الأوروبي سيؤدي بطريقة أو بأخرى إلى انخفاض سعر المحروقات، بالتالي تضرر الدول البترولية، والأمر سيان في حالة الجزائر وليبيا بالنسبة للغاز، والفوسفات في المغرب.
أما جان بيير فافينيك الخبير الفرنسي في الاقتصاد الدولي للبترول في معهد البترول الفرنسي فيتوقع أن ينخفض استهلاك الدول الغربية للنفط بنسبة قليلة وبالتالي لن يكون التأثير كبيرا على الدول المصدرة. وأضاف "البترول لن يتضرر كثيرا بالمقارنة مع الدول المصدرة للغاز كقطر والجزائر".
ويتفق الخبيران الفرنسيان على أن دول الخليج التي تعتمد عائداتها الاقتصادية على البترول والغاز بنسبة تتراوح بين 80 و85 في المائة، ستتضرر عائداتها في حال انخفض سعر البرميل، وهو أمر وارد في ظل التقلبات الاقتصادية حاليا في الدول الغربية، يضيف فافينيك ويقول"رغم أن الدول المستهلكة للبترول والدول المصدرة له راضية على المستوى الحالي لسعر البترول، إلاأنه ما من شئ يضمن هذا الاستقرار".
"رب ضارة نافعة"
ويرى الخبراء أن الاقتصاد العربي وإن لم يتضرر على المدى الطويل جراء الأزمة في منطقة اليورو ، فإنه مطالب بإتخاذ مجموعة من الإجراءات لتفادي إصابته بنكسات قوية مستقبلا. وبرأي نيكول شوفيار فإن المطلوب من الدول العربية مراجعة السياسة النقدية فيما يخص ارتباط عملاتها بتغيرات اليورو والدولار، بالإضافة إلى إصلاح السياسات التجارية من خلال العمل على تنويع الشركاء الاقتصاديين وعدم الاعتماد على الاتحاد الأوربي بشكل وحيد في قطاعات السياحة والمالية، وكذلك البحث عن تقوية العلاقات مع إفريقيا باعتبارها اقتصاديات ناشئة يجب الاستفادة منها.
من جهة أخرى ينصح الخبراء بعدم الرهان على الاستثمارات الأجنبية والتفكير في تأهيل الشركات المحلية مع تقديم الحوافز للقطاع الخاص،كي يحاول تعويض عائدات الاستثمارات الأجنبية على المدى البعيد. وبالنسبة لجان بيير فافينيك فيرى أن هذه الأزمة إشارة للدول النفطية، كي تحاول البحث عن مصادر طاقة بديلة، لكنه أشار الى أن مشاريع الطاقات المتجددة تتطلب أموالا كبيرة يصعب على هذه الدول توفيرها وهي تركز على مصدرها الاقتصادي الأول "البترول" .
الكاتبة: أمينة اسريري
مراجعة: منصف السليمي