أول مركز في ألمانيا لعلاج ضحايا ختان الإناث
١٩ سبتمبر ٢٠١٣كانت الفتاة الأثيوبية سنايت ديميس في السابعة من العمر، حين تعرضت لعملية الختان في أجواء "احتفالية" حضرها جميع أهالي القرية. قبل ذلك كان الدور على فتاتين، وهو ما شاهدته سنايت بأم عينيها، فهمّت راكضة على حدّ قولها، لكنها حوصرت من طرف اهلها لتتعرض لذات المصير.
تحكي سنايت التي بلغت اليوم الرابعة والثلاثين، من غرفتها بمستشفى فالدفريده بالعاصمة برلين ما عايشته في ذلك اليوم، معربة أنها لا تستحضر ما حدث في ما بعد، لربما بسبب النزيف أو من شدة الألم. المهم اليوم، "أنها جاءت إلى برلين، لاسترجاع ما أخذ منها، ولكي تعود كما كانت"، تقول الضحية.
سنايت هي ثاني مريضة تلجأ إلى قسم مساعدة ضحايا ختان الإناث الذي افتتح حديثا في مستشفى فالدفريده بالعاصمة الألمانية، لإجراء عملية استعادة تركيب البظر ووظيفته. ويشير الطبيب الجراح رولاند شيرير في المركز الجراحي إلى أنها عملية في غاية التعقيد، نظرا "لأن الجرح مر عليه وقت طويل وندوبه عميقة".
ختان الإناث جريمة
وأطلقت عدة منظمات عالمية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية على ختان الإناث عبارة "عملية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"، وذلك للتأكيد على أنها ممارسة تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، لما تتركه من آثار سلبية على نفسية وصحة الفتاة. وقد أعلن السادس من فبراير من كل عام "يوما عالميا ضد ختان الإناث".
وتختلف أساليب عمليات الختان المنتشرة في بعض الدول الإفريقية، وبعض دول الشرق الأوسط ومناطق في آسيا. ويعتبر الختان الفرعوني من أشدها. وهو يقوم على استئصال كل ما يزيد عن سطح الجلد في منطقة الفرج، ثم يلي ذلك خياطة فتحة المهبل، ليترك جزء يسير لخروج البول ودم الحيض.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، تعرضت حوالي 150مليون طفلة وفتاة لعملية الختان، وهناك من بينهن من هن من دون الرابعة من العمر. ورغم أن عددا كبيرا من الدول تجرم ختان البنات، (تصل العقوبة في ألمانيا مثلا إلى 15 عاما سجنا)، إلا أن ختان البنات متداول بطريقة غير شرعية في بعضها، باعتبار أن "الفتاة غير المختونة، هي غير طاهرة".
وتوضح إفيلين بريندا التي تكافح ضد ختان الإناث بأن "المرأة غير المختونة لا تعتبر راشدة، حتى وإن بلغت الرابعة والأربعين، عكس الفتاة المختونة حتى وإن كانت هذه في سن الخامسة عشرة". بل هي نفسها لم تتعرض للختان، ولهذا عليها الجلوس في بلدها كينيا إلى مائدة الأطفال، ولا يحق لها مجالسة الكبار.
حرب ضد التقاليد
"من الصعب جدا تغيير التقاليد، يجب العمل مع أم تحمل طفلتها. وهي تقول، "أحب ابنتي تماما كأيّ أم!"، لكن جل الأمهات يخشون من أن تهمش بناتهن لاحقا إذا لم يم ختانهن، أو أنهن لن تجدن أزواجا" تقول بريندا.
وحسب الأطباء والأخصائيين، للختان آثار مأساوية على نفسية الفتيات وصحتهن. فهن معرضات للعقم، ولآلام فظيعة ولتعقيدات صحية عديدة عند ممارسة الحياة الجنسية أو عند الولادة. ولخصت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة وعارضة الأزياء الصومالية واريس ديري التي دونت تجربتها مع الختان في سيرتها الذاتية "زهرة الصحراء"، الوضع بالقول "إن ختان الإناث جريمة".
وأسست اريس ديري جمعية تحمل اسم كتابها "زهرة الصحراء"، تدعم المركز في مستشفى برلين، وتتحمل جميع نفقات العلاج بالنسبة للسيدات اللواتي لا يتوفرن على تأمين صحي. وهو ما يعني أن كل سيدة حول العالم يمكنها أن تلجأ للمركز لإجراء العملية، حسب الطبيب شيرير.
تكمن خصوصية المركز حسب الطبيب المسؤول في أنه يعمل وفق برنامج علاج متكامل، يضم جراحين وأخصائيين نفسيين. لكنه لا يعد المستشفى الوحيد لإجراء مثل هذه العمليات داخل ألمانيا. ففي مستشفى مدينة آخن، يشرح مدير قسم الجراحة والتجميل الدكتور دان مون أوديي، كيف أنه حصل على العديد من المكالمات من قبل أطباء النساء والتوليد، لمعرفة طريقة إجراء عملية استعادة تركيبة البظر؛ مضيفا أنه أجرى عمليات عديدة لنساء خضعن للعمليات ذاتها من قبل وكانت غير ناجحة. وهو ما شكل بالنسبة لهن معاناة إضافية.
الدكتور أوديي نفسه اكتشف تقنيات جراحة جديدة، تعتمد إلى جانب ترقيع البظر، على إعادة تركيب شفاه الفرج. ويعتقد الطبيب أوديي ذو الأصول الإفريقية، أن "تلك العملية قادرة على إعادة الثقة إلى النساء ومنحهن شعورا بحياة "طبيعية". بيد أن تجربة الختان، لا يمكنها أن تمحى نهائيا من أذهانهن، فلا بد من أنها تركت صدمة وندوبا أشد عمقا في نفسيتهن.
أما سنايت ديميس فتحلم بالعودة إلى بلادها أثيوبيا لمواصلة كفاحها لإنقاذ الفتيات من الختان. وستوصي الأطفال بالاتصال بالشرطة في حال شعروا بأنهم مهددين بممارسة الختان عليهم. وتستدرك سنايت مبتسمة: "في كل الأحوال نجحت في إقناع أمي، بأن لا تفعل بأخواتي الخمس ما فعلته بي".
تنويه : ينشر هذا المقال في موقع DW والجزيرة نت Aljazeera.net في إطار مشروع مشترك