إطالة أمد الحرب في السودان تفتح أبواب جحيم "صراع العرقيات"
١٠ يونيو ٢٠٢٣لطالما عانى السودان من الصراعات الداخلية بسبب عوامل مختلفة ساهمت بدورها في مشهد معقد وغاية في التقلب. لكن أحد الجوانب الحاسمة التي تتطلب الاهتمام هو ذلك الاتجاه المزعج المتمثل في تصاعد العنف القَبَلي الذي يزداد حدة مع مرور كل يوم. ويتفاقم هذا العنف بسبب الصراعات العرقية عميقة الجذور، مما يخلق حلقة مفرغة تشكل تهديداً خطيراً لاستقرار السودان ومستقبله. في ظل هذا المشهد المعقد تتصاعد أسئلة حول الأسباب والعواقب والحلول المحتملة لهذا الوضع المقلق.
تاريخ طويل من الصراعات العرقية
والتوترات العرقية في السودان هي إرث من الحرب الأهلية الطويلة والدموية في البلاد، التي انتهت في عام 2005، حيث حرضت الحكومة على الحرب التي كان طرفها قبائل عربية ضد أطراف أخرى من قبائل غير عربية. حينئذ انتهت المعارك باتفاق سلام منح الجنوب استقلاله في عام 2011.
مع ذلك، لم يَحُلّ اتفاق السلام التوترات العرقية التي كانت السبب الجذري للحرب. وقد عادت هذه التوترات إلى الظهور في أعقاب الانقلاب العسكري في ديسمبر/ كانون الأول 2021، عندما أطاح الجيش السوداني بالحكومة المدنية.
وقد أدى العنف إلى أزمة إنسانية، حيث نزح ملايين الأشخاص من ديارهم. وحذرت الأمم المتحدة من أن السودان على شفا المجاعة. ويهيمن العرب على الجيش، في حين تتكون المعارضة إلى حد كبير من غير العرب. وقد أدى ذلك إلى اتهامات بأن الجيش يستخدم الصراع لاستهداف غير العرب.
وتشكل الصراعات العرقية في السودان تهديداً خطيراً لاستقرار البلاد. وإذا استمر الصراع، فقد يؤدي إلى حرب أهلية شاملة، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على البلد وشعبه. وكلما طال أمد الصراع في السودان، ازداد عنفه وهددت الصراعات العرقية بتفاقم الوضع.
المدنيون في خطر متصاعد
يقول ياسر زيدان الباحث في شؤون الأمن القومي والقرن الإفريقي إن الوضع في السودان أصبح شديد الخطورة، "كان منزلي قريبًا جدًا من قاعدة لقوات الدعم السريع، وكان بإمكاننا سماع طلقات الرصاص ومشاهدة الغارات الجوية على مسافة قريبة جدًا.. بقينا محتمين في منزلنا في الأيام القليلة الأولى، ولكن بعد ذلك انقطعت الكهرباء ولم يكن لدينا ماء وكانت الأمور تزداد سوءًا. لذلك قررنا الانتقال إلى مكان آخر، وخلال ذلك اصيبت سيارتنا أيضاً برصاصة حطمت النافذة الخلفية.. هذه فقط صورة سريعة لما يجري هناك للمدنيين".
ويشير زيدان إلى أن قوات الدعم السريع أوقفتهم عدة مرات على طول الطريق وقاموا بتفتيشهم: "فتشوا متعلقاتنا وكنا خائفين حقًا بشأن الوضع لأن هؤلاء ليسوا مثل جنود الجيش النظامي. كانوا مجرد مرتزقة. وعرفنا بعد ذلك أنهم سرقوا الهواتف المحمولة من الحافلة التي أمامنا. لذلك كان الأمر مخيفًا حقًا. كانت زوجتي خائفة جدا. كادت أن تبكي بعد أن تجاوزنا الحاجز".
