إرسال قوات سلام دولية إلى المنطقة مرهون بترتيبات إقليمية شاملة

فيما يستمر القصف الإسرائيلي على لبنان وبينما يطلق حزب الله صواريخه على شمال إسرائيل، تنشط الجهود الدبلوماسية الدولية للبحث عن وسائل ممكنه لإنهاء القتال المتفجر ولمنع تصاعد الموقف في الشرق الأوسط. في هذا السياق دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى إرسال قوات دولية أفضل تسليحا وأكثر نشاطا بهدف فرض الاستقرار في جنوب لبنان ولتوفير وقت للحكومة اللبنانية كي تنزع سلاح حزب الله. لكن فكرة عنان جوبهت بالرفض الأمريكي والإسرائيلي بينما لا يعرف بعد موقفا واضحا من قبل حزب الله.

من ناحية أخرى وفي نفس السياق يعتقد بعض المحللين والمراقبين بان حل الأزمة لن يكون من خلال إرسال قوات دولية، حتى في حالة افتراض ان الأطراف المتحاربة سوف توافق على نشر مثل هذه القوات. ويرون بأن فكرة القوات الدولية يجب أن تكون مقترنة بحل دبلوماسي ومكملة له. وهو ما يحتم القيام بترتيبات إقليمية كبيرة تشترك فيها الأطراف المعنية بما في ذلك القوى الإقليمية المؤثرة وذات العلاقة بالأزمة الحالية مثل إيران وسوريا، اللتان ينظر لهما كسبب للأزمة ومفتاح حلها في نفس الوقت.

شكوك حول نجاح مهمة قوة حفظ السلام

تمثل فكرة إرسال قوة دولية إلى المنطقة احد الأفكار الدبلوماسية المطروحة. لكن ما مدى واقعية هذه الفكرة على الصعيد العملي؟ يعتقد الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، في مقابلة مع موقعنا بان قوات حفظ السلام الدولية لن تقدم حلال سحريا للأزمة الحالية. وهي وإن كانت قد تؤسس لحل مؤقت لكن حتى مواصفات هذا الحل الجزئي غير متوفرة في هذه اللحظة. ويبرر سعيد ذلك بالقول بأن مهمة قوات حفظ السلام لن يحالفها النجاح ما لم يوافق حزب الله عليها ويقدم على إلإنسحاب من جنوب لبنان. ولا توجد إشارة من حزب الله انه سوف يفعل ذلك. كما انه، والكلام للسيد سعيد، لابد ان تكون هناك أصلا عملية سلام حتى تقوم هذه القوات بحفظها. أما النقطة الثالثة في نظر رئيس مركز الأهرام، تتمثل في أن القضية ليست فقط مسألة حفظ السلام في جنوب لبنان وإنما ايضا ترتيب الأوضاع اللبنانية برمتها بحيث تفرض الحكومة اللبنانية سيطرتها على كامل التراب اللبناني. لأنه بدون وجود سيادة حقيقية للسلطة المركزية اللبنانية سيصبح الوضع الحالي قلق للغاية خلال المرحة المقبلة. ولا يعني ذلك بان الكرة في ملعب حزب الله وحدة بل لابد وان يكون هناك جزء من الإلتزام لدى إسرائيل. لابد ان يكون هناك نوع من التوافق بين الفعل ورد الفعل عند حدوث اختراق لوقف إطلاق النار. فطريقة الردع الشامل التي تقوم بها إسرائيل تؤدي إلى زيادة الكراهية في المنطقة وزيادة الرغبات الانتقامية وبالتالي تجعل من المستحيل حدوث توافق لبناني، حسب تعبير سعيد.

من جانبها تربط الدكتورة مارجريت يوهانزن، من معهد أبحاث السلام والأمن بجامعة هامبورج الألمانية في حوار مع موقعنا، تربط نجاح مهمة القوات الدولية بطبيعة التفويض الذي سيمنح لها من قبل مجلس الأمن الدولي. مشيرة إلى ان اقتصار مهمة هذه القوات على المراقبة دون أن يكون لها القدرة على التدخل العسكري عند الضرورة لن يساعد على إحلال السلام. وحتى وجود قوات دولية ذات صلاحيات واسعة وتفويض عسكري في حد ذاته لن يحل الأزمة ولكنه قد يمهد الطريق للمفاوضات. غير أن المحللة الألمانية تشك في أنه سيتم إرسال قوات من هذا النوع إلى المنطقة وأن إسرائيل سوف توافق عليها. كما ان الولايات المتحدة سوف تعرقل ذلك في مجلس الأمن. وتشير يوهانزن إلى أن إسرائيل لا تفضل أصلا تدخل الأمم المتحدة كما إنها لا تثق فيها أصلا. أضف إلى ذلك بأن إسرائيل لديها طموحات لتغيير الوضع السياسي في محيطها الجغرافي وهذا ما تحاول عمله من خلال عملياتها العسكرية الحالية، بينما سيحول وجود قوات دولية دون تحقيق هذا الهدف. وتعتقد الباحثة الألمانية بأن إسرائيل تشك أيضا بقدرة الأمم المتحدة على جعل الحكومة اللبنانية تفرض سيطرتها على جميع الأراضي اللبنانية ولذلك فان إسرائيل تحاول أن تقوم بهذه المهمة بنفسها. "إسرائيل تؤمن بقدرتها الذاتية وبأن لديها الوسائل الخاصة التي تمكنها من تدمير قدرات حزب الله، وبالتالي تفويت الفرصة أيضا على سوريا بأن يكون لها من يقاتل إسرائيل بالوكالة عنها". حسب قول يوهانزن.

طهران ودمشق: سبب الأزمة أم مفتاح للحل؟

يعتقد بعض المحللين والمراقبين بان حل الأزمة لن يكون من خلال إرسال قوات دولية، حتى في حالة افتراض ان الأطراف المتحاربة سوف توافق على نشر مثل هذه القوات. ويذهب البعض إلى أن مفتاح الحل للأزمة الحالية يكمن في دمشق وطهران وهو ما يعزز المزاعم بأن المواجه الحالية هي ليست في الحقيقة بين إسرائيل وحزب الله ولكن بين إسرائيل وكل من سوريا وإيران عن طريق حزب الله. وهناك اعتقاد سائد بأن طهران حاولت تأجيج الموقف في المنطقة لصرف أنظار العالم عن برنامجها النووي والتملص من الضغط الدولي عليها، بينما تحاول سوريا ان تثبت بأنها قوة إقليمية يجب أخذها في الحسبان وبأنها تمسك بتلابيب أي ترتيبات إقليمية. الدكتور سعيد يعتقد بأن طهران ودمشق مسئولتان فقط جزئيا عن الأزمة وذلك بسبب تأييدهما لحزب الله ومده بالسلاح. لكن بهذا المعنى تكون الولايات المتحدة أيضا جز من الازمة، في نظر سعيد، لأنها تؤيد إسرائيل وتمدها بالسلاح. الأطراف الخارجية لها دور مهم، كما يقول رئيس مركز الأهرام، إنما لابد أن يكون لهذه الأطراف مصالح معينة تدفعها لتغيير مواقفها. وهذا يتوقف على طريقة تصرف اللاعبين الصغار الممثلين والتابعين وقوتها على الأرض. ويضيف المحلل المصري قائلا صحيح بأن دمشق وطهران عناوين مهمة ولابد من إشراكهما في العملية ضمن ترتيبات إقليمية كبيرة، لكن أن يقال انهما ستحلان الأزمة ثم يقال إنهما سبب الأزمة فهذه مفارقة غير منطقية.