ألمانيا تستعين بـ "البطاقة الخضراء" لجذب العمالة الخارجية
١٩ سبتمبر ٢٠٢٢تعتزم الحكومة الألمانية تقديم نسختها الخاصة من "البطاقة الخضراء"، أو "بطاقة الفرص" كما أسمتها حرفياً، في محاولة منها لسد النقص المهول في اليد العاملة المتخصصة. يحدث هذا في خضم ارتفاع أصوات منددة بالأوضاع داخل المؤسسات الصناعية. ولهذا تسعى الحكومة إلى تقديم مشروع قانون يتم من خلاله استقدام اليد العاملة، وسيتم التصويت عليه في الأشهر المقبلة.
أشارت وزارة العمل الألمانية إلى أن النقص في اليد العاملة في سوق العمل، يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصاد الألماني. "بطاقة الفرص" الجديدة، التي قدمها وزير العمل هوبرتوس هيل في وسائل الإعلام الألمانية هذا الأسبوع، ستتيح للأجانب فرصة القدوم إلى ألمانيا للبحث عن عمل حتى بدون عرض عمل، طالما أنهم يستوفون ثلاثة من المعايير الأربعة المشروطة للحصول على البطاقة.
1) شهادة جامعية أو مؤهل مهني
2) خبرة مهنية لا تقل عن ثلاث سنوات
3) مهارة اللغة أو الإقامة السابقة في ألمانيا
4) أن يكون عمر الشخص أقل من 35 سنة
لا تختلف المعايير عن تلك المعتمدة في نظام النقاط الكندي، وأكد الوزير المنتمي لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين، في مقابلات إعلامية هذا الأسبوع، أنه ستكون هناك حدود وشروط للحصول على البطاقة. مؤكدا أن الحكومة الألمانية ستحدد عدد البطاقات على أساس سنوي، وفقًا لحجم الطلب في سوق العمل.
وقال هيل في تصريح لمحطة إذاعة WDR الألمانية : "يتعلق الأمر بالهجرة المؤهلة، وهي عملية غير بيروقراطية، لهذا السبب يمكن أن نقول إن من سيحصلون على بطاقة الفرص، يمكنهم العمل وكسب مستقبلهم أثناء وجودهم هنا".
"هناك بالتأكيد بعض التحسينات"، وفقًا لسوميا ثياغاراجان، وهي مهاجرة هندية وصلت إلى هامبورغ سنة 2016 لاستكمال دراستها في مستوى الدكتوراه، في تخصص هندسة الطيران. تشغل سوميا الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركتها الخاصة، Foviatech، التي ابتكرت برنامجًا خاصاً لتبسيط خدمات النقل والرعاية الصحية.
وقالت في تصريح لـ DW "أعتقد أن نظام النقاط هذا يمكن أن يكون فرصة جيدة جدًا للأشخاص القادمين من الخارج للعمل في ألمانيا، خاصة بسبب تراجع عدد الشباب في البلد". وقالت ثياغاراجان إن شركتها في الوقت الحالي تعطي الأفضلية للألمان ومواطني الاتحاد الأوروبي عند حاجتها للعمال، وذلك ببساطة بسبب العقبات البيروقراطية التي تواجه غيرهم من الأجانب.
عقبات جديدة
أبدى الكثير من الألمان توجسهم من هذه البطاقة، من بينهم هولجر بونين، مدير الأبحاث في معهد IZA في مدينة بون، الذي قال "إنها تضع حواجز كبيرة لا داعي لها، وتجعل النظام أكثر تعقيدًا". يعتقد بونين أن "هذه البطاقة ستخلق معاملات بيروقراطية أكثر".
"لماذا لا يجعلون الأمر أكثر بساطة؟ عبر منح الأشخاص المهتمين تأشيرة للبحث عن عمل، وإذا لم يجدوا أي فرصة خلال فترة زمنية معينة، فعليهم المغادرة؟" يقول المتحدث. "لقد جعلوا الأمر أكثر تعقيدًا، إذا كانت هذه المعايير مهمة لأصحاب العمل، فيمكنهم تحديد ذلك أثناء التوظيف، لن يحتاجوا إلى البطاقة مسبقاً".
