ألمانيا وإسرائيل: علاقات تشوبها الحساسية رغم قوتها
٢ فبراير ٢٠٠٥وصل الرئيس الألماني هورست كولر إلى دولة إسرائيل في زيارة دولة تستغرق أربعة أيام. وتأتي هذه الزيارة لمناسبة مرور أربعة عقود على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وهي الزيارة الثانية لرئيس ألماني إلى إسرائيل بعد زيارة الرئيس السابق يوهانس راو عام 2000. وقد قام الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف باستقبال نظيره الألماني، وبدأ برنامج الزيارة بوضع أكاليل الزهور أمام النصب التذكاري لضحايا المحرقة النازية في مدينة القدس المعروف باسم "ياد فاديم" وسط طقوس مهيبة. وعلى إثر ذلك صرح الرئيس الألماني بأنه يشعر بالألم والخجل من الماضي الألماني النازي. بعدها قام كولر بزيارة قبر رئيس الوزراء إسحاق رابين الذي اغتيل عام 1995 على يد متطرف يهودي، رافقته أثناءها داليا رابين وساعدته في وضع أكاليل الزهور على قبر والدها. ثم عقد لقاء بين الرئيس الألماني كولر ورئيس الوزراء ارييل شارون تناول العلاقات بين الجانبين ومسيرة السلام في الشرق الأوسط.
خطر النازية الجديدة
كما تأتي الزيارة أيضاً في وقت حساس يتزايد فيه الجدل حول سلوك الأحزاب النازية في البرلمانات الألمانية المحلية، فقبل أسابيع قليلة انسحب أعضاء الحزب القومي الديموقراطي الألماني/الحزب النازي من برلمان ولاية سكسونيا رافضين الاشتراك في الوقوف دقيقة حداد على أرواح ضحايا المحرقة النازية. لذلك فقد كان موضوع النازية الجديدة حاضراً في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة استقبال كولر، حيث أعرب الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف عن قلقه من التصاعد المتنامي لظاهرة العداء للسامية، مشيراً إلى تزايد عدد الاعتداءات المرتكبة ضد اليهود في السنوات الأخيرة في أوروبا. غير أنه أضاف أنه يثق في الديموقراطية الألمانية الحديثة ويرى أنها على درجة من الثبات والرسوخ تمكنها من التغلب على مخاطر النازيين.
كولر يدعم فرصة السلام
الحدث الأبرز على جدول أعمال زيارة الرئيس الألماني كولر هو إلقاءه كلمة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) اليوم الأربعاء. وقد أثار الإعلان عن الكلمة التي سيلقيها كولر بالألمانية ضجة في الأوساط البرلمانية الاسرائيلية، إذأعلن نواب إسرائيليون عن نيتهم مقاطعة خطاب كولر، وقال وزير الصحة الإسرائيلي داني نافيه "طالما لا يزال بيننا ناجون من المحرقة، فلن يكون مقبولاً أن تلقى اللغة الألمانية من على منبر الكنيست". يذكر أن العديد من النواب غادروا القاعة عندما ألقى الرئيس الألماني السابق راو كلمته في الكنيست بالألمانية قبل خمس سنوات. ويتوقع أن يشدد خطاب كولر على المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه اسرائيل.
وعلى صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط قال كولر إنه سعيد بما سمعه من الرئيس الإسرائيلي بشأن وجود فرصة ذهبية لدفعها إلى الأمام. وأضاف قائلاً: "إنني آمل حقيقية في أن نتوصل إلى سلام. أعتقد أنه يتعين على العالم أن يقف وراء هذا الاتجاه سواء كان ألمانيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية. السلام هو بين الإسرائيلين والفلسطينيين ولكنني آمل أن تسهم ألمانيا مع الجماعة الأوروبية في دفع مسيرة السلام".
على صعيد آخر ذكرت صحيفة هارتز الإسرائيلية أن المسؤولين العسكريين يأملون أن تسهم زيارة كولر في تمرير صفقة شراء 100 دبابة ألمانية من نوع دينجو. يذكر أن ألمانيا تعارض اتمام الصفقة لقلقها من أن تستخدم في المناطق الفلسطينية.
حساسية العلاقات
رغم مضي 60 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، ما زالت العلاقات الألمانية الإسرائيلية بعيدة كل البعد عن أن تكون علاقات طبيعية. ولم تفلح العلاقات التجارية المميزة بين الدولتين في التخفيف من حدة الجدل الذي لا ينقطع حول هذه العلاقة. فالاسرائيليون يعتقدون أن آلامهم التي عانوها على يد النازيين الألمان أكبر من أن تمحوها السنين، والألمان يشعرون بالذنب وبتأنيب الضمير تجاه اليهود ودولتهم. لذلك تبدو العلاقات بين البلدين جيدة على السطح لكنها تخفي الكثير من التعقيدات في العمق.
الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي ينتقد هذا الوضع، معتبراً أن المسؤولية الخاصة لالمانيا تجاه اسرائيل لا تعفيها بل تحتم عليها ممارسة النقد البناء تجاه السياسة الإسرائيلية. وأكمل في حديثه لمراسلة دويتشه فيلله في تل ابيب بيتينا ماركس قائلاً: "أعتقد أننا بالغون بما فيه الكفاية للتفريق بين ويلات الماضي والنقد البناء. أستطيع تفهم مشاعر الألمان التي تبقيهم دائماً متأخرين خطوة عن الآخرين. لكن ذلك لا يعني أن ليس من حق المانيا انتقاد اسرائيل. لماذا لا تنقدها عندما تتسبب أيضاً في ويلات". وقد سبق وأن اثير جدل حول تقارير ليفي الصحفية التي تتناول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتنتقد بشدة السياسة الإسرائيلية. خاصة وأن هذه التقارير تنشر في الخارج.
اما الكاتب الإسرائيلي ديفد جروسمان، والمعروف عنه انتقاده اللاذع للحكومة الإسرائيلية، فيقول أن من الصعب نسيان الماضي، فلقد انتزع الألمان من اليهود أسماءهم وملابسهم ومواهبهم بل جردوهم من ذواتهم الإنسانية. وأضاف أنه حتى وقت قريب كان لا يتصور امكانية زيارته لألمانيا، إلا أنه مع صدور روايته "ابتسامة الحمل" مترجمةً إلى الألمانية قرر السفر إلى هناك. وقال معلقاً على هذه الرحلة أنه لم يندم عليها.
هيثم الورداني