إسرائيل وحزب الله: مواجهة تنبئ بسقوط وهم التفوق العسكري
٢٨ يوليو ٢٠٠٦فيما تتواصل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني لليوم السابع عشر على التوالي، لا تبدو هناك بوادر تلوح في الأفق بأنها ستضع أوزراها قريبا أو أن احد الطرفين يوشك على حسمها لصالحة في المستقبل المنظور. بل على العكس من ذلك، تزداد المعارك شراسة، ويعد كل طرف العدة لجولات أخرى من المواجهات. وتشير التقديرات المتفائلة جدا إلى أن القتال قد يمتد لعدة أسابيع والسبب في ذلك، كما لاحظ وزير خارجية فنلندا، أن إسرائيل لا تزال تعتقد أنها يمكن أن تحقق هدفها بسحق مسلحي حزب الله. وقال اركي توميوجا، الذي ترأس بلاده حاليا الإتحاد الأوروبي، عقب لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن الإسرائيلين "يعتقدون إنهم في حاجة إلى وقت لتحقيق أهدافهم العسكرية وهم لا يزالون يعتقدون انها أهداف يمكن تحقيقها". ويؤكد هذه الفرضية استدعاء إسرائيل لحوالي 15 ألفا من قوات الاحتياط لتعزيز الامكانات العسكرية والقدرات على مواجهة حزب الله. لكن يبدو مستبعدا قيام إسرائيل بغزو واسع النطاق للبنان، فيما سيستمر الهجوم "وفقا للآلية الحالية"، والتي تعتمد أساسا على تكثيف القصف الجوي، وفقا لما جاء في بيان للحكومة الإسرائيلية. وتتجنب إسرائيل توسيع نطاق العمليات البرية حيث رفضت الحكومة الإسرائيلية اقتراحات بهذا الصدد. لكن بعض المراقبين لا يستبعدون لجوء إسرائيل إلى سياسة الأرض المحروقة.
"توازن الرعب" قد يطيل أمد الحرب
استمرار حزب الله في خوض الحرب الحالية، التي كانت إسرائيل تعتقد بأنها ستحسمها بأسرع وقت، وكذلك طول فترة المواجهات المستعرة مع عدم وجود بوادر أكيده على ضعف ميليشيا الحزب، رغم تصريحات إسرائيلية بأنه تكبد "خسائر استراتيجية فادحة"، كل هذه المعطيات تلقي الضوء على القدرات العسكرية الإسرائيلية وعلى الإستراتيجية التي اتبعها الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، كما أثبت خطاء تقديرات الجيش الإسرائيلي بأن بإستطاعته حسم المعركة لصالحه في وقت قياسي. في هذا السياق كشفت مصادر حكومية إسرائيلية عن أن رفض حكومتهم الدخول في حرب برية مع حزب الله يرجع إلى ارتفاع معدل الخسائر في المعارك البرية التي خاضتها القوات الإسرائيلية مع مقاتلي حزب الله في منطقة بنت جبيل اللبنانية الحدودية مع إسرائيل والتي كانت، كما وصفها الجنود الإسرائيليون المصابون فيها بأنها كانت "جهنم على الأرض". المزاعم الإسرائيلية بأن منطقة بنت جبيل سقطت في يد القوات الإسرائيلية لم تصمد طويلا وكانت المعركة الشرسة في هذه المنطقة كفيلة بإثبات العكس وقد يكون ذلك دليلا على أن إسرائيل لم تجد ما تتفاخر به من الانتصارات بعد كل هذه الفترة من العمليات العسكرية أو ربما أنها كانت تتوقع سقوط المنطقة بسهولة. من جانبه أراد حزب الله من القتال بإستماته في هذه المعركة أن يفوت الفرصة على إسرائيل وأن يتثبت بأنه قوة يحسب لها ألف حساب وإن المعركة البرية على الأرض هي معركته.
