ألمان من أصول مهاجرة مناهضون للاجئين.. فمن هم؟
٢٦ فبراير ٢٠١٦تجربة الحرب والدمار والهرب عاشها داركو توليتش عندما اشتعلت معارك الاقتتال في مطلع التسعينات في مدينته البوسنية بين الصرب والكروات، وحينها قرر والده نقل ابنه البالغ من العمر آنذاك خمس سنوات وأخته إلى جديهما في ولاية بادن فورتمبيرغ جنوب غرب ألمانيا. وعاد الوالد إلى بلدة دوبوتش للقتال، وبقيت الأم في ألمانيا حيث كانت تشتغل كممرضة في أحد المستشفيات.
واستفادت عائلة توليتش من حالة النقص في اليد العاملة المؤهلة، لأنه لم يتم إبعادها بعد الحرب، بل على العكس بقيت في ألمانيا كغالبية اللاجئين البوسنيين. توليتش البالغ من العمر حاليا 28 عاما يعمل في الحقل السياسي وبالتحديد ضد اللاجئين والمهاجرين، لاسيما الذين لا ينحدرون من أوروبا. ويقول هذا الكرواتي في مدينة شتوتغارت: "أوروبا هي موطن الشعوب الأوروبية. أوروبا يجب أن تبقى أوروبية، وألمانيا ألمانية".
"المحارب الصليبي الكرواتي"
توليتش هو مؤسس الفرع الألماني لحزب اليمين الكرواتي، وهو حزب يميني متطرف منشق. وفي السنوات الأخيرة ساند بوضوح اليمينيين المتطرفين الألمان مثل الحزب الوطني الألماني، لأنهم كما قال في حديث مع DW يوافقون رؤيته للأمور. المحارب الصليبي الكرواتي، كما يتم تسميته يريد "إنقاذ أوروبا من اندثار الشعوب الأوروبية وتوسع الشعوب غير الأوروبية".
ويقول توليتش إن الألمان سذج، لأنهم لا يدركون خطر الهجرة غير المقننة. وهو يصف المهاجرين الأفارقة والآسيويين "بالمتطفلين الذين يستغلون انحطاط أوروبا"، معتبرا أنه يجب طرح هذه المسألة بكل صراحة.
وهو ليس وحيدا في هذا الطرح، ففي صفوف اليمينيين المتطرفين الألمان أو حتى المجموعات النازية يوجد سياسيون شباب قدموا إلى ألمانيا من بلدان يوغوسلافيا السابقة كلاجئين أو مهاجرين لأسباب اقتصادية، مثل صفيد بابيتش زعيم الحزب الوطني الألماني في مدينة ترير الذي ينحدر من البوسنة ويحب أكلة الشورمة التركية. وهناك أيضا دوبرافكو مانديتش أحد "المتحمسين الجدد" في صفوف حزب البديل من أجل ألمانيا الذي انهال بالشتائم العنصرية ضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما. دوبرافكو وُلد في سراييفو وانتقل والده في مطلع التسعينيات إلى ألمانيا لمساعدة اللاجئين البوسنيين في اندماجهم داخل وطنهم الجديد. واليوم هو يشن حملة ضد الأجانب والمغتربين في ألمانيا ويؤكد بكل فخر بأن حزبه "البديل من أجل ألمانيا" لا يختلف كثيرا من حيث المضمون عن الحزب الوطني الألماني. وقد رفض إجراء لقاء مع DW.
ظاهرة ليست جديدة
سلوك الكثير من المهاجرين المناهض للاجئين ليس ظاهرة جديدة، كما يعتبر خبير الشؤون الاجتماعية فريدريش هيكمان. "فحتى المهاجرون لهم أحكام مسبقة. هم يأتون بها ويطورونها هنا تجاه مجموعات أخرى من المهاجرين وأيضا تجاه غالبية المجتمع". وذكر هيكمان هنا بالكثير من المهاجرين من الاتحاد السوفيتي السابق في التسعينيات "الذين أتوا بأحكام مسبقة قوية ضد المسلمين". والمهاجرون المستقرون غالبا ما تكون لهم مشاعر ضد المهاجرين الجدد. وهذا معهود في الولايات المتحدة الأمريكية بلد الهجرة التقليدي حيث توجد غالبية بين المهاجرين ترفض زيادة الهجرة إلى البلاد.
وفي ألمانيا اشتكت مثلا مجموعات تركية في التسعينيات من المعاملة التفضيلية التي حظي بها أربعة ملايين من المهاجرين من أوروبا الشرقية، لأنهم اعتبروا أنهم كانوا هم مجبرين على العمل والكد من أجل فرض ذاتهم في ألمانيا، فيما تلقى المهاجرون من أوروبا الشرقية كل ما يحتاجونه بكل بساطة مثل دروس الاندماج والمساعدات المادية ودروس الألمانية والمساعدة في السكن ومنح الجنسية الألمانية.
مخاوف المنافسة والملكية
"كانت لدينا في بداية التسعينيات أزمة هجرة مشابهة للموجودة حاليا. في عام 1992 استقبلنا 1.5 مليون مهاجر، وكانت هناك أعمال عنف ضد المهاجرين سُجلت أثناءها حرائق وموتى. وقد هدأت الأمور من خلال تشديد قانون اللجوء الذي أدى إلى تقليص الهجرة"، كما صرح الخبير هيكمان لـ DW. واعتبر "أن هناك مخاوف المنافسة والملكية لدى المهاجرين المستقرين الذين يخشون التهديد من قبل الوافدين الجدد". وأوضح أن هذه المنافسة تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي حيث نقرأ في غالب الأحيان أن اللاجئين "متطفلون اجتماعيون" و"كسالى" أو "مغتصبون".
وبالنسبة إلى اليميني داركو توليتش الذي يسمي نفسه "منقذ أوروبا" لم تكن له مشاكل مالية، وقال :"جئت كأوروبي شاب إلى بلد أوروبي، وبالتالي فإنه شرعي أن أكون هنا. أعتبر نفسي هنا ضيفا يتطلع يوما ما إلى العودة إلى وطنه".
اندماج ناجح
واحد من بين خمسة من مجموع نحو 80 مليون نسمة في ألمانيا ينحدر من أصل مهاجر، ما يعني أن هذا الشخص أو أبويه أو جديه هاجروا إلى ألمانيا. وكشف استطلاع للرأي أجري في نهاية السنة الماضية بتكليف من صحيفة "فيلت أم زونتاغ" أن 40 في المائة من الألمان من أصول أجنبية اعتبروا أن على ألمانيا الحد من تدفق اللاجئين، فيما ساند 45 في المائة من الألمان بدون أصل أجنبي هذا الموقف. ويقول 24 في المائة من المهاجرين بأنه يتحتم على ألمانيا أن توقف استقبال اللاجئين مقابل 25 في المائة من السكان الأصليين الذين يشاطرون هذا الرأي. وبناء على هذه النسب، فإن المواقف لا تختلف كثيرا بين الألمان ذوي الأصول الأجنبية والأصليين تجاه الهجرة. ويمكن اعتبار ذلك مؤشرا على نجاح الاندماج في ألمانيا.