إضاءات على تاريخ العلاقات الأمريكية-السورية
٨ أبريل ٢٠١٧يعود عمر العلاقة الأمريكية-السورية إلى تاريخ سوريا نفسها. وحتى عندما كانت سوريا جزءاً من السلطنة العثمانية كان للولايات المتحدة تمثيل دبلوماسي في دمشق. ومارست واشنطن تأثيراً في تحديد مصير ذلك البلد، سوريا.
ما بعد الحرب العالمية الثانية مهدت الدرب لنيل الاستقلال
باعتبار أن الولايات المتحدة كانت في الماضي مُستعمرة إنكليزية، فقد انخرطت في جهود سوريا لتحقيق الاستقلال عن فرنسا. بعد الحرب العالمية الثانية وقف الرئيس الأمريكي آنذاك، هاري ترومان، ضد الطموحات الفرنسية في استمرار الانتداب الفرنسي على سوريا، والذي أقرته عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى. وبمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت سوريا من تحقيق الاستقلال وشاركت في تأسيس الأمم المتحدة ووقعت على ميثاقها عام 1945.
خمسينات القرن العشرين- "سي آي إيه" تدبر أول انقلاب عسكري
بعد ذلك التاريخ بحوالي عشر سنوات، خيم التوتر والاضطراب على العلاقات. فقد امتد الصراع السوفيتي-الأمريكي على النفوذ والنفط في الشرق الأوسط ليشمل سوريا. دعمت "وكالة المخابرات المركزية الأمريكية" (سي آي إيه) انقلاب حسني الزعيم عام 1949 ضد الرئيس المنتخب شكري القوتلي. ولذا عمل القوتلي بعد إعادة انتخابه للرئاسة مرة جديدة في عام 1955 على التقارب مع مصر عبد الناصر، حليفة الاتحاد السوفيتي. بعد ذلك فشلت محاولة أمريكية جديدة للإطاحة بالقوتلي في عام 1957. وقطع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية. وبعدها بسنة اتحدت سوريا مع مصر فيما سُمي بـ"الجمهورية العربية المتحدة"، والتي استمرت حتى أيلول/سبتمبر 1961.
حرب حزيران 1967-ارتفاع مستوى الدعم الأمريكي لإسرائيل
استمرت حرب الأيام الستة في عام 1967 أقل من أسبوع، غير أنَ آثارها لا تزال معاشة في الشرق الأوسط حتى اليوم. فقد اشتبك العرب، مصر وسوريا والأردن، والإسرائيليين بين الخامس والعاشر من حزيران/يونيو للمرة الثالثة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي.
أفضت الحرب، من ضمن ما أفضت إليه، إلى تقوية التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين واصل الاتحاد السوفيتي تزويد سوريا ومصر بالسلاح والذخائر. وبعد الحرب رفعت جامعة الدول العربية لاءاتها الثلاث المشهورة في وجه إسرائيل: لا اعتراف، لا مفاوضات، لا صلح.
1990- حلفاء في حرب الخليج الثانية
بعد الاجتياح العراقي للكويت في صيف 1990، قادت الولايات المتحدة في ظل ولاية الرئيس جورج بوش الأب تحالفاً دولياً لتحرير الدولة الخليجية الصغيرة، الكويت. وشاركت سوريا في ذلك التحالف. واستمرت العمليات العسكرية من كانون الثاني/ يناير 1991 وحتى آذار/مارس من العام نفسه، وانتهت بانسحاب القوات العراقية من الكويت.
بيل كلينتون-فشل جهود السلام بين سوريا وإسرائيل
في عهد الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، كان مصير التعاون الهش بين البلدين الفشل من جديد. فقد حاول كلينتون ومن خلال اتفاقات أوسلو دفع عملية السلام بين العرب والإسرائيليين قدماً إلى أمام. وبالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، نجح كلينتون في إشراك كل من سوريا ولبنان والأردن في مفاوضات السلام. غير أنه وبالرغم من محاولاته العديدة في فترته الرئاسية الثانية فشلت جهود كلينتون في إحلال السلام. وكان أحد أسباب الفشل هو رفض حافظ الأسد المتربع على السلطة منذ عام 1970، للتسوية التي طرحها كلينتون في عام 2000. بعد ذلك بفترة بسيطة، في عام 2001، انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
جورج بوش الابن-الفيتو السوري على حرب العراق 2003
بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 شهدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تغيراً جذرياً. في البداية لم يدرج الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، سوريا ضمن ما أطلق عليه آنذاك بـ"الدول المارقة". وكبادرة حسن نية قدمت سوريا للولايات المتحدة معلومات عن شبكات الإسلامويين الإرهابية. وكثمن لهذه المعلومات أرادت دمشق دعم واشنطن لها في أن تضم لبنان كمحمية. إلا أن أمريكا غطست في أتون حرب العراق، بينما وقفت سوريا في مجلس الأمن معارضةً للحرب في العراق. وبدلاً من الالتزام بالعقوبات المفروضة على العراق، وسع الممسك بزمام السلطة منذ عام 2000، بشار الأسد، من حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق إلى حوالي 3 مليار دولار. السياسة الأمريكية تجاه سوريا اتسمت بالتردد؛ فقد رغبت وزارة الخارجية بإعادة كسب سوريا كحليف لأمريكا، إلا أن البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) رفض هذا الأمر لأن نظام الأسد يدعم وبشكل علني تنظيمات إرهابية ويدعم حزب الله اللبناني. وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، عام 2005 سحبت أمريكا سفيرها من دمشق واتهمت سوريا بالوقوف وراء العملية.
سنوات أوباما-عقوبات ودبلوماسية
مع اندلاع الحرب في سوريا اتبع الرئيس الأمريكي باراك أوباما نهجين في سياسته تجاه سوريا. من جهة، حاول عن طريق فرض عقوبات تحميل النظام مسؤولية ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، انخرط في الحوار والعمل الدبلوماسي؛ فقد أعاد أوباما في عام 2013 السفير الأمريكي إلى دمشق، وذلك بعد ثمانية أعوام من سحبه .
وفي حين أوضحت وزيرة الخارجية الأمريكية ىنذاك، هيلاري كلينتون، ومع بداية الحرب في سوريا بأنّ التدخل الأمريكي مستبعد في سوريا، دعمت الولايات المتحدة المعارضة السورية بالسلاح، وذلك بعد الهجوم الكيماوي، الذي اتهمت بشنه الحكومة السورية ضد مواطنيها في الغوطة الشرقية في صيف عام 2013، والذي لم تتضح ملابساته حتى اليوم.
ومنذ عام 2015 قامت الولايات المتحدة بشن هجمات جوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا. وتعتبر الولايات المتحدة وروسيا من أهم الأطراف الفاعلة في مجلس الأمن ومحادثات السلام في محاولة للتوصل لحل للنزاع السوري.
ماكسيملين كوشيك/خ.س