جدل وتشف في ضحايا اعتداد اسطنبول من العرب
٦ يناير ٢٠١٧مضى أسبوع تقريبا على اعتداء اسطنبول الذي خلف حوالي 40 قتيلا وعشرات الجرحى، لكن الجدل الذي صاحب الأخبار حول وجود ضحايا عرب في الاعتداء لم يهدأ بعد على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان مسلح اقتحم ملهى ليليا شهيرا في المدينة ليلة رأس السنة وبدأ بإطلاق النار على مرتاديه بشكل عشوائي. وكان من بين الضحايا سعوديون ولبنانيون ومغاربة وأردنيون وتونسيون وعراقيون بالإضافة إلى جنسيات أخرى. على وسائل التواصل الاجتماعي كانت ردود الأفعال على خبر مقتل أشخاص من هذه الجنسيات متباينة، فبينما نددت فئة بالعملية الإرهابية وعبرت عن أسفها لوفاة هؤلاء الضحايا، وجدها آخرون فرصة للتشفي فيهم وحتى الترحيب بمقتلهم لأنهم أنهم كانوا في ملهى ليلي.
شماتة وسخرية
أصيبت أربع مغربيات في الاعتداء وتم التركيز على فتاتين من ضحايا الهجوم وهما توأم. نسيمة ونسمة الراجي كانتا تحتفلان أيضا برأس السنة في المهلى الليلي، وبينما عبر البعض عن تعاطفه معهما، بدأ آخرون حملة تشفي ونشرت تعليقات تصفهما بالعاهرتين بسبب تواجدهما في ملهى ليلي والاحتفال بمناسبة لا تخص المسلمين حسب بعض المعلقين. وانتقد البعض مجرد اهتمام الإعلام المغربي بتناول الحالة الصحية للمغربيات اللواتي أصبن في الحادث بشكل عام. أحد المعلقين على فيسبوك كتب: "... وتطمئنون الرأي العام عن الحالة الصحية لعاهرات كن في أحضان الخليجيين..إعلام مسخر من طرف المخزن الفاسد لقمع الشرفاء والأحرار ويهلل .. والفسق...".
وتفسر الصحفية المغربية ودكتورة علم الاجتماع سناء العاجي حملة التشفي هذه بوجود مشكلة في أنظمة التربية والتعليم التي تطور منظومة قيم تجعل الكثيرين يعتبرون أي شخص يذهب إلى النوادي الليلية أو السينما سيئا وبدون أخلاق. وتذكر العاجي في حوار أجرته معها DW عربية أن الخطير هو محاسبة من يذهب لنادي ليلي وعدم محاسبة من يقتل باسم الدين مضيفة: "هل يدرك كل أولئك الذين يشمتون الضحايا أنهم لم يدينوا الفعل الإرهابي بتاتا، بينما أدانوا الضحايا؟ علينا أن ننتبه إلى كون الإرهاب اليوم لم يعد يستثني النادي الليلي أو المسرح ولا المسجد أوالكنيسة. ألم تعرف الأشهر الأخيرة عمليات إرهابية في أماكن عبادة؟ فهل يكون ضحية الإرهاب في مسجد أكثر استحقاقا لتضامننا، من ضحية الإرهاب في نادي ليلي؟ الإرهاب واحد وعلينا إدانته في جميع الأحوال. إدانة الإرهاب وليس الضحية."
شتائم وطائفية
ووصلت حدة الشتائم وأعدادها إلى حد أن وسائل إعلام محلية ودولية تناولت الموضوع. وبالتزامن مع هذه الحملة استغرب وتساءل عدد من النشطاء المغاربة على فيسبوك عن سبب عدم اتخاذ السلطات المغربية إجراءات عقابية في حق الذين أشادوا باعتداء داعش في اسطنبول بينما تعاملت بصرامة مع الذين أشادوا بمقتل السفير الروسي في أنقرة واعتبرته تأييدا للإرهاب. وتقول العاجي في هذا الإطار: "يجب متابعة كل من يشيدون بالإرهاب ويبررونه في جميع الحالات لكي يعي الجميع بأن محاولة تبرير الإرهاب في أي مكان في العالم، هي جريمة جديدة في حق الضحايا وتنظير لجرائم إرهابية أخرى قد تأتي. كل ضحايا الإرهاب، من مسلمين ومسيحيين وملحدين، سواء في مساجد أو في ملاهي أو في مسارح، كلهم يستحقون تضامننا. وكل من يحاول تبرير فعل الإرهاب فهو إرهابي من نوع آخر".