يرى بونين أن بعض المعايير المعتمدة للحصول على البطاقة، قد لا تكون في الواقع ذات أهمية بالنسبة لأصحاب الشركات في ألمانيا: على سبيل المثال، إذا كانت شركة دولية تتواصل في الغالب باللغة الإنجليزية، فلن يهتموا بمدى إتقان اللغة الألمانية في سيرة المتقدمين المرشحين لنيل الوظيفة، ولا بكونهم سبق لهم أن عاشوا في ألمانيا فترة معينة.
وهو ما تراه سوميا صحيحاً، إذ قالت: "إذا كانت المؤهلات والمهارات اللغوية مهمة، فلماذا يجب أن يكون عمرك أقل من 35 عامًا لتجد عملاً، الأمر مرتبط بالمهارات". أما بالنسبة لخبرة السنوات الثلاث، فإن ثياغاراجان تجد "الأمر غير دقيق، لأنه في بعض الحالات لا تحتاج إلى خبرة من أجل إتقان العمل، بينما تتطلب بعض المجالات الخبرة وسنوات من التجربة بالفعل".
المشاكل الثقافية والهيكلية
صار نقص العمالة الماهرة في ألمانيا مشكلا واضحا في السنوات الأخيرة. حسب اتحاد جمعيات أرباب العمل الألمان في مجال الصناعات الهندسية المعدنية والكهربائية، فإن شركتين من كل خمس شركات في القطاع تعانيان نقصاً في الإنتاج بسبب نقص الموظفين.
وحسب الجمعية المركزية للحرف اليدوية في ألمانيا (ZDH)، فإن البلاد تفتقد حوالي 250 ألف حرفي متخصص. صحيح أن عدد العمال المهرة الذين يهاجرون إلى ألمانيا من دول خارج الاتحاد الأوروبي للعمل قد ارتفع خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه لا يزال منخفضًا نسبيًا. وفقًا لـ Mediendienst Integration، كان عدد العمال المؤهلين الذين قدموا إلى ألمانيا أكثر من 60 ألفًا في عام 2019، أي 12٪ فقط من إجمالي المهاجرين من دول خارج الاتحاد الأوروبي.
ولدى ألمانيا بعض العيوب الثقافية مقارنة بالدول الغربية الأخرى التي تحاول جذب العمال المهرة، فاللغة الألمانية أقل تحدثًا عالميًا من الإنجليزية. تقول سوميا "يحاول العمال المهرة دائمًا للوصول إلى البلدان التي تتحدث الإنجليزية، لكن بالنسبة للمشغل في ألمانيا، فمن الضروري أن يتحدث العامل في شركته اللغة الألمانية، فنحن في ألمانيا، وعليه على الأقل إتقان اللغة المرتبطة بمجال عمله".
وتحدث بونين عن إشكال يقف أمام جلب اليد العاملة الماهرة بسرعة للبلد، مثيراً الانتباه إلى أن معادلة الشهادات والمؤهلات العلمية، غالبًا ما لا يتم الاعتراف بها في ألمانيا، أو تستغرق الموافقة عليها شهورًا". وبالنسبة لبونين "بطاقة الفرص هذه لن تحل هذه الإشكالية".
هناك مشاكل أخرى تواجه أرباب العمل الألمان: من بينها أن النظام الفيدرالي في ألمانيا، يعني أن السلطات المحلية المختلفة تعترف أحيانًا بمؤهلات غير متشابهة. كما أن اعتماد ألمانيا على البيروقراطية الورقية،يجعل العمال الجدد في حاجة دائمة لترجمة شهاداتهم المعتمدة لدى مترجم محلف، كلها مشاكل يعمل هايل على إيجاد حلول لها.
في حديثه لإذاعة WDR، قال الوزير إنه من الضروري جدًا التخفيف من المعاملات البيروقراطية للاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية". وتحقيقا لهذه الغاية، قال إنه يود أن يستعين بوكالة مركزية يمكنها التأكد وإبداء الموافقة على الديبلومات والشواهد الأكاديمية بسرعة، إضافة إلى مكاتب دعم في ألمانيا، يمكنها تخفيف العبء على القنصليات التي تعمل فوق طاقتها في الخارج.
بين نايت/ م.ب