Papstbesuch Erfurt
٢٢ سبتمبر ٢٠١١منذ أن رفع الراهب الكاثوليكي السابق مارتن لوثر سنة 1512 شعلة الإصلاح الديني في الكنيسة الكاثوليكية، ساعياُ إلى تطهير المسيحية من العقائد غير الأصلية في رأيه، لم يغامر بعدها ربما أي بابا بزيارة معقل الإصلاح الكنائسي. وقد طالب لوثر بحق كل فرد في قراءة الإنجيل بنفسه، وكان أول من ترجم الكتاب المقدس إلى الألمانية. وقام لوثر بتغييرات عدة لإبعاد كل ما كان من وجهة نظرة "يحور جوهر الإيمان" ووصفه البابا آنذاك بالانحراف والهرطقة.
مشيئة الزمن أن يتغير
لكن مقومات المجتمع اختلفت عما كانت عليه في القرن السادس عشر، فزيارة البابا بندكت السادس عشر غداً من 23 وحتى 24 سبتمبر/أيلول الجاري إلى شرق ألمانيا ستكشف حقيقة الواقع الديني فيه، لأن الناس في الولايات الشرقية لألمانيا لم تنشغل بالإيمان المسيحي بشكل كبير. ويعود السبب في ذلك إلى تسلّط الأيديولوجية القومية النازية في ألمانيا لمدّة اثني عشر عاما ومن ثم تسلط النظام الشيوعي في الشرق الألماني لمدّة أربعين عاما. فما زالت بصمات هذه الأنظمة في النظرة إلى الفكرة الدينية موجودة، إذ ساهمت في نزع فكرة الانتماء إلى الكنيسة ومحو فكرة الإيمان الديني بين أفراد المجتمع.
وتكشف الإحصائيات في ألمانيا على أن كل رابع مواطن فقط في شرق ألمانيا لا يزال ينتمي إلى كنيسة ما، وأن نسبة الكاثوليك في ولاية تورينغن لا تتعدى العشرة بالمائة. ونظراً لذلك يبدو من الواضح للأسقف "يوآخيم فانغه" بطريرك أبرشية أرفورت، أن "الزيارة البابوية لن تحمل أيّ تغيير حاسم"، لكنه أضاف: " حقيقة أن مثل هذه الزيارة لن تتكرّر في السنوات القادة، بل ربما ستحصل مرة كل بضع مئات من السنين، تجعلها بلا شك مهمّة وستثير – بالتأكيد- فضول الجميع".
الخروج عن الكنيسة وعدم الاكتراث بالزيارة
لكن لا يبدو أن هذا هو الأمر على أرض الواقع، ففي محاولة لاستطلاع الآراء في ساحة كاتدرائية إرفورت حول زيارة البابا لا يكاد أحد من المارة يبدي تعليقاً أو يعطي رأياً. ولكن ردود فعل البعض جاءت متشابهة، كما قال أحد المسنين: "بالنسبة لي لا داعي لقدومه، فأنا لست بحاجة إليه، وليس لدي شيء من زيارته".
وتعليقاً على ذلك يرى أسقف ارفورت "يوآخيم فانغه" أنه من الواجب على المرء أن يتفهم الرسالة المسيحية، ويضيف أن هذه الرسالة يجب أن تترجم في حياة للبشر اليومية. ويشير الأسقف إلى لوحة لـ "صالة مرايا" من عصر الباروك الموجودة في أبرشية إرفورت، فيقول: "إذا أغلق المرء أبوابَ ونوافذ هذه الصالة فإنّه لا يرى إلاّ نفسه. إن وراء المرايا، التي تعكس واقعنا والتي نرى فيها أنفسنا فقط ، آفاق أخرى. لا أحد يفكر بهذه الصورة في وقتنا الحالي". وفيما يتعلق في فتح النوافذ والأبواب إلى آفاق الرب يضيف فانغه قائلاً: "إنّني أرى هذه مهمة أساسية في التبشير الكنسي". ولهذا ربما تكون زيارة البابا بندكت السادس عشر محفِّزاً جديداً للتقرب من الكنيسة.
في انتظار حشود المؤمنين
على الرغم من عدم اكتراث سكان إرفورت بزيارة البابا فستكون الساحة أمام كاتدرائية "ماريا" وكنيسة "سيفيري" يوم الرابع والعشرين من سبتبمر/أيلول الجاري مزدحمة. فعندما سيقدم البابا القربان المقدس من المنتظر أن يكون في انتظاره هناك أكثر من ثلاثين ألف من المؤمنين. وربما يكون هناك عدداً أكثر من ذلك في اليوم السابق في "إتسلسباخ" حيث يقيم البابا "آيشيسفيلد" طقوس صلاة الغروب الاحتفالية بمريم العذراء. . وربما يكون ذلك اعترافاً من سكان "آيشيسفيلد" بإخلاصهم لإيمانهم رغم الحقبة الشيوعية الماضية. والجدير بالذكر أنه على الرغم من قلّة عدد الكاثوليك في الولايات الألمانية الشرقية، فهم ينتظرون زيارة قداسة البابا على أحرّ من الجمر.
أوج رحلة قداسة البابا إلى ألمانيا
أما أوج رحلة قداسة البابا إلى ألمانيا فسوف تكون في "ارفورت"عاصمة ولاية "تورينغن"، وستتكلّل بالمحادثات التي سيجريها هناك مع ممثلي الكنيسة الإنجيلية الألمانيّة. أسقف ارفورت "يوآخيم فانغه" الذي لا يرى بديلاً عن التفاهم الكنسي المسكوني، خفّف من المبالغة بما سيتغير بقدوم البابا فيما يتعلق بهذه المسألة، إذ يقول: "لا يمكن أن ننتظر منه كما لو أنه مُنزل من السماء ليحقق المعجزات. ويجب علينا أن لا ننسى أنه يبقى رأس الكنيسة الكاثوليكية التقليدية". ومع ذلك اتخذ البابا بنديكت بالفعل على أرض الواقع بعض الإجراءات للتقارب من خلال إصراره على إقامة قداس مشترك مع ممثلي طائفة، انشقت عن الطائفة الكاثوليكية، أسّسها مارتن لوثر. ربما يقوم ذلك للتقليل من الضرر، حيث أكدت وثائق الفاتيكان مرّتين منذ عام 2000 على أن كنيسة الإصلاح ليست كنيسة كاملة ذات قيمة مقارنة مع كنيسة الروم الكاثوليك.
سحر المكان
سينعقد الاجتماع المسكوني في دير "أوغوستينيان" الذي عاش فيه الراهب الشاب، مؤسس الكنيسة الإنجيلية بين عامي 1505 و1511 لإتمام دراسته اللاهوتية. ونضجت عنده هناك أول رؤى الإصلاح الذي قاد الكنسية إلى الانشقاق، لذلك يعتبر مكان الاجتماع مكاناً تاريخياً مهماً.
فهذه الإيماءة البابوية تعبر عن احترام البابا للطرف الآخر وعن زرع الثقة، حسبما يؤكد أسقف إرفورت "يوآخيم فانغه" الذي يقول: "أعتقد أننا بهذه الإيماءة سيكون لقاؤنا روحياً، وأنا مبتهج ليس فقط لأننا سوف نتحدث إلى بعضنا البعض ولكن أيضاً لأننا سوف يصلي معاً، كلٌّ من الكرسي البابوي ومن ممثلين مجلس الكنيسة الإنجيلية، وهذا يمكن أن يكون حافزاً من أجل وحدة المسيحية وأولوية المحبة".
كلاوس كريمر / فؤاد آل عواد
مراجعة: سمر كرم