أسس نظام الأسد - مصالح وقمع ومخاوف من المستقبل
١٨ أغسطس ٢٠١١بناية كبيرة رمادية اللون تحيطها أسلاك شائكة بشكل يجعلها تبدو مثل حصن حصين، تتربع على مدينة دمشق، إنه قصر الرئيس السوري بشار الأسد. وعلى غرار قصر الرئاسة يظهر النظام السوري نفسه بأنه منيع لا يمكن الوصول إليه، على الرغم من أن هناك إشارات على تصدع داخل النخبة السياسية السورية. إذ يبدو أن هناك شعوراً بالإحباط لدى البعض داخل الحكومة إزاء الأسد وأجهزته الأمنية، على الأقل وفقاً لما نقلت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً عن مسؤول في الإدارة الأمريكية.
غير أنه يبقى من الصعب أن يقدر المرء من الخارج حجم قاعدة سلطة الأسد داخل الشعب، حيث يحظر على الصحفيين الدخول إلى سوريا وبالتالي تشح المعلومات المستقلة. الأستاذ الجامعي بسام أبو عبد الله، أحد أنصار النظام، يبذل كل جهوده للتقليل من حجم الاحتجاجات الشعبية في سوريا وأهميتها. "حتى بعد مرور خمسة أشهر ما يزال النظام قوياً جداً وصامداً في وجه الضغوط الأجنبية المتزايدة. الشعب السوري يرفض الفوضى وحذو المثالين الليبي واليمني"، وفق ما يقول أستاذ القانون في جامعة دمشق. ولكن أعداداً لا تحصى من مقاطع فيديو لمظاهرات حاشدة على الانترنت تحكي رواية أخرى: مظاهرات مستمرة منذ خمسة أشهر والمعارضة تتحدث عن مقتل نحو ألفي شخص برصاص القوات السورية. وعليه فإن السؤال الذي يطرح هنا: من أين يستمد بشار الأسد هذه الثقة في سلطته؟
مراكز رئيسية بيد موالين علويين
"الجيش وأجهزة الأمن تقف حتى الآن صفاً واحداً إلى جانب الرئيس"، يقول رودولف شيميلي، مراسل وخبير شؤون الشرق الأوسط في صحيفة زود دويتشه تسايتونغ. ويرى أن شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد (43 عاماً)، يعتبر من المتشددين الذين يتوقع منهم الاستماتة في الدفاع عن النظام مهما كان الثمن، خاصة وأنه قائد الفرقة الرابعة للجيش السوري، لافتاً إلى أنها تقتحم بأوامره قرى وتقتل المتظاهرين.
ويقول شيميلي: "نظام الأسد يعتمد بشكل كبير على علويين آخرين، يتقلدون المناصب الرئيسية والمراكز الحساسة داخل الجيش وأجهزة الأمن. وهم طبعاً مهددون في حياتهم وفي بقائهم السياسي في حال سقط النظام". ويشير إلى أن حتى حافظ الأسد، والد بشار، حرص على توزيع المناصب المهمة في الدولة والجيش على الأوفياء من أتباع طائفته. ولا تتجاوز نسبة العلويين 12 بالمائة من إجمالي 22 مليون سوري.
ويصف شيميلي الأنباء المتوالية عن انشقاق عدد متزايد من الجنود ورجال الشرطة ورفضهم إطلاق النار على المتظاهرين بأنها "مبالغ فيها"، لافتاً إلى أن معلومات واردة من مصادر موجودة في الدول المجاورة لسوريا تفيد بأن عدد المنشقين الهاربين عن الأجهزة العسكرية والأمنية ضئيل جداً.
هل تقلب بورجوازية دمشق وحلب موازين القوى؟
ولكن نظام الأسد استفاد أيضاً من أن طبقات مهمة داخل المجتمع السوري لم تشارك حتى الآن في الاحتجاجات. ويقول شيميلي: "الرئيس بإمكانه إلى درجة معينة الاعتماد على البورجوازية الحضرية في كل من دمشق وحلب". ويضيف: "هم لا يؤيدونه حباً فيه أو لأنه يحظى بشعبية كبيرة لديهم، ولكنهم يعتبرونه ضامناً للاستقرار والرخاء".
الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها النظام خلال السنوات الماضية زادت من عمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إصلاحات عادت بالنفع على التجار في المدن ورجال الأعمال، فيما ظلت الضواحي والمناطق الريفية بعيدة عن ذلك. وبالتحديد هذه المناطق هي التي تشهد حركات احتجاجية واسعة، وفق سمير عيطة، معارض ورئيس تحرير النسخة العربية من صحيفة "لوموند ديبلوماتيك".
ويؤكد عيطة أن البورجوازية لن تبقى طويلاً صامتة، مضيفاً: "هناك شعور قوي بعدم وجود عدالة اجتماعية، حتى عند الطبقة البورجوازية، وفي حال قُتل أحد منهم فإن دمشق وحلب ستنتفضان". حينها ستنقلب موازين القوى لصالح المعارضة، على حد تعبيره.
مخاوف الأقليات من مستقبل يسيطر عليه السنة
ويبدو أن نظام الأسد يستغل نقطة "التنوع الديني" التي تتميز بها تركيبة المجتمع السوري، حيث الأغلبية من السنة وأقليات من المسيحيين والدروز والعلويين والشيعة. ويبدو أنه لا يزال يحظى بدعم المسحيين في البلاد، ذلك أن العديد من القساوسة والأسقف يؤكدون دعمهم له علناً ويمتدحونه في قداس يوم الأحد. ويقول الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط شيميلي في هذا الصدد: "في ظل حكم الأسد يحظى المسيحيون بجميع حرياتهم دون التعرض لأي تمييز ضدهم. والآن لديهم مخاوف من أن تتكون الحكومة المقبلة من سياسيين سنة، الأمر الذي قد يحد من حرياتهم.". والنظام لم يتوان عن شيء حتى الآن لزيادة مخاوف الأقليات في سوريا، حيث لم يكف نظام الأسد عن وصف المتظاهرين بالمتشددين المتعصبين الذين يريدون إقامة دولة إسلامية.
وما يزيد من مخاوف الأقليات من التغيير هو تشتت أطياف المعارضة السورية وعدم توحدها وراء راية واحدة، وفق سمير عيطة، الذي يؤكد ضرورة أن تنظم المعارضة صفوفها بشكل أفضل. ويرى أن النظام يستند على "موالين" يدعمونه، ليس لإيمانهم بأن الرئيس جيد، لكن لخوفهم من فقدان الكثير مع سقوطه. ويوضح أن هناك الكثيرين الذين يخشون سقوط النظام وما سيأتي بعده، وبالتالي فإن المعارضة "مطالبة بتوضيح الصورة"، على حد تعبير عيطة.
نظام الأسد يعتمد، على ما يبدو، خاصة على مخاوف السوريين من المستقبل. ولكن ثورتي تونس ومصر أظهرت أن الخوف ليس بذلك الأساس المتين الذي يمكن أن تستند عليه أي سلطة.
يوليا هان/ شمس العياري
مراجعة: عماد غانم