وفي هذا السياق تشير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نقلا عن جنود عائدون من المعركة بأن حزب الله نصب فخا للجنود الإسرائيليين واستدرجهم إلى بنت جبيل ثم ضرب طوقا عليهم من كل الاتجاهات وأمطرهم بالنيران. وتكمن قوة حزب الله في قدرته على خوض المواجهة البرية وإتباع أسلوب حرب العصابات، وهي ميزة لا تتوفر للجيش الإسرائيلي الذي يتمتع بتفوق بدوره في جانب سلاح الجو. هذا الأمر دفع إلى توجيه انتقادات حادة للجيش الإسرائيلي في اليومين الماضيين بسبب عدم استخدامه للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة لتعزيز قدراته القتالية في المعارك البرية. في هذا السياق يقول المحلل الإسرائيلي صامويل جوردون في مقال نُشر في صحيفة "جيروساليم بوست" بأن حزب الله "نجح في تحيًيد التفوق التكنولوجي الإسرائيلي في مجال سلاح الجو". وطالب جوردون بان يكون هناك تنسيق أفضل بين وحدات برية خاصة صغيرة الحجم وبين سلاح الجو بدلا من القصف الجوي المكثف والعشوائي، بحيث تقوم الوحدات الخاصة بتحديد الأهداف وإرسال المعلومات حولها إلى الطيارين وقواعد إطلاق الصواريخ لكي تكون الضربات دقيقة وفعالة، حسب قول جوردون.
عقدة التفوق العسكري الإسرائيلي......
الإستراتيجية التي شنت بموجبها إسرائيل الحرب كانت تركز على جانبين: الأول: توجيه ضربه عسكرية قاسية ومدمرة لحزب الله بوجه خاص، لتدمير قدراته العسكرية وإضعاف خطره المتزايد عند حدودها الشمالية وإبعاده عن حدودها وثانيا تدمير البنية التحتية اللبنانية عموما لقطع الإمدات علي حزب الله وتكثيف الضغط العسكري والسياسي وتأليب المجتمع اللبناني عليه. وقد استغلت إسرائيل حادثة أسر اثنين من جنودها لتصفية الحساب القديم /الجديد مع حزب الله ووجدتها فرصة للتخلص من "جار مزعج" لم يعد من الحكمة السكوت علي مشاكساته. كما أن المواجهات المستمرة مع الفلسطينين وبلوغها أوجها باختطاف جندي إسرائيلي مؤخرا فشلت الآلة العسكرية الإسرائيلية في تحريره، كان أيضا دافعا أخر ولو جانبيا لهذا الرد الإسرائيلي القوي على حزب الله.
......ومبدأ الرد الشامل
الرد الشامل والمكثف مبدأ أصيل في العقيدة العسكرية الإسرائيلية تلجأ إليه إسرائيل سوا في حروبها الخارجية أو وحتى في المواجهات مع الفلسطينين. ولعلنا نتذكر كيف يكون الرد الإسرائيلي عنيفا عقب كل عملية فلسطينية أستهدفت إسرائيل. وتلجأ إسرائيل لهذا الأسلوب الحربي لعدة أسباب منها: أولا بسبب عقدة التفوق العسكري التي تسيطر على العقلية العسكرية والسياسية الإسرائيلية وهو ما تعتمد عليه إسرائيل في ردع أعدائها. لذلك فإنه حينما تتعرض إسرائيل لضربة ما فإنها ترد بأقصى ما تستطيع لتأكيد هذا التفوق. وثانيا كنوع من "التأديب" الذي يفوق "الجُرم" حتى تكون عبرة للآخرين بأن الرد سيكون موجعا وأليما وعليهم التفكير كثيرا قبل الإقدام على أي عمل ضدها. وهناك عامل أخر يدفع إسرائيل للرد العسكري المبالغ فيه وهو ضغط الرأي العام الإسرائيلي على الحكومة عقب كل عملية تستهدف أمن البلاد والمواطنين. كما ان هناك نقطة أخرى مهمة في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تقوم على أساس مبدأ الضربة السريعة الخاطفة لأن إسرائيل لا تقوى أصلا لأسباب كثيرة على الدخول في حروب طويلة الأمد.