"أم القنابل" في أفغانستان.. هدف عسكري ورسالة سياسية أيضا!
١٦ أبريل ٢٠١٧
وصف سكان إقليم أشين في ولاية ننغرهار بشرق أفغانستان الانفجار، الذي أحدثته "أم القنابل" الأميركية بأنهم لم يروا مثله من قبل. يقول مالك يونس وهو من سكان المنطقة في تصريح لـ DW: "أُلقيت القنبلة في حدود الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي. لمدة نصف ساعة اشتعل المكان لهيباً ودمُر عن بكرة أبيه". مالك يعرف عما يتحدث؛ فقد شهدت المنطقة في العقود المنصرمة عمليات قصف عنيفة، وخاصةً بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2001 وبعد سقوط نظام طالبان في السنة نفسها.
استهدفت قنبلة "جي بي يو-4/بي3" (قنبلة العصف الهوائي الجسيم) شبكة كهوف وأنفاق لتنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي وأدت لمصرع أكثر من 90 جهادياً (وفق آخر حصيلة أوردتها وكالات الأنباء). وأفاد المتحدث باسم حاكم الولاية في تصريح خاص بـDW: "تم تدمير مخابئ داعش بالكامل. ولم يسقط ضحايا مدنيون، لأن الكثير من سكان المنطقة كانوا قد فروا من ضيم داعش".
محاولات للتأويل
حسب معلومات بل روغيو من "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" فإن "أم القنابل" مصممة لتصل الأهداف التي لا يمكن للقنابل التقليدية إصابتها. إن حمولتها من المواد المتفجرة، والبالغة 8400 كغ، تسحب كل هواء المنطقة المستهدفة وتحولها إلى لهيب.
يطرح استخدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهذا السلاح المميت، للمرة الأولى وفي قتال "داعش"، العديد من الأسئلة: هل تهديد التنظيم الإرهابي لمصالح أمريكا في أفغانستان كبير بحيث يبرر استخدام هذه القنبلة؟ هل كان هدف القنبلة، التي كلفت حوالي 15 مليون دولار، فقط قتل بضع عشرات من "داعش"؟
في تصريح خاص بـ DW يوضح الجنرال الأفغاني السابق أتكيل أمرخايل، بالقول: "أعرف المنطقة التي استهدفها القصف ولا أعتقد أن الجيش الأميركي بحاجة لمثل تلك القنبلة لقتل مثل هذا العديد القليل من تنظيم الدولة" (عدد القتلى كان حتى الإدلاء بهذا التصريح 36 شخصا). ويضيف بأن قنبلة تزن 11 طناً لاستهداف مثل هذا العديد القليل أمر مستغرب، إلا إذا كان هناك أهدافاً أخرى مرتبطة بالضربة.
ضرب تنظيم "الدولة" في أفغانستان
حسب البيانات الأميركية يتواجد في أفغانستان بين 600 و800 جهادياً من "داعش". وبالمقارنة مع تواجد التنظيم في سوريا والعراق، فلم تتحدث تقارير عن تواجد "داعش" في هذا البلد إلا في بداية عام 2015. وكان كل من الحكومة الأفغانية والجيش الأميركي أعلنا في عام 2014 أن "داعش" بدأ بتجنيد مقاتلين أفغان، مستغلاً الفراغ الذي تركه إضعاف طالبان.
وقد تم التركيز في التجنيد على إقليم أشين في ولاية ننغرهار بشرق أفغانستان، حيث ينشط التنظيم الإرهابي هناك منذ مدة. يشبه الوضع هناك وضع المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق: يسيطر التنظيم جزئياً على المنطقة ويقتل المعارضين وينهب البيوت وينشر بواسطة راديو الخوف والرعب. لذا فلا غرابة أن يطلب سكان المنطقة ومنذ أمد بعيد قتال التنظيم الإرهابي. "إذا لم يتم إيقاف داعش هنا اليوم، لن يغدو تهديداً لأفغانستان وحدها، بل للدول الأخرى في المنطقة"، هذا ما قاله أحد السكان لـDW في عام 2015.
بإلقائها القنبلة أرسلت الولايات المتحدة رسالة لـ"داعش"، كما يقول مايكل كوغلمان من "مركز وودرو ويلسون" في تصريح لـ DW: "الولايات المتحدة ستطارد داعش، أينما كان، سواء في أفغانستان أو في أي مكان. على أي حال لا يجب أن يُفهم إلقاء القنبلة على أنها سابقة لهجمات مستقبلية على داعش". ويتابع أن الجيش الأميركي ونظيره الأفغاني حققا تقدماً في الأشهر الأخيرة على حساب التنظيم الإرهابي: "أعتقد أن القنبلة كان يراد بها استهداف عناصر داعش، الذين نجوا من العمليات الأخيرة للجيشين الأميركي والأفغاني وانسحبوا إلى الكهوف"، يضيف كوغلمان.
رسالة سياسة وإستعراض قوة أمام روسيا
ربما كان إلقاء القنبلة يحمل في طياته رسالة تحذيرية أيضاً. ومن المثير للانتباه أن القنبلة أُلقيت بينما كان ينعقد مؤتمر بخصوص أفغانستان في موسكو. وقد شارك في المؤتمر اثنا عشر بلدا من بينها أفغانستان والصين والهند وإيران وباكستان، ولكن دون مشاركة أمريكا، التي رفضت الدعوة للمشاركة.
تحاول روسيا وبمعونة باكستان وإيران منذ أمد توسيع دائرة نفوذها في أفغانستان. ومن هنا فربما تكون إلقاء القنبلة رسالة أميركية مفادها أن تقليص حجم الانخراط في أفغانستان لا يجب أن يُفسر على أنه ضعف، "فالولايات المتحدة تستعرض قدراتها العسكري أمام الصين وروسيا. توقيت إلقاء القنبلة يدلل على ذلك"، حسب رأي الجنرال الأفغاني، أتكيل أمرخايل.
ولكن فيما يتعلق بأفغانستان نفسها فإن ألقاء القنبلة أمر غير سار؛ إذ أن تنظيم "الدولة الإسلامية" سيستغل ذلك دعائياً لتجنيد المزيد من المقاتلين.
شامل شمس، سيف الله مسعود/ خ.س