ويقول زيدان إن الأمر يبدو وكأن قوات الدعم السريع انتقلت من محاربة الجيش السوداني إلى مطارة المواطنين وسرقة ممتلكاتهم واعتقال بعضهم وقتل البعض الآخر"، مشيراً إلى خشيته من أن تتصاعد الأمور بسبب تلك الأفعال لتنطلق حرب عرقية وإثنية واسعة.
أيضاً فإنه منذ اندلاع الاشتباكات، تحولت دارفور إلى ساحة معركة رئيسية ثانية بعد العاصمة الخرطوم. أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية التقارير الأخيرة حول القتل العشوائي للمدنيين العزل والنهب والاغتصاب الجماعي. وقالت أدجاراتو ندياي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في السودان لوكالة الأنباء الفرنسية: "الآن يتم الإبلاغ عن عمليات اغتصاب جماعي مرة أخرى في دارفور"، فيما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن غرب دارفور شهد قتل مسلحين لمدنيين وإطلاق للنيران على منازل خاصة، إضافة إلى هدم عيادات طيبة.
قُبلة حياة لصراع دموي
ويشير خبراء ومحللون إلى أنه عندما يتضح أن الصراع في السودان لن يؤدي إلى فوز سريع لأي من الجنرالين المتقاتلين، فإن الحرب عندها ستتحول بدلاً من ذلك إلى حرب استنزاف، وهنا يتم تحديد أكبر الفائزين بناء على قدرته على حشد أكبر قدر من الدعم الإقليمي والدولي.
في هذا الإطار، يقول ثيودور ميرفي مدير برنامج إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR إن "هذا الدعم يمكن أن يكون خارجيًا، بمعنى تلقي الأموال والأسلحة من الداعمين الإقليميين. ولكن يمكن أن يكون ذلك أيضًا داخليًا، من خلال الجماعات المتمردة التي قد تصطف إلى جانب دون الآخر".
ويقول ميرفي في حواره مع DW عربية إن جزء من السبب وراء تزايد الصراع الداخلي بدافع عرقي الذي رأيناه - لا سيما في غرب دارفور- "هو أن الصراع بين الجنرالات يعطي قبلة حياة جديدة للصراع العرقي والمحلي الموجود مسبقًا. لذلك فإن لدينا في غرب دارفور مجموعة تم تحديدها - بشكل تقريبي على أنها إفريقية - انخرطت في صراع سابق مع مجموعات عربية مرتبطة أكثر بأحد الجنرالين، وهو الجنرال حميدتي قائد قوات الدعم السريع".
دارفور.. برميل البارود
ولذلك - يضيف ميرفي - فعندما اندلع الصراع، "وافقت معظم الأطراف في دارفور في البداية على البقاء على الحياد والنأي بالنفس عن المعركة الدائرة بين الجنرالات في العاصمة الخرطوم، والفكرة هي أن النتيجة سيتم تحديدها هناك في الخرطوم وليس هناك حاجة لدخول دارفور في الصراع بما يمدد من أجله ويريق المزيد من الدماء في دارفور".
لكن حالة غرب دارفور تعد استثناء بسبب المظالم الموجودة مسبقًا، "فعندما طُلب من تلك المجموعة الإفريقية الانحياز إلى جانب الجيش السوداني، وافقت على القيام بذلك كوسيلة للرد على أعمال العنف التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية، ذلك أنه لسنوات يُنظر إلى عرب دارفور على أنهم مرتبطون بحميدتي قائد قوات الدعم السريع".
ومع الوقت، بدأ يتضح أن هذا الصراع المحتدم لن تحسمه القوة العسكرية وحسب، وأن نصراً شاملاً وحاسماً لطرف على آخر غير وارد، خاصة مع وصول المحادثات لطريق مسدود.
ويزداد تعقد الأمور مع إعلان الحكومة السودانية مبعوث الأمم المتحدة الألماني فولكر بيرتس "شخصاً غير مرغوب فيه" متهمة إياه بالانحياز في النزاع المستمر منذ عدة أسابيع، وذلك بعد امتناع المنظمة الدولية عن التجاوب مع طلب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان استبداله.
