إيران والغرب: المصالح المشتركة أقوي من لغة التهديد والوعيد
سياسة النفس الطويل التي تتبعها الدول الأوروبية مع إيران فيما يتعلق بملفها النووي لا تنبع من كون حكومات هذه الدول حريصة ربما على عدم الخوض في نزاع مسلح جديد، بل وبسبب حرصها على مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى. وتدرك هذه الحكومات أهمية إيران بالنسبة لاقتصادياتها، الا ان احالة الملف النووي الى مجلس الأمن قد يترتب عليه فرض عقوبات اقتصادية على إيران تدفع ثمنها الحكومات الأوروبية نفسها. افضل ما يمكن أن يقال عن سياسة الغرب تجاه الدولة الاسلامية حاليا هو بانها سياسة العصا والجزرة.
من جانبها تعي إيران جيدا أهميتها بالنسبة للاقتصاد العالمي عموما والاقتصاديات الغربية بوجه خاص. ولعل ذلك هو مبعث تعنت طهران مع المجموعة الدولية وتحديدا مع الترويكا الأوروبية وإتباعها أسلوب المراوغة الذي يتمثل في الجلوس حينا الى طاولة المفاوضات والتهديد أحيانا كثيرة بوقف هذه المفاوضات ثم العودة الى استئناف الأبحاث النووية. هذا النوع من المفاوضات الماراثونية يعكس إدراك كلا الطرفين لحاجته للآخر انطلاقا من أرضية "المصالح المشتركة". الرئيس الإيراني احمدي نجاد عبر عن ذلك صراحة قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الترويكا الأخير حينما ذكرهم بلهجة تحمل نبرة تهديد بقوله: "إنهم في النهاية يحتاجون إلينا أكثر مما نحتاج إليهم". ويبدو أن الرئيس واع تماما لحاجة الغرب عموما الى النفط والغاز والسوق الإيرانية. وكان وزير الطاقة الإيراني قد لمح الى ان إحالة ملف بلاده الى مجلس الأمن من شأنها ان تساهم في رفع أسعار النفط المرتفع أصلا.
التبادل التجاري الألماني ـ الإيراني
تتمتع ألمانيا بعلاقات اقتصادية عريقة مع إيران التي تعتبر أحد أهم شركائها التجاريين في منطقة الشرق الأوسط. وقد لاقت الصناعات الألمانية خلال الأعوام الماضية رواجاً كبيراً في السوق الإيرانية. وتعتبر ألمانيا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث حجم التبادل التجاري مع ايران، لاسيما في مجال التصدير. وبلغة الأرقام بلغ حجم الصادرات الألمانية الى إيران عام 2005 حوالي 4.5 مليار يورو، بزيادة مقدارها 30 في المائة عن العام السابق. كما وصل عدد الشركات الألمانية العاملة في إيران عام 2004 الى حوالي 200 شركة، بينما كان يتم التفاوض من قبل على ما يربو على خمس آلاف شركة ألمانية أخرى ترغب في دخول السوق الإيرانية. أما أهم قطاعات الاستثمار التي تعمل فيها الشركات الألمانية في إيران فهي تصنيع السيارات، بناء السفن، صناعة الألمنيوم، الصناعات البتروكيماوية، رصف الشوارع، النقل، الصناعات المائية والكهربائية وغيرها. يذكر ان شركات السيارات الألمانية العملاقة مثل ليندا، دايملرـ كريسلر، فولكس فاجن تعد من أهم الشركات التي تستثمر في إيران. وتمثل إيران أيضا مصدرا مهما للطاقة بما تملكه من احتياطيات ضخمة، لاسيما في ظل الارتفاع المتزايد لأسعار النفط وفي ظل سعي الدول الأوروبية ـ ومنها بطبيعة الحال ألمانيا ـ الى البحث عن تنويع لمصادر الحصول على الطاقة للتحرر من التبعية للغاز الروسي. في هذا السياق يقول الخبير الألماني في الشؤون الايرانية فولكر بيرتيز "إذا كنا نفكر في الحصول على بدائل أخرى لمصادر الطاقة في المستقبل القريب، فإننا نحتاج لإيران أكثر مما تحتاج هي لنا". ويعتقد المحللون ان أية عقوبات دولية على إيران من شأنها ان تلقي بظلالها على الاقتصاد الألماني.
العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على قطاع النفط
تشكل إيران باحتياطياتها الضخمة من النفط والغاز واحدة من أهم مصادر الحصول على الطاقة في العالم، وبالتالي فان الاقتصاد العالمي سوف يتأثر كثيرا في حالة وجود عوائق معينة للستفادة من امكانيات هذه السوق. ولذلك يعتقد الكثير من الخبراء بان فرض عقوبات اقتصادية تتضمن منع تصدير النفط الإيراني غير واقعي وغير متوقع أصلا. واذا ما حصل ذلك، فانه سيكون بالنسبة للدول الصناعية الغربية كمن يقطع شريان وريده بنفسه، حسب تعبير يوخن كلاوسنيتزر، الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى غرفة التجارة والصناعة الألمانية. فعدم تصدير النفط الايراني سيحدث عجزا في السوق العالمية يقدر بـ 2.6 مليون برميل يوميا، وهو حصة إيران من تصدير النفط التي حددتها منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. وهذا يعني ارتفاع في أسعار النفط في الأسواق العالمية الى حوالي ثلاثة أضعاف عما هي عليه الآن، وذلك حسب تقديرات المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (دي اي دبليو)، لاسيما وان الدول المصدرة الكبرى مثل روسيا والسعودية قد بلغت طاقتها التصديرية القصوى.