ألمانيا: الشباب يودعون الأحزاب التقليدية ـ صراع أجيال؟
٢٩ مايو ٢٠١٩الخضر في ألمانيا يحتفلون: 20.5 في المائة من مجموع الأصوات حصلوا عليها في الانتخابات الأوروبية، تقريبا ضعف ما حصلوا عليه في الانتخابات الأوروبية لعام 2014 (10.7 بالمائة)، وبهذا أصبحوا ثاني أقوى حزب في ألمانيا بعد الحزب المسيحي الديمقراطي.
وجنى الخضر الأصوات لاسيما من بين صفوف الشباب، إذ أن 34 في المائة من الذين تقل أعمارهم على 25 عاما انتخبوا الخضر. بخلاف ما سُجل لدى الناخبين ما فوق 60 عاما الذين صوت منهم فقط 13 في المائة لصالح الخضر، لكن 40 في المائة لصالح الحزب المسيحي الديمقراطي. وحتى حزب البديل من أجل ألمانيا والحزب الاشتراكي أحرزوا نجاحات أكبر لدى الناخبين الكبار.
فكيف يمكن شرح هذه الفوارق الكبيرة في النتائج؟ هل يعاني الآن الحزبان التقليديان، المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي من ضعف إقبال الجيل الجديد على انتخابهم؟ نعم، هذا ما تحبذه أستاذة العلوم السياسية زيغريد روستويتر من جامعة فرانكفورت التي تشرف على دراسة طويلة الأمد حول السلوك الانتخابي في ألمانيا. وقالت لـDW، إن "الأحزاب التقليدية لم تعد تصل إطلاقا إلى الناخبين الشباب". وهذا ما سبق أن اتضح في الانتخابات البرلمانية في ولايتي هيسن وبافاريا ويبدو أنه يتأكد الآن.
الشباب يميلون إلى حزب الخضر
ويبدو أن تحول الأجيال استفاد منه الخضر داخل الحزب الذي يتوفر على كوادر شابة. أما الحزب المسيحي الديمقراطي فهو يستفيد تقليديا من ناخبيه المعتادين، والمشكلة تتمثل في السن. "منذ الانتخابات البرلمانية في هيسن وبافاريا لاحظنا في السنة الماضية أن غالبية الناخبين يخسرها الحزب المسيحي الديمقراطي، لأنهم يفارقون الحياة"، حسب روستويتر.
ونجاح الخضر يعود أيضا لتركيزهم على موضوعات بعينها مثل الحفاظ على المناخ وهو الموضوع الرئيسي للخضر. وهذا ما كشف عنه ميل لتصويت الشباب في المدارس أجري لمحاكاة التصويت الحقيقي وشارك فيه الشباب ممن هم تحت سن 18 عاما. وحصل فيه حزب الخضر على الصدارة أيضا، وذلك قبل أيام من نشر "اليوتيوبر" (صانع محتوى في موقع يوتيوب)، ريتسو، الذي هاجم الائتلاف الحاكم وطالب بعدم التصويت له، بالإضافة إلى عدم التصويت إلى حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي. ويبدو أن الأيام الأخيرة قبيل الانتخابات كانت حاسمة للمصوتين.
وهو ما أيدته دراسة صادرة من DW قبل الانتخابات حول تأثير الناخبين الشباب على ميزان القوى السياسي. وحماية المناخ كانت أيضا في مقدمة أولوية الناخبين الأوروبيين الشباب، حسب استطلاع للرأي نظمته مؤسسة "يو غوف" في شهر نيسان/أبريل الماضي، لاسيما في الدول الغربية في الاتحاد الأوروبي حيث يميل الشباب لاختيار الخضر.
وتعبئة الشباب للتصويت لم تبدأ فقط في الأسابيع الماضية قبيل إجراء الانتخابات، وهو يؤكده أيضا المستشار السياسي مارتن فوكس. فخيبة الأمل لدى الشباب تنامت منذ مدة طويلة. وحتى حركة "جمعة - المستقبل" لم تكن ناجحة إلا لأن خيبة الأمل وعملية فقدان الثقة كانتا موجودتين أصلا – وشكلتا الأرضية الخصبة للحركة.
من جانبها، أكدت الأستاذة روستويتر أنه على الرغم من أنه ينبغي الترحيب برغبة الشباب المتزايدة في السياسة، لكن لا يجب إغفال أن التزام الشباب في قضايا البيئة وحماية المناخ ما هو إلا عبارة عن "حركة في المدارس الثانوية". فالمظاهرات لحماية البيئة استقطبت أطفالا من أوساط متعلمة – والتي انتخبت أيضا حزب الخضر فيما بعد. فيما امتنع أغلب الناخبين من ذوي التعليم المنخفض من الذهاب للانتخابات، وكان على هؤلاء الناخبين أن يخاطبوا الأحزاب التقليدية الكبيرة التي تقول إنها تدعم "الناس البسطاء".
أما فوكس فقد اعتبر أن على الأحزاب الشعبية مثل المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي أن تكف عن الإدلاء بخطابات جوفاء وأخذ مجموعة الشباب أخيرا محمل الجد. ويشمل ذلك أيضا محاولة احتواء الشباب خارج الهياكل الحزبية التقليدية.
تواصل سياسي سيئ؟
لكن ليس فقط بسبب المضامين لم يعد الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي يخاطبون الناخبين الشباب، فالإشكالية تتمثل أيضا في طريقة التواصل السياسي، كما يقول المستشار فوكس. وهذا التواصل يحصل اليوم في جزئه الأكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فالكثير من الأحزاب قللت من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، لأن العمل استمر طويلا بدونها. والآن وجب عليها تعلم كيفية استخدام تلك المواقع، لأن الأمر يتعلق " بالحوار والمشاركة وكذلك الشفافية". وهذا يحتاج إلى تركيبة هيكلية أخرى داخل الأحزاب.
"استقرار نظام الأحزاب يترنح"
"استقرار نظام الأحزاب بات يترنح"، تقول روستويتر، فماذا يعني التوزيع الجديد للأصوات بالنسبة إلى المشهد الحزبي الألماني؟. فعوض حزبين كبيرين سيوجد في المستقبل أحزاب قوية أخرى مشابهة. وأضافت بالقول: "ستكون لدينا تشكيلات حكومية معقدة". ولا يبدو أن تأثير الناخبين الشباب له تأثير قصير المدى. وحتى لو أن نسبتهم من الناخبين أقل من نسبة آبائهم وأجدادهم، لكنهم من المرجح أن يغيروا تغيير المشهد السياسي. وهذا ما يحدث بالفعل في ألمانيا.
وتقول روستويتر إن وجود الحزبين المسيحي والاشتراكي الديمقراطيين مهدد بشكل خطير. إذا لم يسارع الحزبان الكبيران بالتوجه إلى جيل الشباب، فإنهما يتوجهان إلى "الرحيل البطيء"، إذ "لا يوجد حزب لديه ضمان الخلود".
شارلوته فوس/ م.أ.م