إصرار أوروبي على توضيح لغز المعتقلات السرية الأمريكية
تواجه الإدارة الأمريكية ضغوط كبيرة من داخل أمريكا ومن خارجها، بعد تسريب أخبار عن وجود معتقلات سرية في أوروبا الشرقية، واستغلالها عدد من المطارات الأوروبية من طرف وكالة المخابرات الأمريكية( سي أي أي) لنقل عدد من المسجونين والمختطفين في قضايا تتعلق بالإرهاب الى جهات مختلفة من العالم، وذلك في ظروف تغيب فيها ضمانات حقوق الإنسان. هذه الوضعية دفعت الرئيس الأمريكي إلى الدفاع عن إدارته قائلا: "إن كل نشاطاتنا في إطار القانون، إننا لا نعذب أحدا". غير انه يبدو أن أبعاد هذه القضية قد تأخذ تطورات جديدة خصوصا في ضوء مطالبة عدد من الدول الأوربية توضيحات من السلطات الأمريكية، وفتح عدة تحقيقات قضائية في بعض الدول، منها أسبانيا وألمانيا. وجلي بالذكر أن هذه القضية تخلف نقاشا كبيرا على الساحة السياسية الأمريكية، خصوصا وأن الانتخابات البرلمانية ستجرى بعد سنة من الآن.
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي طالب فيه الرئيس الأمريكي الصين بضرورة احترام حقوق الإنسان، وتطالب الدول الأوروبية من الحكومة الأمريكية توضيحات عن الأخبار التي سربتها عدد من الصحف الغربية عن المعتقلات السرية الأمريكية في أوروبا الشرقية، وعن استعمال طائرات أمريكية للمطارات الأوروبية وعلى متنها معتقلين سريين ومختطفين. ويتوقع الخبراء أن تنذر هذه القضية بانعكاسات كبيرة على علاقة أمريكا بالدول الأوروبية. كما أنها توحي بان أوروبا قد تلجأ لفرض عقوبات سياسية على الدول المتورطة.
أوروبا قاعدة أمريكية للتجاوزات القانونية؟
بعد نشر صحيفة "واشنطن بوسط" خبرا عن وجود عدد من المعتقلات السرية في كل من بولندا العضو الجديد في الإتحاد الأوروبي ورومانيا التي ستصبح عضوا في سنة 2007، سارعت بعض الصحف الأوروبية الى توجيه اللوم إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية باستغلال المطارات الأوربية لأفعال منافية للقانون وتعذيب سجناء. وتشير المعطيات الأولية إلى تورط ست مطارات لدول أوربية في قضية التنقيل أو التعذيب، وهي البرتغال وأسبانيا و ألمانيا و النمسا و السويد وايسلاندا. ففي أسبانيا مثلا يجري التحقيق حاليا في الأخبار التي نشرتها صحيفة البايس، بكون أن وكالة الاستخبارات الأمريكية استغلت جزيرة مايوركا في البحر المتوسط، كقاعدة للعمليات ، وذلك لنقل إسلاميين يشتبه في أن لهم صلة بالإرهاب. هذا الإشاعات دفعت وزير الدفاع الأسباني إلى التصريح قائلا: "إذا تأكد أن ذلك صحيحا فسنعتبرها أفعالا خطيرة جدا لا يمكن التسامح إزاءها لأنها تنتهك القواعد الأساسية للتعامل مع شعب يعيش في نظام قانوني وسياسي ديمقراطي".
وفي نفس السياق يجري في ألمانيا تحقيق في قضيتين منفصلتين، حيث يحقق الادعاء العام في الأخبار التي تدعي أن جهاز الاستخبارات الأمريكية نقل إمام يدعى أبو عمر تم اختطافه من ميلانو الإيطالية ونقله الى مطار عسكري أمريكي في رامشطاين الألمانية، ومنها الى القاهرة، ويجهل مصيره من وقتها. ولقد وجه المدعي العام الألماني لمدينة زفايبروكن التهمة ضد مجهول يشتغل لحساب المخابرات الأمريكية، وذلك بتهمة سلب حرية شخص وتعذيبه. وفي إطار آخر يحقق الادعاء العام الألماني لمدينة ميونخ، أيضا في قضية المواطن الألماني من أصول لبنانية، ويدعى خالد المصري، الذي تم اختطافه، الذي تم اختطافه من الحدود المقدونية الكوسوفية، و تم ترحيله الى أفغانستان.
مسؤولية الحكومات الأوروبية
ويتوقع المراقبون ان تكون لهذه القضية تداعيات على الساحة السياسية الأوروبية، خصوصا وأن بولندا عضو جديد في الإتحاد الأوروبي، ورومانيا ستلتحق بالإتحاد في يناير 2007 مما يعني أن هذه الدول ودول أخرى، إذا تبث تورطها في هذه التجاوزات، ستتعرض إلى "عقوبات" على حد تصريح فرانكو فراتيني مفوض العدل والشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي. وكان فراتيني الذي تحدث أمام النواب في البرلمان الأوروبي بستراسبورغ قد صرح قائلا: "انه ليس ثمة دليل يثبت ان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تخفي معتقلين من المشتبه بانتمائهم للقاعدة في منشات في أوروبا الشرقية كما ورد في تقرير بصحيفة واشنطن بوست في وقت سابق هذا الشهر" وأضاف في هذا الصدد قائلا: "إذا صح أن هذه الأحداث وقعت فهذا يمثل انتهاكا خطيرا لقيم الاتحاد الأوروبي وقواعده وقد يؤدي مثل هذا الانتهاك إذا ثبت صحته الى فرض عقوبات سياسية خطيرة على دولة عضو في الاتحاد الأوروبي". وجدير بالذكر أن المجلس الأوروبي، وهو أعلى هئية تهتم بحقوق الإنسان في أوروبا، عين السياسي السويسري ديك مارتي للتحقيق في هذه المزاعم. وينتظر أن يكون التقرير الأولي عن هذا التحقيق جاهزا في أواخر نوفمبر/ تشرين الأول. وفي نفس الموضوع صرح السيد تيري دافيس رئيس المجلس الأوروبي قائلا: إن نتائج التحقيق ستظهر لنا إذا ما كانت الحكومات على علم بهذه الأفعال الخطيرة، أم لا!".