إيران والانتخابات العراقية
إذا أراد المرء تصديق رواية ممثلي الحكومة العراقية الانتقالية برئاسة إياد علاوي، فان إيران متورطة منذ فترة طويلة في محاولة التأثير على مجرى الشؤون العراقية لصالحها. صحيح أن طهران تنفي ذلك لغاية الآن، ولكن الأمر الغير قابل للشك هو أن الحكومة الإيرانية تُولي منذ زمن بعيد اهتماما كبيرا بالأحداث والتطورات التي تجري على الساحة العراقية. فالعداء بين البلدين يمتد إلى عقود من الزمن، تحديدا بسبب الحرب العراقية الإيرانية التي كبدت البلدين خسائر فادحة وتركت عند الإيرانيين ذكريات سيئة.
جمهورية إسلامية
بالمقابل يتواجد العدو اللدود لإيران وهو الولايات المتحدة على أرض العراق المجاور، ولكن طهران تربطها علاقات جيدة على الأقل بالشيعة العراقيين أو ببعض زعمائهم السياسيين. فعلى سبيل المثال كان زعماء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، إحدى أهم حركات المقاومة الشيعية العراقية، يتخذون من إيران ولفترة طويلة مقرا لهم، وما زالت تربطهم علاقات وطيدة مع طهران حتى الآن. ويدور الحديث أيضا أن أحد أهم زعماء الشيعة في المهجر أحمد الجلبي، الذي أصبح مؤخرا من المغضوب عليهم من قبل الأمريكان، تربطه علاقات متينة مع إيران، لدرجة أن الحكومة العراقية الانتقالية وجهت إليه تهمة الخيانة العظمى وأصدرت أمرا باعتقاله.
تعرف الحكومة الإيرانية تماما أن معظم الشيعة في العراق لا يحلمون بالعيش في ظل نظام سياسي على الطريقة الإيرانية. ولكن طهران تشاطر الشيعة العراقيين مشاعرهم وتعمل كل ما بجهدها حتى يخرج الشيعة لأول مرة في تاريخهم كطرف رابح في الانتخابات العراقية القادمة. ولهذا بذلت إيران جميع الجهود للحيلولة دون امتداد أعمال العنف إلى المناطق الشيعية العراقية.
دور إيران المعتدل
ظاهريا تجهر إيران دائما بالقول أنها لا تريد التعامل مع متطرفين من أمثال أبو مصعب الزرقاوي أو مع أتباع النظام البائد، ولهذا فإن طهران بادرت دائما للمشاركة في المؤتمرات التي دعت إليها الولايات المتحدة والمخصصة لتقديم الدعم المادي للعراق، بل وقامت هي بنفسها بعرض المساعدات الاقتصادية على العراق. كما باشرت طهران بتنظيم حملة إعلامية مخصصة للعراقيين، فعلى سبيل المثال تبث محطات التلفزة والإذاعة الإيرانية برامج متقنة من الناحية الإعلامية مكنتها منذ فترة طويلة من احتلال مكانة ثابتة في الخارطة الأعلامية العراقية.
رغم اللعنات المتكررة التي يوجهها أعضاء الحكومة العراقية المؤقتة لطهران، ما زالت إيران تلعب لغاية الآن دورا معتدلا في قضية العراق. الإدارة الأمريكية تعرف ذلك، كما أنها تعرف أن الاعتداء على إيران قد يقلب الآية ويحول فجأة التأثير الإيراني في العراق إلى عنف. وإذا حاولت الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية لإيران، فإن الشيعة العراقيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي. في هذه الحالة سينتظر الولايات المتحدة في العراق جحيم تعتبر المشاكل الآنية التي تواجهها في الوقت الحاضر مقارنة معه نزهة قصيرة.