إصلاح البنية الفيدرالية في ألمانيا بين تفاؤل الحكومة وانتقادات المعارضة
٤ يوليو ٢٠٠٦يرمز اسم "أم الإصلاحات" وهو الاسم، الذي أطلقه المراقبون على برنامج الإصلاح الشامل والذي أقره البرلمان الألماني (بندستاج) يوم أمس الاثنين 3 تموز/يوليو 2006 ، إلى أكبر تغيير للدستور في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية فيما يتعلق بمسالة توزيع الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والولايات، وذلك بعد أن ظلت مسألة إصلاح النظام الفيدرالي إحدى أهم القضايا السياسية العالقة في ألمانيا طيلة العقدين الماضيين. وبعد توفر الشرط اللازم لإقرار التعديل الدستوري وهو موافقة ثلثي أعضاء البندستاج تم إقرار برنامج إصلاح النظام الاتحادي رغم معارضة الحزب الاشتراكي الديمقراطي حتى اللحظة الأخيرة. وفي كلمتها أمام البرلمان أكدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل على أهمية إعادة النظر في القوانين، التي تنظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات قائلة: "نظامنا الفيدرالي جيد، لكن بالنسبة للكثير من المواطنين لم يعد الأمر واضحاً من هو المسئول عن ماذا".
ومن المفترض يتحسن الأمر بعد إقرار الإصلاحات، حيث أن الدولة ستحتاج إلى موافقة الولايات في التصديق على عدد أقل من القوانين، مما يعني تسريع عملية اتخاذ القرارات والحد من سلطات مجلس الولايات (بوندسرات) وتقييد سلطة ممثلي الولايات الاتحادية في الاعتراض على نسبة كبيرة من التشريعات. وفي المقابل تمنح التعديلات الدستورية الجديدة الولايات الألمانية الستة عشر قدراً أكبر من الاستقلال فيما يتعلق بإصدار قوانين حماية البيئة ونظام التعليم. هذا ولا تزال موافقة البرلمان الألماني على التعديلات الدستورية مجرد خطوة أولى نحو الإصلاح الفيدرالي، فمن المنتظر أن يتم التصويت عليه يوم الجمعة القادم في مجلس الولايات والعمل به بشرط موافقة ثلثي أعضائه أيضاً.
النظام الصحي على رأس قائمة الإصلاحات
تعتبر التعديلات الدستورية الجديدة بمثابة حل وسط تم التوصل إليه بين الحكومة الاتحادية والولايات. فبدون تقديم تنازلات واضحة من الجانبين لم يكن الأمر ليتم كما أكد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي بيتر شتروك. أما السياسة التعليمية فكانت من أكثر المواضيع للخلاف داخل الائتلاف الحاكم، حيث أن أعضاء الائتلاف لم يتوصلوا إلى اتفاق حولها إلا في الدقائق الأخيرة من اجتماعهم، الذي تمخض عن منح الولايات الاتحادية المسئولية الكاملة عن سياسة التعليم المدرسي، بينما تشارك الحكومة الاتحادية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالبحث العلمي وسياسة التعليم العالي. كما تم إدخال تعديلات على النظام الضريبي للشركات بهدف تعزيز القدرة التنافسية للشركات الألمانية من خلال الحد من قيمة الضرائب. وبعد محادثات طويلة حول نظام التأمين الصحي الحكومي تقرر رفع قيمة الرسوم التي يدفعها الأفراد وكذلك مساهمة أرباب العمل، الذين يدفعون نصف مبلغ التأمين الصحي لموظفيهم. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة هذه المساهمات ابتداءاً من العام المقبل بنسبة نصف بالمائة تقريباً. وبهذه الزيادة تسعى الحكومة إلى سد الفجوة الكبيرة في الميزانية الناتجة عن زيادة أعداد كبار السن وتقلص أعداد الأيدي العاملة الشابة. ومن المخطط أن يتم الاستفادة من عائد الضرائب بداية من عام 2008 لدعم التأمين الصحي الخاص بالأطفال.
الإصلاحات في مرمى انتقادات المعارضة
إلا أن هذه الإصلاحات، التي أطلق عليها البعض اسم "أم الإصلاحات" والتي أطلقت عليها ميركل "تجاوزاً لأكبر الصعوبات التي واجهتها الحكومة" قد قوبلت بانتقادات شديدة. فبينما يفترض أن يمول التأمين الصحي للأطفال بداية من عام 2008 من عائد الضرائب، تبقى التفاصيل غير واضحة عن نوعية هذه الضرائب. أما الاتحاد الألماني للمؤمن عليهم صحياً فقد انتقد هذه الإصلاحات. وقال رئيس الاتحاد هاينز فينديش في حديث للقناة الألمانية الثانية ZDF: "لقد حيكت هذه القرارات بإبر ساخنة، وستحرق أصابعنا جميعاً ". كذلك انتقد رئيس حزب الخضر راينارد بوتيكوفر الإصلاحات مضيفا: "إنها ليست إصلاحات صحية وإنما داء". ولم تأت المعارضة فقط فيما يخص الإصلاح الصحي ولكن الاشتراكيين الديمقراطيين عارضوا أيضاً تخلي الحكومة الاتحادية عن ممارسة الرقابة على السياسة التعليمية للولايات الألمانية التي تسيطر حكومات محافظة على غالبيتها العظمى. ووافقهم الرأي بودو راملو من الحزب اليساري، الذي رأى في الإصلاحات الفيدرالية تقسيماً لألمانيا إلى دويلات صغيرة وأضاف: "إننا نتراجع الآن إلى الوراء، فبدلاً من الاستثمار في مستقبل أبنائنا، وثروة مجتمعنا الحقيقية وهي التعليم، نكتفي عوضاً عن ذلك بتقسيم السلطات". ويرى راملو أن الائتلاف الحاكم لم يقوم بأداء مسئوليته التاريخية نحو الدولة.
أما الحزب الديمقراطي الحر فينتقد هذه الإصلاحات أيضاً وإن كانت وجهة نظر الحزب الليبرالي مختلفة، فرئيسه جيدو فيسترفيله يرى أنه لا يمكن الحديث عن إصلاحات فيدرالية دون الحديث عن العلاقات الاقتصادية بين الدولة والولايات الاتحادية وبين الولايات بعضها البعض، إلا أن نواب الائتلاف قابلوا الانتقادات بهدوء ودون رد.