استنفارعسكري في المغرب بسبب الوضع الأمني في ليبيا
٢١ أغسطس ٢٠١٤عدم قيام الحكومة المغربية بإبلاغ الرأي العام، وتكتم المصالح الأمنية يزيد من حدة التساؤلات حول ما أعلنت عنه وسائل إعلام مغربية عن استنفار 70 ألف جندي وقيام الجيش بنشر عتاد عسكري في مناطق متعدد من البلاد بشكل غير مسبوق.
التكهنات تسير في اتجاه درء هجوم إرهابي محتمل على المملكة المغربية انطلاقاً من الأراضي الليبية، فحسب ما نشرته جريدة الخبر الجزائرية نهاية الشهر الماضي، توجد المغرب والجزائر وتونس، في مرمى تنظيمات إرهابية، قامت بخطف طائرات مدنية من مطار العاصمة الليبية، وهي تخطّط لضرب مصالح الدول الثلاث التي تسنّ قوانين صارمة ضد التطرف الديني، خاصة ما يُعرف بالسلفية الجهادية، وهو التيّار الذي ينتمي إليه المقاتلون المسيطرون على جزء مهم من المناطق الليبية.
ويزيد الربط الجوي الذي أعلن عنه المغرب بهدف ترحيل مواطنيه من جحيم الحرب الليبية هناك، وعدم خضوع المطارات الليبية لأي مراقبة أمنية، من حَذر المصالح الأمنية المغربية من هجمات إرهابية محتملة، خاصة وأن المغرب كان قد أعلن رسمياً على لسان وزير داخليته، محمد حصاد، في 10 يوليو الماضي، عن تزايد أعداد المغاربة المنتمين إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" بسوريا والعراق، وعن وجود قائمة شخصيات مغربية مستهدفة من طرف هذا التنظيم الإرهابي.
التوتر الليبي يرهق المغرب أمنياً
يؤكد الأستاذ الجامعي المغربي إدريس لكريني، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، في تصريحات لـDW /عربية، أن حالة الاستنفار التي يشهدها المغرب، تعود إلى أسباب كثيرة، منها أولاً وجود تحذيرات تقوم على معلومات استخباراتية قدمتها دول غربية للمغرب بعد اختفاء الطائرات الليبية، وثانياً تسعى بعض الحركات المسلّحة في المنطقة للعودة بقوة إلى الواجهة بعد سنوات تضييق الخناق عليها، مستفيدة في ذلك من أوضاع تسرّب السلاح والهشاشة الأمنية وضعف الدولة المركزية في ليبيا.
ويضيف إدريس لكريني الذي يدرّس العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، أن التوتر الذي تشهده ليبيا في هذه المرحلة، يشكّل فضاءً خصباً لانتعاش الجماعات المتطرفة، مما عزّز من قدراتها التقنية والبشرية بشكل كبير. كما يزيد هذا الوضع من حجم التحديات الأمنية التي يواجهها المغرب، حيث تم أخيرا الإعلان عن تفكيك خلية متخصّصة في تجنيد مغاربة للقتال في سوريا والعراق.
واعتبر إدريس لكريني أن "التحرّك العسكري المغربي غير المسبوق، براً وجواً وبحراً، يعبر عن الجهود التي راكمها المغرب منذ الاعتداءات الإرهابية في 16 مايو 2003، وهي جهود لا تتمحور على الجانب الأمني الصِرف، بل تبقى كذلك بحاجة إلى تدابير وإجراءات ترتبط بكل الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تغذي ظاهرة التطرف"، وأضاف أن هذه الجهود تحتاج أيضاً إلى تعزيز التنسيق الدولي والتعاون الإقليمي"، فحتى ولو كان الخطر هذه المرة من ليبيا، فقد يمكنه تجاوز الحدود واستهداف دول المنطقة، حسب الخبير لكريني.
الموجة الثالثة من الجهادية
من جهته يرى الباحث المغربي في الجماعات الإسلامية، عبد الإله السطي، أن "العالم الإسلامي يعيش حالياً موجة ثالثة من الجهادية بعدالوجود السوفياتي بأفغانستان، والتدخل العسكري الأمريكي بالعراق وأفغانستان من خلفية أحداث 11 شتنبر الإرهابية. وإذا كانت الموجتين، الأولى والثانية، موجهتيْن بالأساس ضد عدو أجنبي، فإن الموجة الحالية تستهدف الداخل، أي أنها موجهة ضد مسلمين يختلفون في المذهب الديني أو التوجه الإيديولوجي، كما يلاحظ الباحث المغربي.
ويضيف عبد الإله السطي، صاحب دراسة "المقدس والإسلام السياسي"، أن هذه الموجة الثالثة التي ظهرت بداية في العراق وسوريا من أجل نصرة المسلمين السنة، والتي انطلق منها موقف تكفير كل من يخالف أرضية السلفية الجهادية وتوجهاتها الفقهية، تُهدّد المغرب بشكل واضح، خاصة وأنه البلد الأصل للكثير من قيادييها، رغم محاولاته في السنوات الأخيرة لضبط الحقل الديني، وتوفير أرضية مواجهة لأيّ تطرّف.
ويعتبر عبد الإله السطي أن الاقتتال بين الميليشيات المسلحة في ليبيا في الآونة الأخيرة يشير إلى فشل الدولة في السيطرة على الأمن الداخلي، حيث ستكون لذلك تداعيات كبرى على المنطقة، خصوصاً في ظل سيطرة بعض الميليشيات على مرافق حيوية تربط ليبيا بالمحيط الخارجي كالموانئ والمطارات، في أعقاب تصاعد موجات العنف بين "أنصار الشريعة" وقوات "حفتر" وبالتزامن مع عودة الجهاديين من سوريا والعراق لمناصرة الإسلاميين. غير أن الخبير السطي يعتقد في نفس الوقت أنه من الصعب أن ينعكس ذلك بالمِثل على بقية بلدان شمال إفريقيا، بسبب امتلاك هذه البلدان لقدرات تمكنها من تحصين حدودها والسيطرة على أوضاعها الأمنية.
يذكر أن المغرب كان هدفا لبعض الهجمات التي حملت طابعاً إرهابياً، حيثُ استهدفت تفجيرات انتحاريين مغاربة في الدارالبيضاء عام 2003 فندقاً ومطعمين ومقبرة يهودية ومؤسسات دول أجنبية، أسفرت عن قتل 45 شخصاً بما في ذلك منفذيها، كما قتل ثلاثة سياح أجانب في هجوم على أحد الفنادق بمراكش عام 1994، أدى إلى حدوث توتر في العلاقات المغربية-الجزائرية بسبب اتهامات لمواطنين جزائريين بالتورّط في التفجير. وعام 2011 قام شاب مغربي متأثر بالفكر الجهادي بتفجير إحدى المقاهي في مراكش أيضا، ذهب ضحيته 17 مواطناً مغربياً وأجنبياً.