أطفال الشوارع في تونس - صورة للعنف داخل المجتمع
٢١ يناير ٢٠١٤بين مقاهي حي النصر الفخمة و مطاعمها يقضي الطفل طارق، الذي يبلغ من العمر تسعة أعوام، كامل يومه. فهو يعمل هناك عوض العيش في أحضان أسرته مثل سائر أطفال سنه. ويبيع طارق حاملات المفاتيح بحي النصر، أحد الأحياء الراقية بتونس. يقول طارق ل DW /عربية إنه يعمل مع أخته التي تبيع الورود الاصطناعية في هذا الحي منذ أن انقطعا عن الدراسة قبل سنة. ويتحدث طارق بخجل وبنبرة تتسم بمشاعر الخوف على والديه المريضين، مؤكدا أنه قرر مع أخته مغادرة المدرسة لأنهما لا يرغبان الذهاب إلى هناك.
يبدو أن لحي النصر مكانة هامة في قلوب أطفال الشوارع الذين يلجأون لهذه المنطقة بهدف الإستقرار بها. في زاوية من الشارع الكبير جلس سليم على الدرج بلباسه الوسخ من أجل التسول. ويقول سليم ل DW /عربية: "جئت هنا لأحصل على بعض النقود. فأنا يتيم وأتسول من أجل شراء الطعام." إنها اعترافات مرة بالنسبة لطفل في الحادية عشرة من العمر. واقتربت طفلة منه لتدعوه إلى الغذاء في أحد المطاعم، حيث اجتمع هناك خمسة أطفال إلى جانب سليم هناك لتناول الطعام.
العاملة بالمطعم نشروان تعبر عن حيرتها في تقييم هذا الوضع، وتؤكد أن هؤلاء الأطفال يقسمون أنشطتهم في الشارع إلى قسمين: جزء خاص ببيع بعض الإكسسوارات بالمقاهي و وجزء آخر من أجل التسول، غير أنهم يلتقون يوميا في هذا المطعم من أجل الأكل. وتعبر نشروان عن استغرابها من تجاهل الحكومة لهذا الواقع، ملاحظة أنه يلزم الالتفاف إليهم وتوقيفهم والتحقيق معهم لمعرفة من يقف وراءهم، على حد تعبيرها، خصوصا وأنهم يلتقون مع أشخاص راشدين ويغادرون الحي معهم.
نقطة استفهام
مع غياب الإحصائيات الدقيقة الخاصة بأولاد الشوارع فإن الوزارة المشرفة، وهي وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفل لاتقوم إلا بتقديم مجرد معلومات عامة، بعيدة عن الاستراتيجيات الفعلية للتعامل مع موضوع أطفال الشوارع . ويؤكد السيد ماهر سويلم المكلف بالإعلام في الوزارة ل DW /عربية أن التعامل مع هذه الظاهرة لا يرتبط بوزارة واحدة بل تتداخل فيها وزارات كثيرة على غرار وزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة التنمية.
ويشير السيد سويلم إلى أن ما حصل من تغيير تم على مستوى التنظيم الإداري للمؤسسات المشرفة على هذه الظاهرة، مثل تحويل الأقاليم إلى مندوبيات قصد تغطية كامل تراب الجمهورية بالإضافة إلى إنشاء مراكز إيواء هؤلاء الأطفال. ويضيف سويلم إلى أن تقرير اليونيسيف الذي تم بالتعاون مع وزارة التنمية و المعهد الوطني للإحصاء عام 2012 تناول ظاهرة أطفال الشوارع و كل أشكال العنف التي تتعرض له هذه الفئة.
.ويبدو أن تعامل الوزارات مع ظاهرة أطفال الشوارع لا يتعدى الحديث عنها كمؤشر من مؤشرات التنمية الذي من شأنه أن يسبب العديد من المشاكل الاجتماعية، خاصة المتعلقة بالعنف و بنسبة التمدرس.
تعتبر ظاهرة أطفال الشوارع من بين الظواهر التي تعكس صورة العنف الممارس ضد الطفولة، و رغم أهمية هذا الموضوع فلم تحظ باهتمام إعلامي كبير، خصوصا و أنها باتت تمثل تهديدا ضد حقوق الطفل في تونس، كما أوضحت ذلك نتائج تقرير اليونيسيف بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء ووزارة التنمية السنة الفارطة. وقد أثبتت هذه الدراسة أن 94 بالمائة من بين الأطفال الذين يتراوح عمرهم بين السنتين و الرابعة عشرة يتعرضون لأقسى أنواع العنف. كما يجبر 3 بالمائة منهم على العمل و هي نسبة جد مرتفعة, حسب النتائج
الآسباب والمسببات
يقول الخبير في علم الاجتماع الدكتور طارق بلحاج، إن الإشكالية تكمن في صعوبة تحديد هذه الفئة، خاصة فيما يتعلق بالفئة المرتبطة بعائلاتهم حيث أن العديد منهم يعملون لحساب أسرتهم تحت إشراف أحد الوالدين. وهناك منهم من ينحدر من عائلات محتاجة وكبيرة العدد، وعادة ما يدفع بهم الأهل إلى الشارع، إما من أجل التخلص من عبئهم أو من أجل دفعهم للعمل و"تحسين دخل" الأسرة. ويضيف بأن هناك فئة ثانية من الأطفال الأيتام لا يعرف نسبهم أو توفى أوليائهم أو قبعوا في السجن وشبوا في الشارع دون أن يعرفوا ماضيهم الأسروي والاجتماعي. وفي حالات نادرة فقد يكونوا من الذين تم خطفهم من أهلهم لاستغلالهم كعمال أو للتسول أو لشبكات الجريمة المنظمة. غير أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو عدم الالتحاق بالمدرسة أو الانقطاع المبكر عنها.
ويشير خبير علم الاجتماع إلى أن هؤلاء يمثلون طاقة اجتماعية ضائعة ويشكلون خطرا داهما على نفسهم وعلى المجتمع بسبب ما يتعلمون من سلوكيات منحرفة. فالمعاناة النفسية والاجتماعية والصحية وعيشهم على هامش المجتمع يجعل منهم فريسة سهلة للجنوح والانحراف. كما إن إحساسهم الدائم بالحرمان والغبن والتهميش والقهر يدفعهم الى تطوير استراتيجيات مدمرة في مواجهة ذويهم وغيرهم من الناس. ويلعب الإدمان وتناول الكحوليات والمخدرات دورا مهما في ذلك، وقد يسقطون أيضا في شبكات الدعارة والجريمة المنظمة.
يقول الدكتور طارق بلحاج ل DW /عربية إنه رغم التشريعات التقدمية الحامية للأطفال في تونس فإن الدولة تتجاهل ظاهرة أطفال الشوارع التي ما فتئت تتزايد باستمرار. وفي الوقت الذي يشير فيه المتحدث إلى أن الدولة تتكفل برعاية بعض العشرات من أولائك الأطفال، بالتعاون مع فعاليات المجتمع المدني، فإن الكثيرين منهم يبقون عرضة لمصيرهم المحتوم، دون أية رقابة أو رعاية، رغم زيادة عددهم.