إفريقيا ممكن تلعب دور "البطل" في مواجهة التغيير المناخي
١٥ يونيو ٢٠٢٣في إطار النقاش بشأن التغير المناخي، عادة ما يتم تصوير إفريقيا كضحية. ولكن ماذا لو استطاعت القارة بدلاً من ذلك أن تتحول إلى منقذ أو بطل؟
خسائر للاقتصادات الإفريقية بسبب تغير المناخ
في تحليل لبلومبرغ تقول الكاتبة الصحفية لارا ويليامز في تحليل نشرته وكالة أنباء بلومبرغ إن إفريقيا تعاني من تداعيات الطوارئ المناخية، رغم أنها تتحمل قدراً ضئيلاً من المسؤولية عن الانبعاثات الكربونية المسببة لذلك. وكان نصيب إفريقيا من إجمالي انبعاثات العالم من ثاني أكسيد الكربون في عام 2021 حوالي 2,8% فحسب، مقابل 25% لأمريكا.
وتعاني إفريقيا من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، ومن فيضانات وانعدام الأمن المائي، وزيادة الأمراض، ومن أنماط طقس متغيرة. وبشكل إجمالي، تخسر الاقتصادات الإفريقية ما بين 5% و15% من النمو السنوي لنصب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بسبب تغير المناخ.
مسار مختلف للقارة السمراء
ولكن البعض يرى مساراً مختلفاً للقارة، يستطيع من خلاله المستثمرون وضع دول إفريقيا الـ54 في القلب من "ثورة صناعية" خضراء. وتمتلك القارة ثلاثة عناصر حيوية، تتمثل في القوى العاملة الفتية، والموارد الطبيعية الوفيرة، وإمكانات الطاقة المتجددة.
ومن بين المتفائلين جيمس موانجي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة " إفريقيا كلايميت فينتشرز" (مشروعات المناخ في إفريقيا). وتشمل استثمارات شركته "شبكات كوكو في رواندا"، وهو عبارة عن مشروع ناشئ يهدف إلى توفيرالوقود للطهي النظيف، بدلاً من استخدام الفحم والأخشاب، وأيضاً مشروع "جريت كاربون فالي" (وادي الكربون العظيم)، الذي يسعى إلى استغلال الموارد المتجددة في كينيا من أجل الصناعة الخضراء، وتقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون.
ثلاثة عناصر لتحقيق النمو الإيجابي
وفي حين أن المشروعات ركزت في البداية على شرق القارة، أشار موانجي إلى إمكانيات التحول في أنحاء القارة. هناك حاجة لثلاثة عناصر لتحقيق نمو إيجابي فيما يتعلق بالمناخ في إفريقيا:
أولاً، يتعين على القارة تحاشي التكنولوجيات كثيفة الانبعاثات في مجالي الإنتاج والاستهلاك.
ثانياً، تستطيع إفريقيا تقديم العون في إزالة الكربون على المستوى العالمي، باستضافة المزيد من الصناعات كثيفة الطاقة في العالم، وتوفير الطاقة المتجددة لها.
وعلى سبيل المثال، تقدر كينيا أنها تمتلك حوالي 10 آلاف ميجاوات من الطاقة الحرارية الأرضية، ولكن لم يتم تركيب سوى 950 ميجاوات فحسب من هذه السعة.
وتعد فرص الطاقة المتجددة والموارد الطبيعية الوفيرة جزءاً من أسباب إمكانية نجاح العنصر الثالث- أي تعزيز وتيرة إزالة الكربون، حيث يمكن للفحم الحيوي أن يساعد مزارعي الكاكاو.
والفحم الحيوي مادة تشبه الفحم، وهو شكل ثابت من الكربون يمكن استخدامه كسماد، وينتج من الكتلة الحيوية- الأغصان وبقايا الخشب- من خلال التحلل الحراري، أي التعرض للحرارة بدون أوكسجين. كما تستطيع كينيا إقامة مراكز لالتقاط الهواء المباشر في "الوادي المتصدع الكبير" في ظل وجود ظروف جيولوجية مثالية لتخزين ثاني أكسيد الكربون.