حرب عصابات
بدوره يرى هاجر علي الباحث في معهد غيغا GIGA الألماني للدراسات العالمية والإقليمية أنه من الممكن التعجيل بإنهاء الصراع على السلطة أو العثور على أي نوع من النصر من خلال ارتكاب أحد الطرفين للخطأ التكتيكي الأكبر، "فمن ينجح في شن هجمات مفاجئة أو من يصمد أكثر خلال الاستنزاف هو من يمكنه التحكم في ساحة المعركة".
ويشير علي إلى أن "تحويل الصراع إلى صراع عرقي يساعد على حشد الدعم، وهو أمر لم تتمكن قوات الدعم السريع من القيام به حتى الآن في الخرطوم لأنها تفتقد إلى حصن أو دعم سياسي، أيضا فإن نظام الحكم وإدارة الدولة في السودان معلقان الآن ومع الوقت تتراجع قدرة الإدارة المركزية على السيطرة على الأطراف التي كانت ذات يوم بعيدة عن مركز الحكم وهو ما لا يبدو الوضع عليه الآن".
الأمن الغذائي والصحة.. نقاط حاسمة في الصراع
تقول مُزن النيل المهندسة والكاتبة والمحاضِرة في الهندسة والاقتصاد الاجتماعي والسياسات العامة من الخرطوم إن خطر نشوب صراع بين السكان المدنيين متوقع في أي موقف تصبح فيه الموارد شحيحة، وهو ما يُتوقع حدوثه في السودان في الأشهر المقبلة "حيث من الواضح أننا نتجه نحو مجاعة، خاصة وأن برنامج الموسم الزراعي لم يُنفذ كما هو مخطط له، ولم نعد متأكدين مما إذا كان لدينا ما يكفي لإطعام السكان في الشهر المقبل أو في الشتاء، وهنا تتصاعد احتمالات حدوث صراع أعنف".
وتضيف الباحثة السودانية في حوار هاتفي مع DW عربية أنه إلى جانب تلك الظروف "فهناك أيضاً العوامل القبلية أو العرقية التاريخية والتي تتقاطع مع الصراع الدائر، إضافة للدعاية التي تعمق من الفرقة وتذكي الانقسامات العرقية بشكل أساسي، ما يعزز فرص اندلاع الصراع العرقي".
وتقول مُزن النيل إن فرص اندلاع هذا الصراع المخيف لا يمكن التنبؤ بها "فهذا يعتمد على ما نقوم به الآن من تحركات.. لكن السؤال هو ما الذي يمكن فعله لمنع ذلك من الحدوث؟ أو ما الذي سيضيف إلى احتمال اندلاع هذا الصراع أو يقلل منه؟ اعتقد أن مسألة توافر الموارد مسألة مهمة للغاية فهناك نسبة جيدة من الرعاية الصحية المتوفرة الآن موجودة بالفعل في الخرطوم ، بالإضافة إلى العديد من الولايات الأخرى بسبب الجهود الشعبية المنظمة والمبادرات وغرف الطوارئ التي يتم إنشاؤها أو التي أعيد فتحها، كما نرى أيضًا افتتاح مرافق رعاية صحية في ولايات أخرى، إضافة إلى الجهود التي تعمل على إدارة الموارد من قبل السكان".
وتضيف مُزن النيل قائلة إن هناك أيضاً غرف "طوارئ زراعية" ومحاولات لتوفير التمويل للمزارعين وهو ما لا تقوم البنوك الحكومية والبنك الزراعي بتوفيره حالياً إضافة إلى عدم توفير وزارة الزراعة والمؤسسات المسؤولة للبذور"، محذرة من أنه إذا تطورت هذه الأزمة بشكل أكبر فقد ينتج عنها خطر المجاعة ما قد يفجر صراعات عرقية وإثنية".
عماد حسن/ جينيفر هوليز