ألمانيا قدوة في مجال التعليم المهني الثنائي
٣٠ أبريل ٢٠٠٦أكثر ما أثار استغراب الضيف الألماني يورغن في مدينة اللاذقية السورية كثرة عيادات الأطباء ومكاتب المهندسين فيها. وقد علق على ذلك بعد جولة فيها " هنا، يبدو لي أن جميع الناس يريدون أن يكونوا أطباء ومهندسين على حساب المهن الأخرى التي لا تتطلب دراسة جامعية عالية". بالفعل فإن قول يورغن ينطبق على معظم الشباب العربي عامة والسوري خاصة. فالكثير منهم ما يزال يرى في الالتحاق بالمدارس المهنية الصناعية والتجارية والخدمية مسألة لا تليق حتى لو جلسوا في البيت عاطلين عن العمل. وحتى في الحالات التي يتعلمون فيها هذه المهن فإنهم لا يتقنونها كما هو عليه الحال لدى أحمد ع الذي درس مهنة كهربائي لمدة ثلاث سنوات في إحدى المدارس الصناعية دون جدوى تقريبا. يقول والده "كنت آمل بأنه سيكون قادرا على تولي مشاريع تمديدات وتجهيزات كهربائية في البيوت والمصانع بعد تخرجه، غير أن ذلك لم يتحقق بسبب عدم استفادته من التعليم الذي تلقاه لدرجة أنه لا يستطيع تركيب مفتاح مصباح كهربائي كما ينبغي". أما أحمد نفسه فيبرر ذلك بأن تعليمه الذي استغرق ثلاث سنوات في إحدى المدارس الصناعية كان نظريا‘ إذ لم يلتحق خلاله خلاله بإحدى المؤسسات للقيام بالتدريب العملي المواكب كما هو عليه الحال في بلد مثل ألمانيا.
غالبية الشباب الألماني تتوجه نحو المهنة
في ألمانيا يسلك أكثر من 80 بالمئة من الشباب طريق التعليم المهني في المدارس والمعاهد المتوسطة في حين لا يلتحق أكثر من 15 بالمئة منهم بالجامعات. ويبرز من بين أنظمة التعليم المذكور نظام التعليم المهني الثنائي the dual system of vocational training الذي يتدرب فيه 70 بالمئة من الشباب الألماني ويعد من أفضل نظم التعليم في العالم. يضم هذا النظام أكثر من 370 مهنة تؤهل للقيام بأكثر من 20 ألف عمل مهني. أما فترة الدراسة فيه فتتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات. ويتم تحديد المهن وبرامجها التدريبية عن طريق التعاون الوثيق بين الحكومة الاتحادية وسلطات الولايات وغرف التجارة والصناعة. ويتم تطويره بشكل مستمر عن طريق مهن جديدة وفقا لما تتطلبه سوق العمل. فخلال السنوات العشر الماضية على سبيل المثال نشأت عشرات المهن الجديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والإعلام.
الجميع بين التعليم النظري والتدريب العملي
يقوم نظام التعليم المهني الثنائي الألماني وفقا لما يذكره الخبير الألماني كيرهارد سيفرون على الجمع بين التعليم النظري في المدارس والمعاهد المهنية وبين التدريب العملي على ممارسة المهنة في المؤسسات التجارية والصناعية والخدمية أو في ورش مخصصة للتدريب. أما الهدف الأساسي من ذلك فيكمن في تعليم المتدرب وتعريفه على ظروف عمل حقيقية كتلك التي ستواجهه في سوق العمل لاحقا. وتكون حصة التدريب العملي ثلاثة إلى أربعة أيام، بينما تأخذ الحصص النظرية يوم إلى يومين في الأسبوع حسب طبيعة المهنة. أما تمويله فيتم بالتعاون بين السلطات والمؤسسات التي تستقبل المتدربين. ففي الوقت الذي تساهم فيه الأخيرة مع البلديات وسلطات الأقاليم في تمويل الورش المتخصصة ودفع أجر للمتدرب، تقوم السلطات المركزية بتمويل التعليم النظري ومتطلباته.
اهتمام عربي بالتجربة الألمانية
تهتم العديد من البلدان العربية بنظام التعليم المهني الثنائي الألماني منذ سنوات طويلة. وبناء على ذلك نشأت أقيمت عدة مدارس ومعاهد مهنية وفقا للنموذج الألماني في مصر ولبنان والسعودية وسورية والمغرب. غير أن نجاحها بقي محدودا بسبب غياب البنية التحتية اللازمة. ويتمثل هذا الغياب بشكل أساسي في عدم استعداد الشركات والمؤسسات الاقتصادية على استقبال الشباب المهيئين للتدريب وفقا لما يذكره الخبير الألماني المتخصص في مؤسسة شؤون التعليم المهني ايبرهارد مولر. غير أن ياسر جليكو المدرس في المعهد الصناعي باللاذقية - سوريا يرى أن هذه الشركات غير موجودة كما هو عليه الحال في ألمانيا وأوروبا. وعليه لا بد من التعويض عنها بمزيد من ورش التدريب المواكبة للتعليم النظري.
فرص الاستفادة من التجربة الألمانية
على الرغم من الصعوبات فإنه يمكن الاستفادة من نظام التعليم المهني الثنائي الألماني عربيا في حال تأهيل المؤسسات الاقتصادية العربية العاملة من بنوك ومصانع وفنادق لتدريب الشباب الذي يلتحق بمدارس التعليم المهني واستيعابهم. ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من قيام السلطات الحكومية المعنية بحملة توعية وتقديم برامج دعم مادية ومعنية بهدف إقناعها بأهمية ذلك من خلال توضيح المنافع التي تحصل عليها من خلال هذا الاستيعاب. ويأتي في مقدمتها تأمين قوة العمل المؤهلة والشابة والقادرة على تحسين أداء هذه المؤسسات وتعزيز قدرتها على المنافسة من خلال تطوير منتجاتها وخدماتها. غير أن الاستفادة المذكورة أعلاه تتطلب أيضا تغيير نظرة الشباب العربي السلبية بشكل عام تجاه المهنة وخاصة في منطقة الخليج العربي. ومن أهم السبل إلى ذلك تغيير الثقافة السائدة التي يتم من خلالها تصنيفها إلى مهن معيبة وأخرى لائقة. فإذا لم يحصل هذا التغيير فإن أطفالنا سيكررون على مسامعنا رغباتهم في أن يكونوا أطباء ومهندسين لا حدادين أو نجارين.
عفراء محمد/ كاتبة سورية