إسبانيا: حكومة مدريد اليمينية تترنح في مستنقع الفساد
٨ فبراير ٢٠١٣ارتفعت وتيرة الضغوط على الحكومة الإسبانية منذ أيام بسبب تهم بتلقي قادة الحزب الحاكم أموالا بصفة غير قانونية. إذ حثت المعارضة الاشتراكية رئيس الوزراء، ماريانو راخوي، على الاستقالة إذا تأكدت صحة تلك المزاعم.
وقالت الأحزاب التي تنتمي لتيار أقصى اليسار إنه يجب عليه أن يتنحى، كما وقع أكثر من 300 ألف شخص على عريضة على الإنترنت يطلبون فيها من قيادة حزب الشعب بزعامة راخوي الاستقالة.
وازداد القلق بشأن مصير الحكومة بعد أن نشرت صحيفة "إل بايس" اليومية وثائق تشير إلى أن راخوي وغيره من زعماء الحزب قد تلقوا أموالا بصورة غير قانونية من شركات طوال سنوات.
وقال المدعي العام، ادواردو توريس- دولسي، إن هناك سببا وجيها للتحقيق في هذه الادعاءات، وإنه يمكن استدعاء راخوي نفسه للاستجواب. وأعلنت النيابة العامة لمكافحة الفساد فتح تحقيق في القضية.
لكن رئيس الحكومة ماريانو راخوي رد على هذه الاتهامات الثلاثاء (5 فبراير/ شباط) من ألمانيا، حيث شارك في المشاورات الحكومية الألمانية الإسبانية، وقال إنها منعدمة الصحة:"كل ما يقال عني هو خطأ، بغض النظر عن بعض ما أوردته بعض الصحف. وأعلن بشكل آخر بأن تلك الادعاءات هي خاطئة بشكل تام"، حسب تعبيره.
حكومة مدريد تحت الضغط
واختار راخوي على ما يبدو الرد على تلك الاتهامات الرائجة في بلاده انطلاقا من ألمانيا أملا في تلقي دعم غير مباشر له من قبل رئيسة الحكومة الألمانية المستشارة، أنغيلا ميركل، التي قالت عقب المشاورات الألمانية الإسبانية في برلين:"لدينا علاقة قائمة على ثقة كبيرة. ولدي انطباع بأن الحكومة بكاملها في إسبانيا، بما في ذلك رئيس الوزراء، يعملون على تقليص نسبة البطالة وتفعيل الإصلاحات البنيوية حتى تتمكن إسبانيا من استعادة قوتها التي تتناسب معها".
وتضرب هذه الفضيحة حكومة مدريد في وقت تصارع فيه الأخيرة ضد معدل بطالة قياسي وركود اقتصادي متفاقم. وكانت صحيفة "إل بايس" قد ذكرت أنها حصلت على وثائق تحتوي على بيانات مالية "سرية" توضح الرواتب التي تلقاها قادة الحزب الشعبي اليميني، بما فيهم رئيس الوزراء ماريانو راخوي بين عام 1990 و2009. وأضافت الصحيفة أن الوثائق تظهر أن راخوي تلقى 34 ألف دولار سنويا على مدار 11 عاما قبل أن يتولى منصب رئيس الوزراء في عام 2011 . كما حصل ثلاثة من القادة السابقين للحزب على مبالغ مقاربة لذلك.
وزادت هذه الفضيحة من نقمة المواطنين الأسبان الذين يعانون من البطالة، وأشارت نتائج لاستطلاع الرأي مؤخرا إلى تراجع التأييد لرئيس الوزراء الاسباني راخوي. وأظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة متروسكوبيا ونشرته صحيفة البايس انه إذا ُأجريت الانتخابات العامة الآن فان الحزب الشعبي الحاكم والحزب الاشتراكي المعارض سيحرزان نتائج متقاربة للغاية ولن يتسنى لأي منهما الحصول على أغلبية واضحة.
وقال 80 في المائة ممن شاركوا في الاستطلاع إنه يجب على زعماء الحزب الحاكم الذين أوردت وسائل الإعلام أسماءهم الاستقالة. ويتظاهر مئات المواطنين من حين لآخر في شوارع العاصمة، لاسيما أمام مقر الحزب الشعبي الحاكم، رافعين لافتات ُكتب عليها "استقالة" و"كفى" و"عار على اسبانيا".
تساؤلات حول السلطة الأخلاقية
وفي برلين أيضا واجه رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، أسئلة الصحفيين الذين سألوه عما إذا يعتبر أنه لا يزال يملك السلطة الأخلاقية ليطلب من الأسبان تقديم مزيد من التنازلات كالتخلي عن الزيادة في مستوى الرواتب. واكتفى راخوي بالقول إن الاتهامات الموجهة إليه خاطئة.
ويعتبر العديد من الأسبان أن الكيل طفح مع هذه الفضيحة، لا سيما أنهم يعانون من أزمة تقشف غير مسبوقة ونسبة بطالة قياسية تجاوزت 26% ، كما أنهم غاضبون من توالي الفضائح التي يكشفها القضاء والصحافة وتطال أكبر الأحزاب. ويؤجج هذا الوضع موجة الاستياء تجاه المسؤولين السياسيين، لاسيما من أحزاب اليمين الذين غالبا ما يتشدقون بتقديم النموذج الأمثل في الاستقامة والحكم الرشيد.
وقالت ايفا استياراغا (43 سنة) التي تعمل مسؤولة تسويق، وجاءت مع ابنتها (16 شهرا) إلى مقر الحزب الشعبي المحاط بتعزيزات أمنية مشددة "على راخوي أن يستقيل لمجرد الاشتباه فيه: هكذا يحصل في أي بلد عادي، من باب الكرامة".
من جانبها قالت السيدة المتقاعدة، ساندرا مورينو، (66 سنة) "انظروا كيف أنهم طوقوا كل شيء، إنهم يحمون اللصوص"، في إشارة إلى الحواجز التي تفصل المتظاهرين، رغم أنهم ليسوا كثيرين، عن مقر الحزب بعشرات الأمتار. وتابعت "أنهم جميعا لصوص، يمين ويسار: هنا لا يوجد سياسي غير متورط في الفساد".
ويتظاهر المئات من الأسبان بشكل شبه يومي، ويروج مطلب الاستقالة في مواقع الانترنت في اسبانيا. وتطالب عريضة على موقع الكتروني بتنحي كل قادة الحزب الشعبي الكبار، بمن فيهم ماريانو راخوي، وجمعت أكثر من 710 آلاف توقيع قبل أيام.