أعمال العنف في سوريا ترغم اللاجئين العراقيين على العودة إلى بلدهم
٣ أغسطس ٢٠١١"بعد إن أصيب زوجي الذي كان يعمل سائقاً في سيارة أجرة في أحدى ساقيه أثناء اشتباكات مسلحة دارت بين القوات الأمنية مع الجماعات المسلحة في بغداد، على إثر ذلك قررنا الفرار إلى مدينة حمص السورية بحثاً عن الأمن والاستقرار فيها". هذا ما قالته سناء عادل أمين في حديثها مع دويتشه فيله، والتي غادرت العاصمة بغداد منذ خمسة أعوام مع عائلتها المؤلفة من أربعة أفراد.
وبينما تقف أمين (40عاماً) التي عادت إلى بغداد مطلع حزيران/ يونيو الماضي، وسط طابور لحشد من العائدين أمام المركز الوطني لتسجيل العائدين في بغداد، لاستلام "منحة العودة" التي صرفتها الحكومة العراقية، تضيف بالقول: "لقد بات الوضع الأمني في مدينة حمص متوتراً جداً وذلك لكثرة العمليات العسكرية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية السورية، ومحاولتها المستمرة لقمع المحتجين الأمر الذي أرغمنا على العودة إلى العراق". وتشير أمين إلى "أن سوريا لم تعد ملاذاً آمناً كما كانت عليه سابقاً".
العودة إلى بلد أكثر استقراراً؟
أما ياسر ناجي كريم فقد ترك هو الآخر بلده بسبب موجة العنف التي عصفت بأغلب المدن العراقية في السنوات التي تلت عام 2003، لكي يقيم بعد ذلك مع عائلته المؤلفة من ثلاثة أفراد في مدينة درعا السورية بحثاً عن الأمن الذي بات غائباً في ربوع العراق. ويقول كريم: "بحكم عملي كضابط في الجيش العراقي السابق تلقيت الكثير من التهديدات من قبل الجماعات المسلحة الأمر الذي دفعني لمغادرة العراق مع عائلتي والاستقرار في مدينة درعا السورية".
وعن الأسباب التي دفعت به للعودة إلى بغداد منتصف حزيران/ يونيو الماضي، يضيف كريم (50عاماً) "بعد أن شهدت مدينة درعا احتجاجات واسعة مطالبة بإسقاط نظام البعث الحاكم وحرق المقرات التابعة للحزب وجداريات الرئيس السوري بشار الأسد، قامت قوات من الجيش السوري باعتقال العديد من المحتجين وقتل العشرات أثناء إطلاق النار بشكل كثيف وعشوائي". ويستطرد قائلاً: "بسبب تلك الاحتجاجات وتردي الوضع الأمني الذي تشهده المدينة الآن قررت الرجوع مع عائلتي إلى بلدي، الذي أجده اليوم أكثر أمناً واستقراراً".وكانت سوريا الملاذ الأمن بالنسبة إلى كثير من العراقيين الهاربين من أعمال العنف التي بدأت عام 2004 وبلغت ذروتها في عامي 2006 و2007، كما تعد البلد الأول من حيث أعداد اللاجئين العراقيين.
وتيرة متصاعدة
وذكر مدير شركة سمو دجلة للسياحة والسفر في بغداد سلام سعود جاسم "أن أعداد العراقيين العائدين من سوريا أخذ بالازدياد بصورة كبيرة وملحوظة منذ انطلاق الاحتجاجات فيها. كما سارع العديد من أصحاب الشركات السياحية إلى إرسال حافلات فارغة إلى دمشق لترحيل العراقيين المقيمين فيها إلى بلادهم".
ويضيف جاسم (33عاماً) في حديث مع دويتشه فيله: "أن عدد العائلات القادمة من سوريا ازداد ليصل إلى قرابة 1300 شخص أسبوعياً"، مشيراً إلى أن "عدد الرحلات إلى سوريا قد انخفضت بنسبة 50 بالمائة أي ما يعادل 200 إلى 300 شخص أسبوعياً، وغالبيتهم يتجهون لإحضار عائلاتهم".
من جانبه أكد مدير المركز الوطني لتسجيل العائدين الواقع في جانب الرصافة ببغداد، وهو أحد المراكز التابعة لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية، أن "إقبال العائدين لغرض التسجيل في المركز منذ الشهرين الماضيين اخذ بالازدياد. ففي كل يوم نستقبل مابين 30 -40 عائلة عائدة من سوريا".
ويشير علي صالح محمد في حوار مع دويتشه فيله إلى "أن معدل عودة العائلات العراقية من سوريا ازداد بنسبة 50 بالمائة عن العام الماضي. كما سجلت سوريا أعلى معدلات العودة الخارجية في المركز من بين الدول العربية التي شهدت ربيعاً ثورياً". ويمنح المركز الوطني لتسجيل العائدين للعائلات المسجلة لديها، مبلغ مالي قدره أربعة ملايين دينار (3,400 دولار تقريباً) للمساعدة في تنظيم عودتهم إلى مناطق سكناهم الأصلية في العراق.
خلية طوارئ
من جهتها أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في 28 نيسان/ أبريل الماضي عن تشكيل ما سمّته بــ"خلية طوارئ" دائمة لمتابعة عودة العائلات العراقية من سوريا. ويؤكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين أصغر عبد الرزاق الموسوي أن "الوزارة وضعت خطة بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، تتضمن وصول العراقيين المهجرين في سوريا وبعض الدول العربية بسلام إلى بلدهم". ويضيف الموسوي في حوار مع دويتشه فيله أن "الوضع الأمني في العراق أصبح الآن أفضل بكثير من وضع عديد من دول المنطقة، التي تشهد احتجاجات واسعة مطالبة بإسقاط أنظمتها السياسية الأمر الذي شجع الكثير من العراقيين على العودة إلى بلدهم".
لكن المسؤول العراقي يشير في الوقت نفسه إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد العراقيين المقيمين في سوريا، إلا أن هنالك أرقاما كشفت عنها مؤخراً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تقدر وجود قرابة الــ 350-400 ألف لاجئ عراقي في سوريا وحدها. واعتمدت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية هذه الإحصائية، كما يقول الموسوي، منوهاً إلى عودة أكثر من 7000 عائلة عراقية من مختلف الدول العربية خلال الشهرين الماضيين، "وأغلب هذا العدد المسجل من العائلات جاءت من سوريا.
يذكر أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تشير في أحدث إحصائية لها إلى أن عدد العراقيين المسجلين لديها في سوريا وصل إلى قرابة 400 ألف لاجئ، لكن أرقام الحكومة السورية تشير إلى العداد أكبر من ذلك بكثير، باعتبار أن العديد من العراقيين لم يسجلوا أسماءهم لدى مفوضية اللاجئين في دمشق.
مناف الساعدي- بغداد
مراجعة: طارق أنكاي