أفغانستان ـ تعايش المتناقضات في حي كابولي واحد
٨ أغسطس ٢٠١١عند الإطاحة بنظام طالبان في عام 2001، كان عدد سكان مدينة كابول نحو 600 ألف نسمة. والآن ازدحمت المدينة، وأصبح عدد سكانها يقدر بنحو أربع إلى خمسة ملايين نسمة. وبالإضافة إلى المناطق التي ازدحمت بمكاتب المنظمات الإنسانية، هناك حي يعكس هذا التطور بشكل جلي، وهو حي كارته سي، في غرب العاصمة الأفغانية. فقد تحول هذا الحي إلى موقع بناء، حيث يسمع الطرق والضرب طوال الوقت، لكن هذا الأمر الذي يثير الغضب في مدن أخرى يسعد سكان كابول، فـ"حيثما يوجد بناء، يوجد استثمار ويوجد أمل"، كما يؤكد مروايس، سائق سيارة أجرة.
واجهات ثرية بجانب الأكواخ الطينية
كان كارته سيه هو الحي الذي تسكنه الطبقة الوسطى في كابول، وكان يتميز بمنازله البسيطة ذات الطابق الواحد قبل أن يهجره سكانه، فامتلأ الحي بالمباني الطينية المتواضعة نتيجة للحرب ولنزوح سكان القرى إلى العاصمة. والآن، أضيفت الفيلات الرائعة الشبيهة بتلك التي تملأ دبي أو تلك التي يملكها رجال الأعمال الباكستانيون، والتي تزينها الأعمدة الذهبية. وبالقرب من بول-اي-سرخ ومن الجسر الأحمر، يسكن الفقراء الأغنياء في كارته سيه، وهناك تجد خليطاً من الأعراق، كما أن النساء المنقبات في تلك المنطقة هم الاستثناء. الطريق الرئيسية في الحي هي الطريق الوحيدة المعبدة، والشاحنات التي تمر تغطي المارة بطبقة سميكة من الغبار.
حركة طالبان وانتزاع المال
ولكل تاجر في السوق قصته الخاصة: حاجي مراد علي، يمتلك محل حلواني منذ عشر سنوات ويروي كيف قامت حركة طالبان بمضايقته نحو لعشرات المرات، قائلاً: "طالبان كانوا يأتون لك إذا اشتريت ملابس جديدة، ويؤكدون عندئذ أنك غني، ويبدءون في الضرب بالأسلاك". يضيف مراد علي أنهم كانوا يستمتعون بتعذيب الناس، وكل غرضهم في نهاية الأمر كان جمع المال. ويسترسل علي مراد بعد أن أخرج من درجه قفلاً مكسوراً قائلاً: "قبل أسبوعين تعرضت لحادث سرقة. وجاء رجال الشرطة، لكن بدلاً من مساعدتي، كانوا يريدون مالاً"، موضحاً أن الوضع قد تحسن قليلاً، لكنه لم يصبح أكثر عدلاً. ويضيف: "عندما تتشاجر مع رجال الشرطة يقومون بالقبض عليك. ولذلك فأنا أصمت، وإلا ينتهي بي المطاف في السجن، في حفرة مظلمة".
من أين لهم هذا؟
حتى الروسية سونيا تستطيع الآن أن تعيش مرة أخرى في كابول. الشابة القادمة من موسكو مع زوجها سنجار تعيش في حي كارته سيه. التقى الزوجان في بولندا حيث كان سنجار يدرس، وهم يعيشون الآن على مرمى البصر من مبنى البرلمان، ويعلق سنجار قائلاً: "جارنا عضو في البرلمان. وقد اغتنى جداً في وقت قصير، بالرغم من أنه قادم من الريف. وهو ما يجعلك تتساءل من أين يأتي بهذا المال".
غسيل أموال من صناعة النفط أو من الاتجار بالمخدرات أو بأشياء أخرى، هذا هو أساس جزء كبير من النهضة العمرانية في كابول. وكل هذا غير الصورة لدى سانجار، الذي يقول: "أنا غاضب. من قبل، كنت أعتقد أن التصويت في الانتخابات واجب وطني، وكنت أرى أن علي أن أقوم به. لكني الآن أعتقد أننا نتعامل مع مافيا وليس مع حكومة".
ويعتبر سانجار أن البرلمان والحرب الأهلية في أوائل التسعينيات وجهين لعملة واحدة، ويوضح قائلاً: "ممثلو الشعب منهم الكثير قمن القتلة. فهؤلاء الناس قد قاموا بتدمير المنطقة في ذلك الوقت، وهم مسؤولون عن مقتل حوالي ستين ألف شخص. لقد قاموا بإطلاق النار علينا من مدافعهم الرشاشة، والآن يجلسون في البرلمان".
ولا يستطيع سنجار أن يفهم كيف يقوم الدبلوماسيون في الغرب بالثناء على البرلمان الأفغاني واعتباره رمزاً للديمقراطية الجديدة في البلاد، بينما يرى هو أنهم مجرمون ويجب محاكمتهم.
الجامعات الخاصة لإشباع الجوع الثقافي
في زاوية أحد الشوارع لافتات تحمل صورة شابات مبتسمات بملابس التخرج، كنوع من الدعاية للجامعات الخاصة، فالجامعات التابعة للدولة لم تعد قادرة على استيعاب عدد خريجي المدارس الثانوية الراغبين في إكمال دراستهم. وبالتالي تسعى عشرات الجامعات الخاصة لسد تلك الفجوة التعليمية. علي أميري، الحاصل على الدكتوراه حول الفيلسوف فيتغنشتاين وأحد مؤسسي معهد ابن سينا الخاص، يوضح السبب في هذا التزاحم على المؤسسات التعليمية قائلاً: "كان هناك تمييز ضد جزء كبير من الطلاب، مثل أقلية الهزارة مثلاً. فلم يكن يسمح لهم بالتجنيد، ولم يكن من حقهم دراسة الحقوق أو السياسة. والآن تم رفع هذا الحظر، وبالتالي يسعى كثيرون منهم لتعويض ما فاتهم".
وبين الثلاثمائة طالب، هناك الكثير من النساء. وتقول إحدى طالبات قسم الحقوق: "لا أريد أن أصبح عضوا في البرلمان. فهذا لا يجلب إلا المتاعب. لكني أدرس القانون لأنني أريد أن أقوم بعمل ما لمساعدة النساء المقهورات". وفي داخل قاعة المحاضرات يجلس الرجال في الصفوف الخلفية، منفصلين عن النساء، والنساء يرتدين أغطية الرأس الملونة، وبعضهن مجملات. وهذا المشهد لا يمكن رؤيته إلا في كابول كما تؤكد إحدى الطالبات قائلة: "فقط هنا يمكن للنساء ارتداء حجاب كما تردن. أما في الريف، فلا يمكن للنساء الخروج وحدهن، كما أنهن لا يستطعن الدراسة. وعندما يسمح لهن بذلك، فعليهن ارتداء النقاب". وتضيف أن النساء الأفغانيات في الريف لا تعتبرن سوى آلة تفريخ بالنسبة للرجال، مشيرة إلى أن بعض النساء هناك يلدن ثمانية عشر طفلاً.
مارتن غرنر/سمر كرم
مراجعة: عبده جميل المخلافي