اتهامات بالتحرش الجنسي تطارد ناشطين حقوقيين بمصر
١٨ يوليو ٢٠٢٠مرت عدة سنوات منذ أن حدثت الواقعة ولم يندمل ألمها بعد، إلا أن انتشار شهادات الفتيات أمامها وكشفهن عن حوادث تحرش داخل المجتمع الحقوقي، شجعها على المضي قدما لتغيير الوضع. تحدثت بسنت عبدالوهاب لـDW عربية، عن تعرضها للاعتداء الجنسي من موظف بالمركز الإقليمي للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني)، وقالت: "ظللت أنكر ما حدث وأحاول أن أتناساه لكن الألم النفسي كان يلاحقني".
بعد فترة من التردد، قررت بسنت في طرح قصتها، فحظيت بدعم أصدقائها وعائلتها - التي لم تعرف الأمر في البداية -: "عندما نشرت شهادتي، كان هدفي تحذير الفتيات منه، لكن فوجئت بأخريات يتحدثن عن مضايقات من نفس الشخص، وصُدمت عندما علمت أنه يستغل عمله بالمجال الحقوقي في ممارسة هذا السلوك".
وتضيف بسنت بأنها جمعت شهادات لأخريا مشيرة إلى أن "بيننا شيء مشترك وهو أن هذا الشخص يجذب البنات متخفيا وراء المبادئ الحقوقية ويتحول إلى معتدي لا يحترم حريتهن، وسنقدمها للجنة التحقيق".
وتوضح بسنت: "وجدت أنه استخدم نفس الطريقة مع الفتيات لجذبنا إليه مثل: أنا مناضل وحقوقي وتعرضت للحبس وأحترم حرية المرأة"، في المقابل تنظر إليه الفتاة على أنه سيوفر لها مساحة آمنة ويحترم قراراتها وكلمة (لا)، لكن "تفاجئنا بعقلية ذكورية متناقضة المبادئ".
وقف المتهم عن العمل
وعلقت المحامية ورئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، نهاد أبو القمصان، في حديث لـ DWعربية، قائلة: "الحقيقة ما حدث أمر مشين للغاية، حيث ارتكب الجريمة شخص يعرف جيدا أن العمل الحقوقي يرفض ذلك السلوك ودوره التوعية به"، وهو ما وصفته بـ"الجريمة المركبة والمزدوجة المستويين المهني والأخلاقي".
ومن جانبه أعلن المركز الإقليمي للحقوق والحريات، في 10 يوليو/تموز، وقف الموظف محل الاتهام عن العمل للتحقيق في شكوى بسنت وأخريات بارتكابه انتهاكات جنسية معهن، وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق. وهو ما اعتبرته الفتاة العشرينية، "خطوة إيجابية للغاية، بعكس ما كان يحدث سابقا من تغاضي عن وقائع اعتداء وتحرش داخل مؤسسات حقوقية والضحايا لم يجدوا عدالة أو دعم حقيقي".
ورفض الموظف الموقوف أ. ب. طلب DW عربية التعليق على الاتهامات الموجه له، وقال إنه ينتظر انتهاء التحقيقات.
تأثير حركة #أنا_أيضا
وفي مطلع يوليو/ تموز تفجرت قضية تحرش جديدة في مصر بعد اتهام طالب مصري بالتعدي على فتيات وهتك عرض 3 منهن بالقوة والتهديد. وجددت الواقعة النقاش حول الظاهرة وصاحبها حملة #أنا_أيضا (مي تو) على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع بالحكومة والسلطات الدينية لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الظاهرة.
ومع انتشار موجة #أنا_أيضا، خرجت ناشطات وعاملات في المجتمع المدني لتكشفن عن تعرضهن لانتهاكات جنسية مارسها عاملين بعدة مؤسسات، مثلما حدث مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير البارزة، التي أعلنت في 9 يوليو/تموز، فصل مدير وحدة الأبحاث لديها م. ناجي. واعتذرت المؤسسة بشدة عن "عدم وضع سياسة لمكافحة التحرش الجنسي والتمييز خلال السنوات السابقة".
اتهامات أخرى بالتحرش
لم ينته الأمر بعد، حيث أوقف مركز حقوقي ثالث وهو مركز بلادي للحقوق والحريات، الثلاثاء 14 يوليو/تموز، مدير إحدى برامجه م. ح. عن العمل بعد اتهامه أيضا بالتحرش.
تلك الوقائع ليست الأولى داخل المجتمع الحقوقي، فقد سبق وأتهم المحامي الحقوقي البارز والمرشح الرئاسي السابق خالد علي ومحام آخر بالتحرش الجنسي واغتصاب موظفة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وبعد تحقيق داخلي تمت تبرئة ساحة "علي" فيما أدين موظف المركز الآخر بارتكاب "سلوك مشين"، وهي الواقعة التي تسببت في استقالة علي من عضوية حزب العيش والحرية، وكذلك من عمله كمستشار للمركز في فبراير/شباط عام 2018.
"تصفية حسابات"؟
لكن البعض ربط تلك الوقائع بما أسماها التضييقات التي تمارسها السلطات على المراكز والجمعيات الحقوقية وأنها تأتي في إطار حملة لتشويه لهذه المؤسسات. ويقول المحامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، ناصر أمين، في حديث لـDW عربية، إن "جريمة التحرش بالغة السوء وتعكس أزمة مجتمعية كبيرة للغاية ترتبط بأوضاع المرأة في مصر". لكن أمين يرى في الوقت نفسه أن ربط التحرش بالمجتمع الحقوقي "محاولة لتصفية الحسابات" بهدف تشويهه حيث تتعرض المنظمات لتضييقات وملاحقات قضائية منذ سنوات، مضيفا: "التحرش يحدث في المؤسسات الحقوقية مثل كل المؤسسات العامة والخاصة، وبالتالي علينا أن نكون موضوعيين، (ويجب) أن تتعامل المؤسسات الحقوقية بشفافية إزاء هذا السلوك وتعلن الحالات التي لديها".
وذكر أن "المجتمع الحقوقي قادر على أن يتحمل هذا النوع من الاتهامات وأن يتصدى لهذا الحملات رغم قسوتها، وأن يكون قدوة في أن يضع قواعد لضبط هذا السلوك وحماية العاملين والعاملات أو هذا المجال".
قانون شامل لمواجهة ظاهرة التحرش
بينما تؤكد بسنت: "أي حد يتحدث عن سلوك شخص حقوقي أيا كانت مكانته أو مستوى نضاله، فهي شهادة تحترم وتستحق الدعم، ولا يصح أن نتغاضى عنها بحجة أنها تشوه العمل الحقوقي". وتضيف: "أرى ولست وحدي، أن المجتمع الحقوقي بشكل عام لو لم يتخلص من هذا السلوك سريعا، هو نفسه سيفقد مبادئه".
من جانبها تقول أبو القمصان إن السلطة استهدفت المجتمع الحقوقي بشتى الطرق والحملات العلنية، لكن ربط ذلك بقضية التحرش "خلط الأوراق ببعضها وهروب من الواقع". ورأت أن منظمات المجتمع المدني مثل أي مؤسسة مصرية تحتاج لبناء سياسة لمكافحة التحرش، داعية في الوقت نفسه، إصدار قانون مجتمعي شامل بلائحة تنفيذية لمواجهة الظاهرة.
محمد مجدي ـ القاهرة