استخدام الملاعب كمنصة للحملات الانتخابية
هل يمكن فصل الرياضة عن السياسة ؟ إنه السؤال الذي يطفو بين الفينة والأخرى عن العلاقة الممكنة بين الرياضة والسياسة، ويكون الإيجاب بالنفي مستحيلا في أحيان كثيرة. فما الذي دفع جماعة من الفلسطينيين مثلا إلى الهجوم على القرية الأولمبية في ميونخ عام 1972؟ ألم يكُن نزاع الشرق الأوسط السبب في ذلك! وحينما قدم كل لاعب من المنتخب الإيراني لنظيره الأمريكي وردة في إحدى نهائيات كأس العالم، اعتبرها بعض المحللين أنها إشارة سياسية من إيران تجاه الولايات الأمريكية المتحدة. ويمكن التساؤل أيضا عن خلفية حضور المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر شخصياً حفل الإعلان عن البلد المنظم لنهائيات كأس العالم لسنة 2006. ألم ير كثيرٌ من المراقبين أنه فعل ذلك من أجل تلميع صورته عند الناخب الألماني؟ إذاً غالباً ما يلجأ السياسيون إلى استغلال الفعاليات الرياضية لأغراض سياسية
لكن هل يجوز الخلط بين الرياضة والسياسة؟ هذا ما يشغل الكثيرين في عالم الرياضة. وغالباً ما تعلو أصوات تنادي باستثناء بلد ما من فعاليات أو بطولات رياضية عالمية، على سبيل المثال حرمان بلد تأهل بجدارة إلى بطولة عالمية من خوض غمار هذه البطولة، وأحياناً أخرى تعلو أصوات تُطالب بمقاطعة بطولة أو مسابقة عالمية ما لأنها تُقام على أرض معادية أو أرض مرغوب فيها. آخر مثال على محاولة استغلال الرياضة لأغراض سياسية كان الاقتراح الذي تقدم به بعض السياسيين الألمان القاضي بحرمان إيران من المشاركة في نهائيات كأس العالم 2006 في ألمانيا، وذلك رداً على التصريحات المعادية للسامية التي أصدرها الرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد.
الفيفا يرفض تدخل السياسة
من جهته رفض الإتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) دعوة بعض السياسيين الألمان منع إيران من المشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي تستضيفها ألمانيا في صيف العام الحالي. إذ كما يحاول الإتحاد الدولي أن يبقى بعيدا عن السجال السياسي. وفي السياق نفسه صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي أنها لن تتبنى المطلب القاضي بحرمان المنتخب الإيراني من المشاركة في نهائيات كأس العالم. غير أن زيارة متصدر الدوري الألماني لكرة القدم فريق بايرن ميونيخ لطهران وخوض مباراة ودية مع المنتخب الإيراني هناك، أثارت عدداً من ردود الأفعال لدى البعض الذين اتّهموا الفريق البافاري بإضفاء شرعية على نظام احمدي نجادي، لا سيما أن الزيارة جاءت بعد فترة وجيزة من التصريحات المعادية لإسرائيل التي أطلقها الرئيس الإيراني.
استحالة الفصل بين الرياضة والسياسة
على خلفية الضجة التي خلفتها زيارة النادي البافاري إلى طهران، اضطر رئيس النادي اولي هونيس إلى التصريح قائلا: " نحن ذاهبون لخوض مباراة كرة قدم وليس لخوض حرب". أما نائب الرئيس الإيراني السيد محمد علي عبادي فحاول استغلال هذه المناسبة ليعطيها بعدا سياسيا بتصريحاته التي دافع فيها عن حق إيران في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية. من ناحية أخرى أثارت العلاقة بين السياسة والرياضة اهتمام البروفيسورة السوسيولوجية غابغيال كلاين، التي تعنى بالمغزى السوسيولوجي للحركة والرياضة والرقص، وفي تعليق لها على تدخل السياسة بالرياضة قالت كلاين: " كانت الرياضة تخضع دوماً للسياسة." وأضافت: "إن ممارسة كرة القدم فوق العشب الأخضر ليس إلا جزءاً بسيطاً من مُجمل الأحداث. هذا يعني أن الفعاليات الرياضية لا تقتصر على فوز أو خسارة فريق ما، بل هناك أمور أخرى تلعب أدواراً كبيرة في عالم الرياضة. وهذالا ما يتّضح جلياً من خلال الضجة السياسية التي أثارها قرار الفيفا بإلغاء الحفل الافتتاحي لنهائيات كأس العالم الذي كان مقرراً في الملعب الأولمبي في برلين. فعلى الرغم من أن حفل الافتتاح ليس له أي علاقة بالمنافسات على أرض الملعب، إلا أن قرار إلغائه أثار موجة عارمة من الاستياء.
الرياضة تجتذب الجماهير
ترى البورفيسورة كلاين أن استضافة حدث رياضي عالمي بهذا الحجم أمرٌ في غاية الأهمية بالنسبة للمدن واللجان الوطنية الرياضية. وتابعت كلاين القول إن اختيار مدينة ما لاستضافة فعاليات إحدى البطولات العالمية أمرٌ يعود عليها بالنفع لأن المهرجانات الرياضية تجتذب أعداداً هائلة من الجماهير. من جهته يرى السيد هانس جورج إيغارت من معهد هامبورغ لبحوث السلام والسياسة الأمنية، يرى أن الرياضة تساعد المسؤولين السياسيين على الحفاظ على شعبيتهم لدى الناخبين، فللرياضة دور ثقافي كبير في المجتمع، لأنها تشحن عواطف المشجعين. لذا يُحاول المسؤولون السياسيون خاصة في الأنظمة القمعية الظهور بشكل بارز في المهرجانات الرياضية لاستغلال الاهتمام الكبير بالرياضة للترويج لسياساتهم واستمالة عشاق الرياضة إلى نهجهم السياسي. وهذا ما قام به هتلر عام 1936 حين حاول استغلال الألعاب الأولمبية لقتديم الرايخ الثالث بشكل إيجابي وخلق انطباع جيد عن ألمانيا النازية.
تعزيز العلاقات الخارجية
يرى توماس لوفر من جامعة ماربوغ أن الفعاليات الرياضية العالمية تمنح المسؤولين السياسيين فُرصة أخرى بعيدة عن أجواء المؤتمرات الدولية والصحافية، لتعزيز أواصر الاتصال بينهم من أجل توطيد العلاقات بين بلدانهم. فعلي سبيل المثال يستغل بعض السياسيين من الهند وباكستان بطولات الكريكيت الدولية للبحث في سبُل توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين. كذلك بطولة العالم لكرة القدم التي نُظمت في كوريا الجنوبية واليابان ساهمت بشكل كبير في تحسين العلاقات بين الجارين. وهكذا يُمكن أن تساهم الرياضة في تحسين العلاقات وتوطيدها بين الدول. أما الرياضيون الذين نادراً ما يًسألون عن آرائهم، فلا يهتمون بما يدور بين قادة جول العالم على المنصة، حسب قول رضا فيصلي، المشرف على اللاعبين الإيرانيين في الدوري الألماني. ويُضيف فيصلي: "إن لاعبي كرة القدم ليسوا إلا رياضيين، وهم لا يتأثرون بالسياسة الدولية. فالرياضة رياضة والسياسة وسياسة. ومن المفضل أن لا يتدخل السياسيون بكرة القدم".