في السعودية أيضا تفاعل الكثيرون مع وجود سعوديين ضمن ضحايا الهجوم، وتم التركيز على لبنى غزيوي والمحامية شهد السمان وانتشرت صورهما على تويتر وعلق عليهما الكثيرون من بينهم معارف لهما نوهوا بخصالهما، بينما انتقد آخرون تواجدهما في ناد ليلي للاحتفال بليلة رأس السنة. أحد المعلقين وصف ساخرا إحدى الضحيتين بأنها "شهيدة الملاهي التركية". وكان ملفتا أن عدة وسائل إعلام سعودية كانت تتفادى استخدام كلمة ملهى ليلي وهي تتحدث عن ضحايا الهجوم. وبدلا من ذلك تم استخدام كلمة مطعم. وتعلق العاجي على هذه النقطة بالتأكيد على أهمية إدانة الإرهاب في كل الحالات، وتضيف قائلة: "مثل هذه السلوكيات تتغاضى عن الجريمة الحقيقية التي يجب إدانتها: الإرهاب والقتل باسم الدين. فهل نخجل من النوادي الليلية أكثر مما نخجل من القتل باسم الدين؟".
واتخذ هذا الموضوع أيضا مناسبة لتبادل الشتائم والإهانات والسخرية بتعليقات طائفية بين بعض المعلقين باسم الشيعة أو السنة.
حملة مضادة
وبالتزامن مع الحملة العنيفة ضد الضحايا عبر الكثيرون عن رفضهم للتشفي في ضحايا اسطنبول ومنهم من كان يرد على التعليقات المسيئة لهم. ومنهم خالد بالبيسي الذي علق على تويتر قائلا: "أقول لكل من يشمت لا تغتر بطاعتك ولا تحقر أحدا على معصيته فقد يدخل الجنة قبلك. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين. هذا دعاؤنا دائما".
وعلق عميرة أبو عبدو على فيسبوك في رد على "الشامتين" بالقول: "الشعوب العربيه ستبقى في القاع. تشمتون في موت أهلكم... في سوريا والعراق وغيرهم من الاعراب ما صار فيهم هيك غير من ورا الجهل والتخلف والحقد اللي معشش عندكم...بالآخر بتطلعوا بره بلادكم اللي خايفين عليها من أول رصاصه بالهوا وبتتركوها للدواعش والناس اللي بتشوه صورة الإسلام أكتر لأنكم بالأصل أكبر تشويه للعروبه والاسلام..في أم وأب للرضيع في الاعتداء...في توأم وحيدين أمهم..في بنت وحيدة أبوها..."
وإن كانت السلطات في هذه البلدان لم تتخذ بعد إجراءات عقابية رغم كل التعليقات التي تحمل في طياتها ترحيبا بعمل إرهابي تدينه قوانين هذه الدول، إلا أن هناك استثناء حتى الآن هو حالة مرشد سياحي لبناني أوقفته السلطات اللبنانية بسبب تغريدة له على موقع تويتر كتب فيها "ماتوا في خمارة بعد ممارسة العربدة والسكر الشديد". وتقول سناء العاجي إنها مع متابعة كل من يشيدون بالأعمال الإرهابية ومن يهاجمون الضحايا، "ولكن في نفس الوقت المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي. علينا الاعتماد على الثقافة وعلى مناهج التعليم وعلى الإعلام لزرع أفكار وقيم جديدة تنمي الوعي لدى الناس بخطورة هذه السلوكيات".
الكاتبة: سهام أشطو