الإفراط في الاستدانة.. مشكلة الدول الإفريقية
ويفتقر نحو 77% من سكان إفريقيا جنوب الصحراء للكهرباء، وربما يبدو من الغريب التركيز على ربط الصناعة وإزالة الكربون بشبكة الكهرباء بدلا من إفادة الناس. ولكن إنجاز الشطر الأول ربما يفيد الهدف الثاني. وتكمن مشكلة الاقتصادات الإفريقية في الإفراط في الاستدانة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، مما يعني أنه لا يمكن تخصيص الأموال للاستثمار في زيادة سعة الشبكات.
وتشير ويليامز في تحليلها إلى حل ممكن لهذه المعضلة، وهو توفير طلب صناعي ثابت يقتضي توسيع شبكات الكهرباء، مع التخلص من المخاطر المالية المتعلقة بالاستثمار.
ويكمن مفتاح الحل في وجود تصاميم مدروسة، وعادلة- على سبيل المثال، السماح للشبكة بتوفير 20% من إنتاج مشروعات الطاقة لمناطق جديدة. وهناك أيضاً إمكانية توفير الطاقة بأسعار ميسورة.
وتواجه إفريقيا زيادة ضخمة في تكاليف إقامة المزيد من مصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيات الأخرى ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة. وعلى الرغم من الإمكانيات الهائلة، لم تشهد القارة سوى قدراً ضئيلاً من الاستثمارات في الطاقة النظيفة في العالم.
حلول مقترحة
والتعامل مع هذه القضية هو مفتاح الحل، وأحد الخيارات يتمثل في قيام بنوك التنمية متعددة الجنسيات، مثل البنك الدولي، بدور أكبر في تمويل وتأمين هذه الاستثمارات. كما يتعين على جهات الرقابة والتنظيم التأكد من أن أسواق الكربون- التي ينظر إليها على أنها مصدر مستقبلي مهم للتمويل في القارة- تتسم بالنزاهة، والشفافية، والعمل من أجل تحقيق فوائد موثوقة.
وتشير ويليامز إلى أن الحمائية المناخية التي يمارسها الغرب تعتبر تهديداً محتملاً. وعلى سبيل المثال، يهدد قانون الحد من التضخم في أمريكا، دون قصد، بالقضاء على المسارات التي تقود إلى إفريقيا، حيث يدعم فحسب سلاسل التوريد المحلية. ويهدد استبعاد صناعة الصلب الأخضر في تنزانيا، على سبيل المثال، من الدعم، بالقضاء على فرصة للتنمية المستدامة، ويضع حاجزا مع أي شريك تجاري مستقبلي.
وإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لوضع العدالة البيئية في الاعتبار- حيث يشير التحليل إلى العديد من مشروعات التحول الأخضر في العالم التي ارتبطت بالاستيلاء على الأراضي، وبانتهاكات حقوق الانسان.
ولكن ثمة أمثلة مضيئة، مثل شركة "كيبتو للطاقة" في كينيا، والتي تدفع لملاك الأراضي 1,4% من إجمالي العائدات السنوية التي تجلبها مزارع توليد الطاقة من الرياح التي تقام على أراضيهم، أي ما يعادل حوالي 12 الف دولار سنويا مقابل كل توربين رياح في هذه الأراضي.
وفي ختام التحليل، تؤكد ويليامز إنه حال تبنى المستثمرون والمطورون نهجاً يركزعلى إفادة الناس، مع وجود معايير راقية ومشاركة مجتمعية قوية، ستحظى الدول الإفريقية بتحركات لمواجهة التغير المناخي، وفي الوقت نفسه تعزيز مستويات المعيشة. وفي ظل التبدد السريع لهدف الحفاظ على الاحتباس الحراري دون 1,5 درجة مئوية، يمثل النمو الأخضر في إفريقيا فرصة أمام الجميع.
ع.ح./ع.ج.م. (بلومبرغ/ د ب أ)